الاثنين، 21 ديسمبر 2009

العودة للوطن(Back home)

فكرت في صورة لليبيا، خريطتها، معالم سياحي لكنني سرعان ما ابعدت هذه الراديكالية عن رأسي و وضعت صورة اخي (عبدو) مع نعجته والحملين (الحوالا) التوأم، فهذه ليبيا لي وهؤلاء هم الاحباب.

هذا هوائك ليبيا وهذه ارضك وانا وعائلتي الصغيرة هنا من جديد ما أجمل العودة بكل مفارقاتها، فرحة اللقاء بالأهل من جديد الأحياء
والأموات ، أفراد جدد على العائلة انساب وأصهار، أطفال ولودوا بعد مغادرتي وأطفال كبروا في تلك الأثناء
لكن ماذا عن مدونتي? مدونة جواز سفر، يوميات امرأة ليبية في دولة اوروبية، ولم تعد هذه الليبية في دولة اوروبية، أنها هنا الآن في شمال أفريقيا فهل تصير يوميات امرأة ليبية وحسب.
هل اقفل المدونة بالرغم من جاهزية الكثير من تجاربي المكتوبة لإدراجها كما عشتها في المملكة المتحدة أم انقل نظري نحو يوميات ليبية وما أزخرها .

البعض تعجبه المدونة وأنا فخورة واحمد الله أن لي قراء عددهم يفوق ما تصورته بكثير البعض الأخر ينتقدني، وجدت الأهل والأصدقاء والجيران يقرؤونها أو على الأقل يطلعون عليها، اقرب الأقارب يقرأها وقد يكون في ذلك حرج وقد لا يكون تبعا للعقلية التي سنفكر بها، زوجي يصر على المضي قدما والدكتور غازي القبلاوي يشجعني كما العادة(ننتظر عودتك كريمة لعالم التدوين)

وأنا سأعود فقد أصبحت المدونة جزءا من حياتي وعائلتي وسأكبر معها، أتعلم من أخطائي واعرف كيف أضع إصبعي في عين الحقيقة وابتسم

سأعود للتدوين من أجل تلك العلاقة الالكترونية الحميمة مع أصدقاء ربطني بهم (Link) فأشتاق إلى ما يكتبون، ما تكتب ليلى في نوهمة وتدوينات انس الى اول صديق الكتروني عبر الشبكة العنكبوتية نسيم ليبيا، وكل الأصدقاء

أعود إن شاء الله

كريمة الفاسي

السبت، 11 يوليو 2009

يا يحيى خذ الكتاب بقوة

هي دورة الحياة، الفطرة التي خلق الله عليها الكون

أجيال ترحل، وأجيال تأتي
أسماه أباه "يحيى" ليكون رجلاً مؤمناً، تقياً، وقوياً
أما أنا (نجبر عليه: هذا وليد الغربة)
فلذة الكبد وحكايةٌ ملئ الحياة
طفلٌ رضيع يحتاجني وأحتاجه
طفلي:
يحيى رامز النويصري
فجر الجمعة
3-7-2009
نيوكاسل
RVI Hospital

الخميس، 25 يونيو 2009

لن تستطيع معي صبراً

بسم الله الرحمن الرحيم

َقالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً{67}
سورة الكهف.

كلما ضاق بي الحال وغصت المرارة حلقي، أجد هذه الآية بعبرتها ماثلة أمام عيني (قال إنك لن تستطيع معي صبرا)، وأعرف أن هنالك ما يكمن وراء الغيب، في علم الله، لا ندركه لكينونة آدميتنا أو لعجز بصيرتنا، وربما لاستعجالنا في تفسير الأحداث ومجرياتها، وأعرف أنني لا أستطيع صبراً، رغم مجالدتي أظل أمسك جمر عقلي القاصر، أحاول أن أدفع بنفسي إلى الأمام، أن أتجاوز وجعي وألتف عليه، ولا أزال مشتتة وممزقة، ألتجئ إلى المدونة، أريد إكمال بعض المواضيع الناقصة، وإدراج المواضيع الجاهزة سيراً على خطة تدوينية تقديرية أحاول اتباعها فتنازعني نفسي للكتابة عن جدتي، أقلب الصفحة وما أن أوشك على التقاط فكرة أبدأ منها، حتى تنهال الذكريات سيلا تمنعني إلا من البكاء والبكاء. لست المرأة الضعيفة ولا المستسلمة، لكنني أيضاً لست تلك المتجردة الصارمة، يملؤني الحنين إليها وأعرف إنني لن أجدها تنتظرني. غرني الأمل الغرور و(لن تستطيع معي صبرا)، ولعل هذا أسوء ما في الغربة وفراق الوطن، المسافة القصية التي تغيبك رغما عن وجود (كذبة كبرى هي وسائل الاتصال والمواصلات المتطورة) ستظل معزولاً، تحت رحمة من يحمل الخبر، يعلمك أو يقصيك، تبعد المشقة ولا خيار.
وهنا الشيء بالشيء يذكر، هذه بعض أخبارنا في هذه البلاد البعيدة، بعض أوجاع الغربة، هناك من اكتوى بألمها، وهناك من لا يدري، فإلى اللذين لا يدرون ويرون جانباً واحداً من عبارة (قاعد عايش برا.. وإلا طالع بعثة.. وإلا هج وما عادش يبي يروح)، هذا لعمري أصعب ما في الاغتراب.
عند وصولي نيوكاسل، كانت هناك حكاية مريرة تحكيها النسوة الليبيات، حكاية لا أعرف بما أصفها، أترك الحكم لكم.
سيدة انتقل والدها لرحمة الله تعالى، بلغ الأهل الزوج الذي أخفى الخبر عنها في ظل اعتراض شديد من جيرانه (الليبيين) اللذين طرح الأمر عليهم للمشورة -ولم يأخذ بها-، الأزواج (الجيران) أخبروا زوجاتهم والكل يعلم، عدا الابنة التي ثكلت في والدها، يدور من حولها الصمت الرهيب وترقب الجميع مما تخبئه لها المفاجأة.
لكن لماذا خبّأ الزوج حادثة الوفاة؟!
ليس خوفا على مشاعرها، ولا رهبة من هول حدث كهذا يتم نقله تحت وطأه مرارات الغربة، لكن لأن: (المنحة قريب اتم، ومازال عليها شهرين بس وبدل ما نخبرها توا وتكلفني تذاكر ليها وللصغار خليني أراجي واصلا هي شن بترده)، ولعل هذه الـ(شن بترده/شن بيرده) أكثر العبارات تكرار، وحاشى لله الاعتراض على حكمه، لكني أجدها عبارة مقيتة، يوظفها البعض لمصالحهم، أو لتبرير ما يفعلون، فهنا البلاد بعيدة والتذاكر غالية، وكما حدث مع (السيدة الليبية) يزج الأمر برمته تحت خانة (شن بترده)، وماذا بعد؟
التهم الصمت لسان الجميع، والسيدة الليبية غافلة، ومن عادة الليبيات هنا في نيوكاسل (على ما رأيت) أنه حين يحين موعد الرجوع إلى الوطن، يحتفلن بأنفسهن وأبنائهن، فكأنه العيد أو هو ذاته، الثياب الجديدة والحلي، يتجهن إلى مصففات الشعر (المزينات: الصبغة وحتى الميش والعناية بالبشرة والحنة، نعم الحنة باللصقة منقوشة وكحلة). وللحنة هنا شأن عظيم فهن يوصين عليها من ليبيا، ويحتفظن بها ويقتسمنها، ولا تعود إحداهن من بريطانيا إلى ليبيا إلا (بحنتها)، وهكذا فعلت السيدة الليبية –صاحبة القصة-، وجارتها تعترض: ليش الحنة مافيش داعي ليها.
- ولما لا داعي لها؟!
عادت السيدة الليبية إلى أرض الوطن، واتجه زوجها مباشرة إلى بيت أهله اللذين يقطنون مدينة قريبة من طرابلس، لزيارة استمرت 5 أيام التقوا فيها الأحباب، وتلقى سيادته التبريكات والتهاني لحصوله على شهادة الدكتوراه، وبعد أن انفض مجلسه، اتجه بزوجته إلى طرابلس لتلتقي بأهلها اللذين كانوا في حال يعلم بها الله.
- وين بوي؟؟
(صح النوم بوك ليه شهرين متوفي)
تقول جارتي، إن الصدمة أسكتت السيدة الليبية، التي نقلت للمستشفى على إثرها، وإنها لم تعاود النطق حتى تاريخ اليوم التي سمعت فيه قصتها، جارتي وهي صديقتها القريبة تداوم على الاتصال بأهل الصديقة علها تجد خبرا جديدا. أي زوج هذا؟!، وأي محنة تلك؟
وفي حكاية أخرى لسيدة –ليبية- توفى والدها الصيف الماضي. حكاية ليست نقلاً عن أحد، بل شهدتها بنفسي فقد كانت جارتي، شاء الله أن يتوفى والدها فجأة وبدون مصارعة للألم أو المرض -سكتة قلبية- و(الله يرحمه) وبلغ الأهل الزوج، الذي أبلغ جيرانه الليبيين هو الآخر طلباً للمشورة والنصح والعون، واتفقوا على الآتي: اليوم الأول أخبرها أن والدها قد مرض فجأة وأنه تم نقله إلى المستشفى، اليوم الثاني حالته تدهورت وتم وضعه في (العناية) واحتشد بيتها بالجارات الليبيات يحاولن مواساتها والشد من أزرها (إن شاء الله ينوض بالسلامة). اليوم الثالث أخبرها أنهم أخذوه لتونس صباحاً، وكانت تهاتف أهلها (أخاها) وتطلب أن تكلم والدها فيجيبها تعبان لا يستطيع الكلام.. مساءاً أبلغها انه انتقل إلى رحمة الله، وكان قد جهز لعائلته تذاكر الطائرة وعاد بصحبتهم إلى ليبيا اليوم التالي لحضور باقي مراسم العزاء.
يجدر بالذكر، أنهم هم أيضا بعثتهم الدراسية كانت تشارف على الانتهاء، غادر الزوج بزوجته نيوكاسل وسط هالة من التقدير والاحترام يكنها له كل الليبيين هنا.
وغير ذلك، حكايات كثيرة تُحزم مع حقائب المسافرين العابرين المطارات، فهذه سيدة ليبية أخرى تلقت خبر والدتها التي تحتضر، فعادت من كندا بسرعة الريح التي تجاوزت السبع ساعات، ومن مطار إلى آخر، وقت أليم يمر ببطء، إلا إنها تمكنت من اللحاق بأمها في رمقها الأخير، لتنتقل إلى جوار مولاها بعد ساعتين فقط -من وصولها-.
سيد ليبي تلقى خبر وفاة والده -وهو طالب دكتوراه في لندن-، ولأنه طالب ووقته ثمين و(اللي مات الله يرحمه وما عندي ليش مروح.. شن بنرده!!)، استقبل العزاء ليومين، أنهى المراسم بعدها وعاد لأشغاله. لله العلم لكل إنسان ظروفه؟.
لكن ماذا حدث معي وأنا أسرد حكاية هذا وقصة ذاك، ما حدث معي ليس مختلف كثيراً، وقد اقدر على لملمة ذاتي يوماً وأكتب عن جدتي المرأة البسيطة وعلاقتي بها. أما الآن فسأكتب فقط عن علاقتي بوفاتها، وأظل أقول إنهُ أقبح ما في الغربة.
لا يمكنني الخوض في تفاصيل عائلية دقيقة ومسائل حياتي الخاصة، لكن الأمر على علاته يؤخذ هكذا. كنت طوال حياتي أو حياتها ملتصقةً بها، وما غبت يوماً عنها، عشت معها في بيتها أغلب سنوات عمري، وتكاد كلها، ولم نفترق إلا على شرف (البعثة الدراسية لبريطانيا).
كنت تزوجت لكن ظللنا معاً، وزجي تفهم الأمر كثيراً، فقبل زواجنا كان من أهم ما اتفقنا عليه: (وين ما أنا وين ما جداي.. ما نخليهاش وما نقعدش بلاها.. وهذا شرطي وإلا ربي يسمعنا على بعض الخير)، وبالحرف الواحد رد على طلبي: (جداك جداي.. واللي يعز عليك يعز عليا). وكان عند كلمته، حتى رن جرس الهاتف ذات صباحٍ باكرٍ، كنا لا نزال نتناول إفطارنا عند الثامنة، وبدون مقدمات فجأة رشحت الشركة زوجي "رامز النويصري" لدورة تخصصية إلى بريطانيا، للحصول على الشهادة الأوربية في صيانة الطيران، ومع سعادتي لحصول زوجي على هكذا فرصة هو يستحقها ولم يكن قد لهث ورائها، أو دق باب أحد، ولم يتسوّل عند عتبات المكاتب (يا سويدي تربح)، كان نصيبا بعثه الله له، على قدر سعادتي على قدر جزعي (باهي وجداي أنا ما نقدرش نخليها ونسافر سنتين).
ومع عرض وتمحيص لكل الحلول، لم يكن من بد، فزوجي عرض أن يعتذر عن البعثة، فهو قد التزم معي أولاً بجدتي وعلى حساب أي شيء، لكنني وجدته إجحافا في حقه (وكان صاحبك عسل ما تلحساش كله)، مهما يكون البعثة مستقبله، واتفقنا أن يسافر، وسأمهد لها الأمر ومن بعد ألحق به.
في البداية أخبرتها إنه سافر لمدة شهر في دورة دراسية قصيرة، التي أصبحت شهرين وثلاثة فكان لابد من السفر إليه، كنت أماطل الجميع، أماطل جدتي، ألف وأدور تمهيدا لمغادرتها لما يقارب العامين، أماطل زوجي وأصبره (الشهر الجاي نجيك، الشهر اللي بعده)، أماطل أهل زوجي اللذين ضاق بهم الذرع (تقول مش مكننين ولا درنا كنه.. مخليتيه بروحه)، أبي يقول (ما تخليش زوجك في الغربة بروحه زوجك ولد حلال)، أمي كرهتني (إنت من لايم عليك جداك هذي عندها ولد.. واحنا ما نخلوهاش اردوا بالنا منها.. الحقي زوجك خير ما تلقيها خاربة)، وهي فعلاً (خاربة)، كان قعدت يا ويلي زوجي.. وكان سافرت يا ويلي جداي.
وسافرت بعد خمسة شهور، كان من أصعب القرارات، سافرت وأنا أمني نفسي سأعود بعد شهر أو شهرين، ودعتها (سلمت عليها وطلبت منها السماح، قالت: الله يسمح بنيتي.. أنا راني ما نقدر نقعد بلاك).
وسافرت إلى بريطانيا العظمى، وأنا (ضاحكة على روحي شهر شهرين بالكثير ثلاثة ونروح، مش قتلكم: اكذب على رجلك تمشيك.. آهي أنا، وصلتني لبريطانيا بالكذب عليها).
كانت جارتي، د. ثريا -الله يمسيها بالخير- تقولي: (سافري يا كريمة والحقي زوجك، راهي بلاد تظلم الساعة 3 الظهر)، لكني لم استوعب نصيحتها حتى هللت على بريطانيا العظمى، ظلماتها فوق ظلمات، الحياة هنا مقيتة بما تعنيه الكلمة، البرد والثلج والظلام، لا وجود لشيء يدعى شمس (صدق القذافي حين قال: راهم مستعدين يحتلوكم علشان الشمس).
حال وصولي سمعت بسيدة ليبية اصطحبت أمها معها، فليس لها غيرها من معيل، وتحصلتُ على عنوانها واتصلت بها، دعتني إلى بيتها، كنت أفكر في إحضار جدتي هنا إلى نيوكاسل، لكنني كنت مترددة قليلا فليست التأشيرة بالأمر السهل، وكما ظننت كانت تأشيرة الأم ضرب من المستحيل لو لا مشيئة الله، و زوج هذه السيدة الليبية رجل محترم جدا، فهي الأخرى اتفقت معه (ما عنديش في الدنيا غير أمي، ربتني يتيمة وهي تربت يتيمة وما نسيبهاش). الزوج الذي تعهد لزوجته بأن (أمك أمي) كان عند كلمته، وإن لم تتحصل (الأم/النسيبة) على تأشيرة لكان اعتذر عن الدورة، وسبحان الله، كن مع الله يكن الله معك ،(لما الإنسان يصفي النية قداش ربي عنده من خير)، وآخر المطاف لا مجال للمقارنة بين أم صديقتي وجدتي، فأمها ليست طاعنة في السن، وتملؤها العافية والنشاط، أما جدتي فسترهقها عذاباً رحلة من ليبيا إلى بريطانيا، غير البرد الزمهرير الذي لن تطيقه.
لن أطيل السرد. جانب آخر هم الأهل، هم فعلا حالة مثالية للمواربة في كل أنحاء العالم، فصديقتي السورية آخر من يعلم، هذا إذا علمت، والأغرب، تعرفت على سيدة اسكتلندية متزوجة من رجل إنجليزي، قالت: إن أهلها لا يخبرونها بشيء أبداً حتى تزورهم، وفي آخر زيارة وجدت والدها في المستشفى وساق أخيها مكسورة.. هل نلوم أهلنا؟.
عن نفسي، أفعل وأجد لهم العذر في ذات الوقت، ولا أقبله، يخافون علينا أو يخافون من نقل الأخبار السيئة أو (باهي شن بدير لو كان قلنالك، باهي ليش نشغلوا فيك ونخلوك تخمم)، وهذا كلام صحيح وقاسٍ.
أعود، لن تستطيع معي صبرا، أتخيل مشهد ذبح الغلام في الآية واعتراض سيدنا موسى عليه السلام: (...أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُّكْراً{74} سورة الكهف)، أتخيل أم الصبي، أي جزع تكون فيه عندما تجد ابنها مسفوك الدماء، لكنها الحكمة الإلهية (لن تستطيع عليها صبرا)، سيرهقها ووالده بكفره يوماً، فذُبح عسى الله أن يعطيهم خلفاً أفضل منه على دين وخلق، يبني الجدار (باهي ليش؟ لقمة ما بوش يعطوهم ولا جرعة ميه، يبنيلهم حيطهم الطايح ليش؟، الله لا تردهم) ويكون الحائط لميراث يتامى؟، ولا تقف السيرة عند خروج سيدنا موسى عليه السلام مستسلما معترفا بعجزه، هذا فراق بيني وبينك، وإن لم تخبرنا السورة المزيد من القصص والعبر، وهذا لا يعني إنها انتهت، لربما كان هنالك الأغرب ولا يزال، من يدرك مجاهل الغيب غير العليم به.
وأجد نفسي أدور حول ذات المركز، أي حكمة يقصر عقلي الوصول إليها، كم كنت لصيقة بجدتي، أحفظها عن ظهر قلب، أعرف موعد نومها واستيقاظها، ماذا تأكل وما لا يعجبها، تفاصيل دقيقة يعجز عنها الآخرون بما فيهم أبي وأخوتي. جدتي تحب الخبز (الفرادي المدورات)، لازم نجيبه الساعة عشرة الصبح من (دكان مالك بالتحديد)، وبالرغم إن الأخ "مالك" يجيب في الخبز أحيانا أبكر وأحيانا يتأخر، لكن جداي تبيني نمشي الساعة عشرة وإذا لقيتها وجبتها كويس، وإذا ما لقياتش نولي، ليش الساعة عشرة، حاجة في عقلها، لازم تكون رطيبة ومن قعر الصندوق، ما تجيبيش اللي شادة الهبو والوسخ. الحليب، الغذاء الأساسي، الفطور خبزة وحليّبة، والعشاء حتى هو(نخلت فيه بشوي عصير ما نحبه ساهي)، حليب جهينة واخذ الامتياز عندها، ومشكلة كان بعثت حد وجابلها نوع تاني، وفي الأصل ما يركزوش ويسحابوه سوا، لكن عندها ما يتساواش، وما حد فاهم طبعها غيري: أنا قتلكم كرييمة هي اللي تجيبلي اللي نبيه انتم ما تعرفوا تسوقوا كيفها.
الخضرا مش مشكلة، لكن من يقدر يزبط شن تبي، الباذنجان في القائمة السوداء، والفلفل الحلو (شن لله بيه)، كان بتخضر جيب السفناري والفول الأخضر، والبصل الأخضر والثوم.
أوصتني وأحفظ وصيتها: لما تحين المنية، مية زمزم في الدولاب، مدسوسة في مكان نعرفه، (الخلوط من مسك وغيره) في قجر الشكماجة، والكفن بحداه، وتسألني كيف يغسلوا الميت، وكيف يكفنوه، وين تحين المنية ردي بالك، في غسالات يلبزن...نعرف كل شي وحفظت كل شيء.
كنت نخاف لما نحسها مسكتة، نص الليل انوض من نومي ونمشي لدارها، أول شي من ورا الباب كان سمعتها (تنخط) نحمد ربي ونعرفها قاعدة حية، وندف الباب بالشوية بيش نشوفها تتنفس، في الصبح تنوض قبلي تصلي في الفجر، نسمع باب الدار لما ينفتح وتطلع وتخش الحمام و تتوضا، ونسمعها لما تدعي في عقب كل صلاة صبح: يارب لقني الشهادة يوم الدين وجواب الملكين (كورب وبن كورب) لا اله إلا أنت، وحدن لا شريكن ليك، ومحمد النبي والقران الكتاب، والكعبة القبلة.. يا رب احفظ (فروجة=فرج) وليدي واجعل يومي قبل يومه ولا تفجعني فيه، احفظه من حوادث السيارات ونايبات الزمان، ولا ادول عليه رجالنا رجال، ابعد عنه اولاد الحرام وكالين رزاق الايتام.
هذا دعاء جدتي منذ عرفتها وبدأت أعي ما حولي، وتلك وصيتها وأمانة أوكلتها لي لم استطع أن أؤديها، ولا أزال أبحث عما لا أطيق عليه صبرا، لكأني فطمت فطاماً من جدتي، وجررت جراً، تركتها حتى أعود ولم أفعل حتى رحلت، أهلي في كل مكالمة هاتفية: (جداك ما شاء الله عليها أحسن مما خليتيها). ومن النادر ما أتمكن من محادثتها، فهم دائما يتذرعون بأنها نائمة ونائمة ونائمة.
لم أصدقهم، ولم يكن لي خيار غير أن أقلل مكالماتي الهاتفية لهم، أخبروني أنها كانت تسأل عني وتناديني، فيجيبونها (جاية في الطريق قريب توصل) وبالرغم ان زوجي حجز لي تذكرة ذهاب لزيارة ليبيا الا ان اهلي اقاموا القيامة (ليش جاية ما عندك عليش جاية خليك مع زوجك احنا ما فينا شي وجداك حالها باهي) وإضافة الى وعكة صحية مررت بها، تساهلت والغينا الحجز، فقد وعدوني (نحطولك جداك قدام كاميرة النت تهدرزي عليها وتشبحيها لين تشبعي) ولم يفعلوا.
أظل أبحث عن ضالتي لما لا أطق عليه صبراً، أجد عذر في ذلك، لعله من تدابير الله هذا الفراق، فلن أذيع سرا لو قلت انه في يومٍ ما كانت علاقة جدتي بأمي علاقة متوترة (العزوز والكنة)، وجدتي ظلمت أمي كثيراً، لعل أبعادي عن جدتي سمح لهما بالالتقاء من جديد، لتسامح أمي جدتي وهذا يعزيني كثيراً، لعلها أيضاً تعبت من انتظاري، (اني جاية، غير الإجراءات الصعبة وبلاد ما هيش ساهلة، وهي ما عادش عندها وقت، استنتني، استنتني ولما طولت ما جيتش، مشت) وأنا أيضا غرني الأمل، والأمل غرور (نقول اهي استنتني، وليا عام غايبة وتراجي فيا، وليا عام ونص وتراجي فيا، وخلاص انا بنروح شهرين تانيات أكيدة تستاني وتراجيني، لكن أمنياتي كلها قعدت حسرة في قلبي) وما يدريني؟، يتعبني التحليل والتفكير، وأريد إنهاء الدوامة فليس إلا فراق بيني وبينها، ولا أصل لتأويل ما لا أستطيع عليه صبراً.
لعله يكون كما قالت جارتي د.ثريا التي فقدت أمها وأخيها منذ فترة قصيرة: ما تخافيش يا كريمة وما تبكيش، بنتلاقوا بيهم إن شاء الله، وما يكونش بعيد.
ليرحمك الله يا جدتي وليغفر لك ولي، علنا نلتقي قريبا من جديد.
____________لا تنسوها من دعائكم ____________

الجمعة، 29 مايو 2009

حكم الله نافذ

حكم الله نافذ
إن صبرتم أجرتم وحكم الله نافذ وإن ما صبرتم كفرتم وحكم الله نافذ
كل ما فقدنا عزيز او قريب تقوللنا الحكمة هذه برصانة، مؤمنة بيها تعلم فينا الدرس، علمتني إن ما صبرت كفرت وحكم الله نافذ.
أمس 28/5/2009 انحطيت في الامتحان وفقدتها، الله يرحمك يا جداي، أكثر من عام ما شفتهاش وإن كان صبرت أُجرت وان ما
صبرت كفرت وحكم الله....نافذ

الأربعاء، 20 مايو 2009

بين إليزابيث وذهيبة(والفرق.. إن ذهيبة بنتكم يا ليبيين)

السنة الماضية خرجت قضية قلبت الرأي العام رأس على عقب هنا في بريطانيا، و كل دول أوروبا، وقلبت رأسي قسوتها ومرارة وحشيتها، ولا أعرف أي انعكاس لها خلال وسائل الإعلام العربية، لأنه بسبب حاجتنا لتطوير لغتنا الانجليزية قررنا إزالة جهاز(الستلايت) من البيت، وتركنا المجال للإذاعات الانجليزية فقط تمرح على شاشة التلفزيون.
باختصار قضية الفتاة النمساوية إليزابيث التي احتجزها والدها في قبو أسفل البيت منذ كانت في الثامنة عشر، ولمدة 24 عاماً أنجب من خلال علاقته بابنته، 6 أطفال، والفتاة لم ترى النور خلال كل تلك السنين.
لا أريد الخوض في قضية هذه الفتاة إلا عموما فقد أعيد إحيائها، الأسابيع الماضية بعد أن بدأ القضاء النمساوي النظر في القضية وإصدار الحكم، وأنا تابعتها بكل تفاصيلها، تابعتها في مختلف الصحف المتاحة لي، وفي نشرات الأخبار، وعلى شبكة الانترنت، وليس ذلك من باب المصادفة؟.
ربما لأنني كنت أعرف حالة مشابهة لهذه الـ إليزابيث ، غير أنها ليست نمساوية، بل ليبية مسلمة وتدعى (ذهيبة). تلتقي قضيتا الفتاتان في خطوط وتختلف في أخرى، فذهيبة راحت ضحية إثم وجرم والدها، إلا أنها لم تظل سجينة لقبو أو سرداب، بل خرجت للشارع.
غالباً ما تخطر ببالي هذه الفتاة، وكل مرة تطلقها ذاكرتي لي، تتيبس عروقي ويضيق صدري، أشبه باندفاع جرعة سم زعاف في جسمي، ليس نافثاً من أنياب أفعى بل من أفعال البشر.
لا أزال أذكرها من حين لحين، تلقيها الحوادث في وجهي، بين أزقة وشوارع طرابلس ترش أسرارها بين أحياء نيوكاسل ومدن النمسا، يتشابه البشر في كل شيئ حتى في آثامهم مقتسمين ذات السحنة، أجد لها نسخاً كثيرة تحمل ذات الدلالة، ضحايا مَن هؤلاء؟
وللذكرى بداية تعود لسنين، وعشية طرابلسية جميلة و(شاهي بالنعناع ومكسرات)، وأنا وصديقتي كنا نحضر لامتحان معقد، وأذنت لنا أمها براحة لنصف ساعة نروح فيها عن أنفسنا قليلا، حينما رن جرس الباب ودخلت الجارة التونسية، وهي مطلقة رجل ليبي أنجبت منه بنتان وولد، ممتلئة الجسم، رثة الثياب، يخلو فمها تقريبا من الأسنان، تعقد منديلا صغيراً(تستمال أو محرمة) تحت ذقنها، يظهر أغلب شعر ناصية الرأس المجعد، والمحتاج إلى تصفيف. استقبلتها أم صديقتي بترحيب حار وردت عليها ضيفتها تحيتها بصوت عال وأكثر حرارة. تلحق بالسيدة التونسية فتاة عرفت أنها في الخامسة عشر من العمر، أخذت من ملامح الأم الكثير، غير أنها في كامل الأناقة ونظافة الهندام، جمعت كل الخجل من العالم وانزوت في ركن بجانب الباب الرئيسي، تكاد تبتلع نصف يدها توتراً وارتباكاً، محمرة الوجنتين من ترحيب أم صديقتي بها، وقد أرادت العودة إلى بيتهم رافضة الدخول لغرفة الضيوف، لكن أم صديقتي حلفت بأغلظ الأيمان أنها لن تغادر فــ(طاسة الشاهي ساخنة تركرك)، لتوشوش الفتاة عن سبب إحراجها سراً لام صديقتي التي لم تحفظه ثانية، وضحكت بصوت عال:
- غمضي يا كريمة عيونك انت رانك اللي مش مخلية البنية تخش.
(أنا، مش مخليتها تخش!!!)، أنا أجلس في حالي، ولا اعرفها ولا أمها، فكيف امنعها من الدخول ، جالت الفكرة في ذهني إلا أن أم صديقتي قطعتها بضحكة مجلجلة:
- خشي يا حنة خشي، البنية شخشيرها مشرك ومتحشمة منك يا كريمة، قالت ما تعرفنيش وأول مرة تشوفني تشبح شخشيري مزق.
(وكرتها أم صديقتي كراً) إلى الغرفة.. وقد دارت عيناي في راسي أبحث عن الجورب الممزق في قدمي الفتاة فلا أجده، هو فقط جورب أبيض عادي(نظيف) يوجد به ثقب عند (الصبع الكبير)، وأردفت معلقة:
- وينه اللمزق، هذا مزق، تعالي شوفي شخاشيرنا.
وكانت (طاسة شاهي منعنعة بالحق) حتى سألت أم صديقتي جارتها عن حال ابنتها ذهيبة، وردت الأم بإسهاب:
- ليا أيام ما ريتهاش وشريتلي موبايل (وكان الموبايل غالي جدا وقتها) قالتلي نكلمك عليه ولليوم ماتصلتش. جتني الأسبوع اللي فات باتت عندي لكن.. نص الليل كلكسولها صحابها طلعت من فراشها واحنا راقدين، قتلها هذا غير بتباتي عندي وخلتني ومشت.
وكأنني لم اصدق ما سمعت، فلأول مرة في حياتي يحدث معي مثل هكذا موقف، أم تتحدث دون وجل عن ابنتها التي خرجت منتصف الليل مع(صحابها)، في حين بدأت أم صديقتي بالدعاء الصالح للفتاه بأن يهديها الله، فقد تتوب يوماً، وتعود إلي بيتها وأمها وستجد ابن حلال وتتزوج.. فقاطعتها الجارة بلهجة تونسية قاسية:
- ذهيبة خلاص إنا قاطعة الرجاء منها.. غير تجيني مرة مرة ونشوفها حية ساد فيا، المهم عندي البنية الصغيرة هذي اللي انا خايفة عليها، لكن ذهيبة هذا مكتوبها وهذا اللي ربي كتبه عليها.. هذي بنتكم يا ليبين وهذا اللي درتوه فيها.
ومع أنني كنت (الأطرش في الزفة) مصعوقة ومصدومة من هول ما أسمع، فلم اعتد هكذا تصريحات من أمهات حتى عن أبناء منحرفين عرفوا بالفساد .. غمزتني صديقتي، وفهمت قصدها(سأشرح لك لاحقاً).
وغادرت الأم وابنتها الخجولة بعد دقائق، فورائها واجبات منزلية متراكمة نتيجة خروجها منذ الصباح الباكر للعمل حتى تعيل ابنتها، وقفزت صديقتي نحوي لحظة خروج السيدة من الباب تلحقها أمها وبدأتا متطوعتان في سرد حكاية مريرة تسمى ذهيبة.
بنية كانت تقرا في الإعدادي مواليد1978 وخوها مواليد 1980، و وخيتها بنية صغيرة عمرها سنتين أمها تونسية متزوجة من بوها اللي في نفس الوقت ولد خالتها.. الزوج سكير مدمن على الكحول، والسكرة تجيه على زوجته يضربها لين يخلي دمها سايل، مرة ورا مرة وطريجة بعد طريحة كبر بيها الهم وفي يوم سكر سكرة باهية وضربها بوحشية لين كسرلها سنونها، خذت الأم بنتها الصغيرة اللي قاعدة في حجرها وروحت لتونس، وخلاته مع ولده وبنته.
يا ريت الأمور وقفت عند هذا الحد، الأب المخمور، يجيب في جماعته ويشربوا مع بعض في الحوش اللي فضي من حد عاقل يحط للفوضى ضوابط، يحمي طفلة من تحرش صحاب بوها السكرانيين بيها. ذهيبة مشت لحوش الجيران، المرا ة صاحبة أمها، والبنت صديقتها وتلعب معاها في الشارع وتقرا معاها في المدرسة(اللي هي صديقتي وعائلتها).
البنت لجأتلهم وشكتلهم من ضيم لاحقها، وطلبت منهم يخلوها تبات عندهم في الليل بس لما بوها يشرب، الأم ما قالت شي لكن الوالد رفض بشدة وقال هذا راجل ما يتحشمش وبتاع طاسة، وفكونا من المشاكل معاه، والدة صديقتي حاولت مع زوجها بكل الطرق لحد ما ولت مشكلة بيناتهم و وصلت لدرجة انه هددها بالطلاق لو فتحت الموضوع مرة ثانية.
لكن هل انتهت المشكلة واقفل الموضوع، الباب تصكر في وجه البنية وقالولها باتي في حوشكم، وزادت وصتها ام صديقتي صكري باب الدار عليك بالمفتاح، باش ما يخشلكش حد، وما خشش حد عليها، لان والدها في مرة كان مخمور وخش على بنته واغتصبها، اللي طلعت بعدها للشارع. ولما وصلت الأخبار الام في تونس رجعت على وجه السرعة لكن فات الأوان وكل شي خرب.
الأخ كان واخذ نصيبه من الضرب والشتائم، وكبر ممحوق الشخصية، قاعد مع أمه في الحوش لا يهش ولاينش، عنده حالة نفسية، ويشتغل في القهاوي وكل ما يعرفوا أصحاب المقهى أو العاملين اللي فيه انه اخته هي(ذهيبة) اللي ولت صاحبة سمعة(....) يطلع ويسيب الخدمة.
بعد ما عرفت القصة هذي بشهور خبرتني صديقتي إن ذهيبة جتها للحوش وطبعاً من فم الباب، ورتها نتائج تحليل تبي تعرف شنو فيها.. نتيجة التحليل كانت تقول إنها حاملة لمرض الايدز، وبعد كل هذه السنين على الأغلب ذهيبة تكون ماتت، أو في أفضل الأحوال على فراش الموت.
بنت خذلها والدها، وخذلها الجيران والقضاء والقانون.
أين القانون في بلادي، لماذا لا يوجد لدينا مؤسسات خدمات أسرة وطفل(حقانية) مثل الموجود في بريطانيا؟، لماذا طفل صغير في روضة أطفال يحكي لمشرفته أن جدته تقول لامه: انك ما تجي شي الا(كلبة وخادمة). تبلغ المشرفة، وتتقلع الشرطة وتصبح محكمة وعدل وقانون وتتحاكم الجدة(الباكستانية) اللي جايبة ثلاثة كناين من الباكستان ومانعتهم يطلعوا أو يخشوا، وتخدّم فيهم ليل نهار شغالات تحت شعار إنكم(خدم وعبيد)، ليش ما عندناش نظام شرطة زي بريطانيا، ليش ما عندناش الرقم المجاني 999 إلي تتصل بيهم وفي سرعة الصاروخ يكونوا عندك، يا سيدي بلاش 999 ديروها 888 والا777 وإلا أحسن شي000، ثلاثة أصفار على الشمال زي قيمتنا في بلادنا، ليش هما عندهم خط مجاني مفتوح لخدمات الشرطة والإسعاف، خدمات حقيقية مش تلفيق، وأدق من هكي، غير جيب سيرة العنف الأسري، يشمشموا وراه تشمشيم، صاحبتي من احد دول الخليج العربي، ولدها طايش شوية صغير ومزوجاته من فتاه عراقية، تعارك معاها مرة، علّى صوته عليها يسحاب روحه في بلادهم، علت زوجته حتى هي صوتها، وردت عليه وفي لحظة يلقوا الشرطة فوق راسهم، يحتجزوه ع الكنبة وتلف الشرطة في البيت تفتشه، كيف صار هكي، بسيطة الجيران سمعوا الحس العالي واتصلوا بالشرطة، تقدروا تقولولي قداش مرة صار في بلادنا إنها طبلت وزمرت وما حد قدر يدير شي، ما سمعتوش مرة جاركم قالب الدنيا على صغاره وإلا بنت عمك مروحة حرجانه ضاربها راجلها، ما شفتوش مرة عركة في السوق والراجل يسب في مرته قدام الله وخلقه، وما أكثر الحكايات عن واحدة ضربوها حماوتها، وإلا خنقتها أم زوجها، ليش ما فيش قانون حمى ذهيبة واللي ممكن يكون في موقفها أو موقف زيه أو شبيهه، أي حد ممكن يكون في ظروفها، أي حد ممكن تنحط بنته أو أخته في وضع زي اللي نحطت فيه بنية اسمها ذ هيبة، عارفين الغرب فيه هلبة لبز وجرائم أسرية، وشذوذ جنسي ومرضى نفسيين يعتدوا ع الأطفال وحالات اغتصاب وبلاوي زرقة زي اللي صار مع النمساوية إليزابيث، لكن أول ما بان خيط حقيقة خدتلها العدالة حقها، لان وفوق كل شي في حاجة في أوروبا هي قهرة فينا إحنا الشعوب المتخلفة اسمها القانون، قانون فوق الأبيض والأسود، فوق الغني والفقير، فوق الرئيس وعامل النظافة وما فيش استثناءات، كلمة قوية وميزان مضبوط: القانون والعدل.
تتوقعوا قداش في واحد يعرف بقصة ذهيبة في شارعهم وقداش قصتها مشهورة، شن صار، من تحرك، غير الناس اللي تحكي فيها لبعضها على طاسة الشاهي زي ما وصلتني وزي ما أكيد واصلة غيري ما نقولش الا يا (قهرة وحسرة)، يا ذنب ذهيبة في رقبة منو؟ وإلا على قول الأم التونسية:
- هذه بنتكم يا ليبين وهذا اللي درتوه فيها!

الثلاثاء، 28 أبريل 2009

الحبة عملت عمايل

في يوم من الأيام، وفي بلاد اسمها ليبيا..
كنت نشتغل في صيدلية، وكانت عندي زبونة سودانية في الثلاثينات من العمر، وهي آية من آيات الله في الجمال السوداني الرهيب، يرهقه بس شوية إهمال وتعب وأمومة لستة صغار، وغير هكي، الذوق واللطافة ما شاء الله، وفي يوم جتني للصيدلية منهارة وتبكي، إن حياتها الزوجية في خطر:
-ظليت احبل يا دكتورة و أولد لحد ما طفشت الزول .

وطفش الزول.. وناقشنا الأمر: يعني أنا كيف نقدر نساعدك يا بلقيس. وبدينا في التخطيط، أول شي اهتمي بمظهرك شوية، ومن عندي من الصيدلية، شرت كريم فرد الشعر المجعد ومعاه صبغة، ومشت للمزين صبغت وفردت الشعيرات اللي ولوا مسبسبات، وزادوها جمال على جمال، وخذت مجموعة ماكياج وطلاء اظافر بألوان قاتمة جدا، وقالتي: هذا اللي يحبه الزول.
وطلعت لشارع الرشيد وبضعت شوية ملابس للحوش، وملابس نوم، وقلنا إلا ما يصير تحسن، وما ننسوش طبعا الجو السوداني الشاعري، قالت ح تعمله زلابية، يحبها شديد، وتقيد الشموع، وأكيد الحنة السودانية في اليدين والرجلين، الله الله..
ورجعتلي بعد أيام في حالة يرثى لها :
مش نافع يادكتورة الزول طفش خلاص ومافيش فايدة.
وخشت في نوبة بكاء ورثاء للذات، وجبتلها مية تشرب وبخيتها بيها، وقتلها غير اهدي وطولي بالك، وحاولت نطمنها ونطلعها من هيستيريا البكاء اللي كانت فيها، وفي لحظة سكتت وعيونها الكبار لمعوا، وشبحت فيا شبحه يبستني في مكاني، وقالت ما فيش غيرك يقدر يساعدني يا دكتورة.
- باهي انا شن نقدر ندير يا ودي، قولي وان شاء الله ما نقصرش.
قالت: صديقتي خبرتني عن الحبة الزرقا، وقالت ما فيش غيرها هي اللي ترد الزول الطافش.
اممممممممم، الحبة الزرقاء قولي من الأول تبي (فياجرا)، حاولت معاها شوية ان ما فيش داعي تفتح الباب هذا على روحها وعلى اسرتها معنويا وماديا لكن في نفس الوقت انا عارفة قداش ولت هـ(الحبة الزرقاء) موضة شائعة، وشرحتلها عليها امتى تتاخذ، امتى ماتتاخذش، وبعتلها نوعية معقولة السعر وريحت راسي من ذنب ممكن يقعد في رقبتي لو انهارت اسرتها وما ا سعفتهاش بـ(الحبة السحرية الزرقااااا)
رجعت اليوم اللي بعده متنكدة آخر نكد تشكي وتبكي:
- كان عايز يذبحني يا دكتورة، يقولي من سمحلك تشتري الحبة الزرقا، وجن جنونة عليا.. يقولي ليش انا شكيتلك والا عجزت تقومي تشتريلي الحبة الزرقاء.
ولمعوا عيونها فيا مرة تانية وشبحت فيا شبحة بديت نعرفها، وقالت:
- بس انت لو عايزة تساعديني، بتساعديني يا دكتورة.
قتلها: بلقيس طلعي اللي في بطنك ومعاش تلفي ودوري، شن تبي، شن قايلتلك صاحبتك المرة هذي.
قالت: الحبة الوردية (البودرية)..صديقتي تقول إن في حبة قوية شديد للستات.
اوكي يعني انت تبي (الفياجرا النسائية)، شوفي أولا أنا ما عنديش في الصيدلية، وثانيا ما ننصحكش بيها، وشيطت ريقي إنها تقتنع ما فيش فايدة، وراسها والف سيف تبي الحبة وبتدفع فيها أي ثمن (هي اللي ح تنقذ مستقبلي يا دكتورة).
قتلها ارجعي بكرة خليني نشوف شركة أدوية جايبتها نوصيلك عليها، وحتى فرصة ممكن تكوني غيرتي رايك.
ثاني يوم جت، مش مغيرة رايها، ابداً بل محكماته ومصكرة راسها، وبلسان سوداني رقيق تلف وادور عليا :انت يادكتورة ح تنقذي أسرتي من الضياع وترجعيلي زوجي، وأنت الوحيدة في العالم تقدر تساعدني.
وشن الواحد يقدر يقول والا يتصرف معاها، قتلها شوفي انا وصيتلك عليها، بس لو تصبري تاخذيها بالمجان.
وكيف بالمجان؟:
- اه كيف بالمجان، يا ستي في شركة أدوية دايرة عرض وبتوزع علينا عينات غالية شوية من الفياجرا النسائية وتبي تشوف تمشي في السوق وإلا لا،وبدل ما تشري وتصرفي فلوسك على حاجة مش مضمونة، جربي النوعية هذي وشوفي رايك.
عجبتها الفكرة وخشت عقلها ،فوتت عشرة ايام و ولتلي، حاولت من هنا لغادي، قاعدة مصكرة راسها تبي الحبة، قتلها بكرة الموعد تعالي بس متأخر شوية عشان تضمني إن الطلبية تكون وصلت.
وجتني في الموعد، وفعلا خذت مني ظرف كنت حاطتلها فيه مجموعة حبوب وكتبت عليهم من برا بالبيروا الاحمر(عينة فياجرا نسائية) واسم الصيدلية.
واخذت بلقيس دواها وطايرة من الفرحة ، فراشة مش سايعتها الدنيا.
لكن اللي كان في الظرف مش حبوب فياجرا، كان فيه حبوب حمض الفوليك(Folic Acid)، فرغتهم من حكتهم وحطيتلها مجموعة منهم.
وأنا ولا للحظة واحدة راودني أي شعور بالذنب إني ممكن نكون خدعتها، لأني ما خذيتش منها فلوس، وانا ما نبيهاش تخش في هلوسة الأدوية هذي وتضيع أسرتها أكثر، وهذه الفكرة مش من بنات أفكاري، في حاجة معروفة في الطب وعند الأطباء بمادة اسمها(Placebo) وهي عبارة عن حقن أو حبوب لا تحتوي مادة دوائية، ممكن تكون محلول ملحي للحقن، أو سكر أو ملح في شكل حبوب أو مشروب، تعطي للمرضى اللي يزنزنوا وما يقتنعوش الا لو خذوا دواء، وهم حالتهم ما تحتاجش، أو النوع اللي لازم يروح بشكارة دواء ويقعد يزرط فيها ساعة بيش يحس روحه تحسن وصحته أفضل.
باهي رجعت بلقيس تاني يوم ولما شفتها قعدت نزمط في ريقي، بصراحة خفت تكون شكت، لأنها مرا حملت و ولدت ست مرات ما شاء الله، يعني واخذه حبوب فوليك اسد لين طالعات من خشومها، ويا ساتر استر.
فتحت باب الصيدلية وخشت، وجايتني تمشي بالشوية بدون ما تنطق حرف، وهي من عادتها أول ما تفتح الباب: السلام(الزلام عليكم) يا دكتورة، كيف الصحة يا دكتورة.
المرة هذي ولا كلمة، أنا قلت ختمتلي ضاع أملي في الحياة، وبلقيس ناوية تجيب آخرتي، وخطوة خطوة لين وصلت فيا وخذتني بالحضن، وأي حضن قريب طقطقتلي عظامي (وانا قريييب، ما فيش داعي نقول، تعرفوا لما الواحد يتمرعش شن يصير في كلاويه...)
وقالتلي:
يا دكتورة ما عندكش فكرة الحبة ديه عملت عمايل؟؟؟!!!!!.
وأنا مسموطة في مكاني مش قادرة ننطق، وما فقت من الصدمة إلا ربع ساعة بعدها، ما قدرتش انقول فيهم آه، ولا رديت ع المرا وهي الدنيا كلها مش سادتها ووجهها مورد وفرحانة، وخلاص يا دكتورة ح يرجع الزول، (وانا نزمط في ريقي ونقوللها في سري، طيب فينا قريب قطعتيلي ضنوتي).
لما سألتني عن السعر، قتلها فكي روحك، خراب بيوت راهي غالية جداً، 35 دينار الحبة الواحدة، يعني انت الجرعة اللي خذيتيها لو بتدفعي حقها ما توفيش معاك المية دينار، بعدين هذي الجرعة كان المفروض نوزعها ع الزبائن لكني كلها اعطيت هالك، وما تنسيش مفعولها يقعد في جسمك فترة طويلة جداً والمهم ان العقدة انحلت وارجعلك(الزول)!!.
المرأة اقتنعت وقالت: انا لازم احافظ عليه دلوقتي وما اطفشه تاني.
ولما تحدد موعد زواجي وسيبت الشغل في الصيدلية، زعلت جدا وكانت تتصل بيا على كل كبيرة وصغيرة لها علاقة بالأدوية تشاورني قبل ماتشريها.
وصار انهم بيرجعوا للسودان، وأنا كنت نجهز في نفسي مسافرة لبريطانيا، وتبي تشوفني لكن ما حصلتلهاش وقت ابداً، وصلتني منها رسالة:
لا اله إلا الله، أنا مش عارفة يا دكتورة وين نلاقى في السودان حد يفهمني زيك.
في آمان الله يا بلقيس.
الموقف هذا من لما صار مأثر فيا جدا، أنا ما كنتش نبي نخدعها، كنت نبي نساعدها، والحمد لله أظن إني نجحت.. لكن خذيته درس في عمري، ابداً ما ننساه. اخدع نفسك.. من وقت لوقت نحتاجوا ان نتحايلوا على ضعفنا واستسلامنا.
من أول ما وصلت لنيوكاسل وانا نشكي ونبكي ونزن ومنكدة ع الراجل، ونتفكر في جداي، وخليت جداي ، لا رجعت لليبيا وارتحت، ولا سكتت وهنيت (الزول) وريحته، قريب طفشته حتى انا.. وبعدين خشيت دورات الكيك واللغة الانجليزية.. وقعدت نقرا في المكتبة طول النهار، ولما بنروح بنطيب لقمة ناكلوها، وفي الليل نطيح من التعب.. وهكي أيامي تفوت، لما نتصل بأهلي، نشتاق وارايف ونقعد نبكي، بطلت وماعادش نتصل ووفرت على نفسي الدموع وحق المكالمات، لحد ما أهلي شكوا في الأمر؟؟ ليش ما عاش تتصلي بينا؟؟؟.
وبأبسط من هكي.. محطة الحافلة اللي مشوار من الكلية والطريق منحدرة، في الجيان ساهلة تلقى روحك تتسلحب تسلحيب، وفي المرواح اطلع الروح، بديت كل يوم ندورلي رشيدة صغيرة ونقعد نركل فيها زي الكورة قدامي، ونلهى فيها، ونلهي روحي.. لحد لما نوصل المحطة، وبطلت الشكوى والتزنزين والنقان: لا المحطة بعيدة ولا الطريق واعرة، ويوم ورا يوم، الرشيدات نحط فيهم في تريكينة نعرفها لين ولى عندي توا كوم رشاد.
المثل الليبي يقول اكذب على رجلك تمشيك، ومن عندي، عمري ما ننسى: الحبة عملت عمايل.

الجمعة، 24 أبريل 2009

عقاب حكاية أم بسيسي وكورس الكيك

أبلة مارجريت، وهنا في بريطانيا ماتناديش على المعلمة أو المدربة بلقب الأبله، مارجريت هي بس مارجريت والأبله ديريكا هي بس ديريكا. وهكذا، فخلونا ع الأسلوب الانجليزي وخلينا انادوها مارجريت.

مارجريت.. ابتسامة عريضة مالقلب

وهي بدعة من بدع الكيك وتزيينه، سبحان الله العاطي من غير حساب، وبالإضافة إلى الحرص والدقة المتناهية في الشغل، لما تجيبلنا نموذج من السكر نحلو فيه فمنا ما تفرقاش عن الحقاني، والأفكار جدا بسيطة، والخطوات سهلة.. الفكرة كلها في الدقة والتركيز.
ومشينا مع مارجريت خطوة بخطوة مع بالها الطوييييييل على كل واحد، اللي ما فهمش تفهمه، واللي يلبز حاجة ويخربطها تعاودها معاه بالشوية بالشوية، واللي يخش للفصل ترحب بيه واللي يطلع تسقده للباب، وما فيش على لسانها غير كلمة (Lady) وخودلك من (Have a nice weekend)، (enjoy yourself)، و(enjoy your time)، معاها ابتسامة كبييييييييرة من القلب.
واشتغلنا أول شي كيكة الكرسمس لان الكرسمس ع الأبواب.. خطوة .. خطوة..ولهذه الكيكة تقليد خاص في بريطانيا، فهي تخبز من مجموعة مختلفة من الفواكه المجففة والمكسرات ولا تحتوي على أي نوع خميرة.. ومدة خبزها في الفرن 4 ساعات.. ويمكنها الصمود في إناء محكم مغلفة جيداً من 4 إلى 6 أشهر!!! تخيلوا كيكة 6 شهور ما يصيرلهاش شي!.. وعند التزيين أو التقديم تسقى بـ(البراندي) أحد أنواع الخمر، والبديل له هو عصير البرتقال، اللي استعملته في كيكتي باعتباري مسلمة.
بالنسبة للزينة، أول شي غطيناها بالمارزيبان (اللي قلت عليه شيف انس الفالح، ما شاء الله عليك)، وهو فعلا خليط بنسب محددة من بياض البيض والسكر الناعم وبودرة اللوز مع إمكانية إضافة اللون باستعمال الأصباغ الخاصة، ومن بعدها تغطى الكيكة بالطبقة الثانية من عجينة السكر، وكل التفاصيل من زهور وأجراس وأوراق وثمار الكرز مصنوعة من عجينة الزهور(Petal Paste)، واستعملنا عجينة ثالثة تدعى (الباستيلاج)، وما عدا عجينة المارزيبان والسكر المتوفرة بسعر زهيد في كل المحلات التجارية في نيوكاسل، نشروا في كل أنواع العجائن التانية من مارجريت.
ومرة طلبنا منها تجيبلنا الوصفات، خاصة عجينة (Petal paste) ولليوم ماشفنا شي، والعجينة هذة فيها بودرة العلكة، وهذا السبب اللي يخليها (تتلوك زي المستكة)، ويندار منها كل غريب وعجيب، وكل هذي العجائن ليومنا نشروا فيها منها.
وكيكة الكرسمس قاربت ع الانتهاء، وبما أننا مسلمين، قصدي أنا ورامز والحمد لله، قررنا نهدوا الكيكة الكريسميسية التقليدية لـ"هيلينا"، أولا لأن هلينا انجليزية-مسيحية وهذه الكيكة تقليد مسيحي مهم، وحتى ارستقراطي، ونحن لا تعني لنا أي شيء على الإطلاق غير إنها كيكة فقط، وثانيا نبوا ناخذولها هدية ومش ح نلقوا أحسن من هالكيكة تستر.. واللي ( تعطيه خير من اللي تاكله)، وخاصة إن سعرها في السوق نار ياعيني نار.
رامز طبعا مش شايف الكيكة، ومش متخيل قدراتي لوين وصلت، ويحسابها كيكة مشي حالك، زي اللي ديما نديرله فيهم؟؟.تررررا.
وروحت بالكيكة للحوش، فحنا كنا نشتغلوا فيها بالشوية، ونخلوا فيها في الفصل. روح رامز من دراسته يلقى الكيكة فوق الطاولة:
- شني أخيرا كملتي المعجزة اللي ليك أربعة شهور فيها.
ويفتح غطاء الكيكة (طبعا هازي) ونسمعه يقول:
- بسم الله ماشاء الله، لاقوة إلا بالله. حتى الشنطة قاعدة فوق ظهره ويطلع الكاميرا ويطيح فيها تصوير ما صدقش...(ايوة انا) ويبعث الصور لخوي ع الماسنجر، يقول:
- شني، كريمة اللي دايرة الكيكة هذي.. من أما كارت واخذينها قولوا الحق!!!.
ماصدقش حتى هو، وجتنا هيلينا عالموعد قبل ما تسافر لأهلها في (لوتن) تقضي معاهم إجازة الكرسمس، وطبعا قايلتها إني قررنا أنا ورامز نهدوها كيكة الكرسمس، وهي أول كيكة أقوم بخبزها وتزيينها في حياتي، والمرا مشغولة لفوق راسها توتي في روحها للسفر وجايتنا تكر في رجليها كران ما عندهاش وقت، وكيكة شن اللي بتاخذها منا، المهم حكم جاية فوق من نيتها، ومقعمزة تشرب في الـ(cup of tea) الانجليزي العريق، ولازم معاه حليب، وجبنالها الكيكة، وتنسمط سمطة، طلعوا عيونها وما عادش ردت علينا، قالت:
- هذا شني ، هذه هي الكيكة.
وطار عقلها وطارت معاها، وقالت هذي مستحيل ناكلها، هذي بنخلوها ذكرى في الدولاب وهذي أحسن هدية كرسمس حصلتها في عمري كله...الخ. والبنية رفعتها مش مصدقة روحها، وانهمرت علينا مكالمات الشكر من أمها وبوها وبعتولنا الهدايا وكارت، وخاصة الكارت أهم حاجة عند الانجليز إنهم يكتبولك كارت بلغة (Formal) فكتورية عريقة.
وبعد عطلة الكرسمس ارجعنا، للكورس وكل واحد قصدي كل واحدة، لأن الكورس كله نساوين، جاية تحكي في قصتها مع أهلها أو أصحابها أو البوي فريند لما شافوا الكيكة، ومتلهفين نبوا نديروا الكيكة الثانية.
قالت مارجريت :
- لالا خلاص ماعادش فيه كيكات.. انتوا تعلمتوا الأساسيات.. وتوا بنشتغلوا ع التزيين بس.
وعرضتلنا نماذج خلابة ح نطبقوها في الكورس، لكن هل هذا اللي صار؟.
طبعــاً، وأول شي الجرس والحذاء واللي يستعملوا في تزيين كيكات الأعراس، والجرس رمز كنسي، علشان هكي مهم جدا في كيكات الزفاف.
الجرس فكرته بسيطة جداً وهذا أكثر شي أنا باهرني في الكورس إن الأفكار سهلة الشغل، السر في الدقة وطولة البال، وبعدين كل قطعة تنخدم بروحها وفي الأخير تجمع وهذا سبب سعرها المرتفع. بالإضافة إلى إنها صنع وتشكيل يدوي (Hand made).. يعني مش طبع ولا شغل مصانع، لكن القطعة اللي المفروض تاخذ منا أسبوعين تعطيلنا فيها في 4 أسابيع والوقت بدا يجري، وغير هكي مستوانا في نص الكورس مش زي مستوانا لما كيف خشينا وما عندنا فكرة على شي.. ومع ذلك مارجريت ما سرعتش وتيرة الشغل، لدرجة إن في حصص كنا نشتغلوا فيها في وردة بس أو ورقة بس وبدا الموضوع يضايق فيا.
وفقط للعلم.. الانجليز دمهم بارد جداً، وتبيله لين تنقلب الدنيا بيش يخطرلهم ويتكلموا على حق، كيف داروا ثورات كيف انقلبوا ع النظام الملكي وبلادهم أصبحت ديمقراطية، ما تسألونيش ما نعرفش؟.
وكورس من البلدية وفترة الصبح يعني من يخشلاش غير اللي فاضيين وياخذوا في إعانة.. واحدة أم عازبة، اواحدة متقاعدة، ومعانا واحدة حتى عندها إعاقة ذهنية، يعني بالليبي رقاد الريح.. وغير هكي أغلبهم هنود وباكستان (وهما اللي مستفيدين من كل شي في هالبلاد)، الانجليز مش بتاعين قراية.
لكن مارجريت مشيتنا على وتيرة من البطء مش في ايدنا نتجاوزوها وبالعربي اضيعلنا في وقتنا، وأنا بصراحة عجبني الكورس وجبت الكتب، ونلقط في الأدوات والمواد و اللي أبدا ماهيش رخيصة، وكلفتني، وكل ما نمشي نسألها سؤال وإلا نوريها صورة كيكة، تخش وتطلع وما تعطينيش كلمة، وهذا كلها مع ابتسامة عرييييييضة وطبعاً (Lady).
قالت بنديروا كورس (Sugar Flower) ومجموعة منا خشت للكورس، وأنا من ضمنهم.. تخيلوا 3 شهور الى يومنا هذا واحنا نشتغلوا في غصن الورد، ومع انه يبان صعب ودقيق لكن هي نفس الأفكار قاعدة تتعاود وكل أسبوع تقوللنا الأسبوع الجاي نكملوا، لو تتسائلوا كيف انا منزلتله صورة وشكله تام، قنوللكم معاكم الحق وصح ومزبوط.
اللي صار ان هيلينا قالتلي إن عيد ميلاد أمها السنة هذه جدا مميز، لأنها بتصكر 60 عام، وتبيني لو نقدر ندير لها كيكة، ووافقت ومشيت لمارجريت نسال فيها وناخذ في نصيحتها في نوع الكيكة وشكلها شهقت وانخلعت وقالتلي:
Are you going to have a business?
قتلها:
- لا يا ودي هذي البنية صاحبتي وعيد ميلاد أمها والكيكة راهو هدية بس.
عموماً شكلها ما صدقتنيش ولا خذيت منها لا ابيض ولا اسود.. ودرت الكيكة بروحي من الكتابات ومن الأفكار اللي تعلمناها.. وبما إننا نشتغلوا في غصن ورد قتلها لا زم نبي نكمل قبل 27/3 لأني بنزين بيه الكيكة.. ومع إني عطيتها الموعد أبكر بأسبوع، إلا إني ما كملتش للأسبوع اللي بعده وحكم غصبا عنها، ومازال باقي الطلبة بيكملوا الأسبوع اللي بعد عطلة الايستر، أو الله اعلم.
وكيف كملت، صدقوا بالغصب عليه، كنت نخش الفصل حتى نفس ما نتنفسش، نحط راسي في العجينة ونخدم جري وسكات لين كملت كل المراحل و وصلت للاخير، والخطوة الأخيرة هي تجميع الورود والأغصان مع بعض، جيتها قتلها انا كملت ونبي نجمع.
قالتلي: لا الاسبوع الجاي.
رديت عليها، قتلها عاد انا قايلتلك اني محتاجة الغصن من الأسبوع اللي وفات، ولازم انروح بيه اليوم.
قالت: لالا.
قتلها خلاص: أنا بنمشي بندير(complain) كيف من شهر واحد لشهر أربعة واحنا نشتغلوا في عمل واحد وبس.
قاتلي: عاد في طلبة قاعدين ما كملوش.
قتلها: حتى هذي بندير عليها شكوى، هم يضيعوا في وقتهم ويهدرزوا ويضحكوا، وفي الاخير يضيعولنا في وقتنا حتى احنا، وبعدين هم كان محصلين الكورس بلاش انا دافعة فيه فلوس، ونعطي فيه من وقتي، وزيد يا زايد معانا عزوز انجليزية يا لطيف، شعشبونة، مريضة وسنونها طايحات، ومتنفخة وريحتها نتنة، وتكحكح طول الوقت.
سالتها: انت شفتي دكتور.
قالت: لا ما عنده الدكتور شن يديرلي!، جن جنوني عليها.
شديت مارجرت على جنب.
وقتلها: الدوشة والوقت الضايع والمراة هذي بندير عليهم شكوى، انا نعرف المريض يقعد في حوشه، مش يجي لفصل مصكر فيه 20 طالب وينشر ميكروباته بينهم.
قاتلي مارجرت: مش حتفيدك الشكوى شي لان الكورس هذا يعتبر نشاط اجتماعي بالإضافة لانه تعليمي وتوا خلينا نجمعوا الوردات.
الباين جت للطريق، وجمعت الوريدات، وهي تخوف فيا، راهو ما فيش ضمان انهم ما يتكصروش، وقاعدات رطبات، وابداٍ لا تكصروا لا شي.
الأنجليزي يخاف من الشكاوي، يعني حد يكتب فيه شكوى، لأنهم في العموم يخدموا من غير واسطة، ولما الواحد تكتر عليه الشكاوى، من الساهل إن يقولوله مع السلامة، لأن في عشرات غيره تراجي.
وفي حصة الأسبوع هذا 23/4/2009 بدت معانا في زهرة القرنفل، مع العلم ان ما فيش حد كمل نهائي غير حضرة جنابي، لكن بيش لو درتلها شكوى على الكورس تلقى شن ترد، هذا بالنسبة لكورس الـ(Sugar craft)
اما كورس تزيين الكيك فقد شارف على الانتهاء قلنالها ديريلنا كورس في المستوى المتقدم قالت: نشوف.. وقعدت تلف وادور وبابتسامة عريضة، اللي ما تعطيش لا حق ولا باطل زي العادة.. كورس أزهار السكر، في واحد في الصبح، واحد تاني في العشية.. وتوا قالت في واحد ثالث مكان كورس تزيين الكيك اللي بيتم.
باهي علاش وفي طلبة راغبين يكملوا المستوى الثاني من كورس الكيكات ومسجلين أسمائهم في الكورس بتع المستوى المتقدم، معقولة 3 كورسات أزهار السكر في نفس الوقت، وطبعا الانجليز لا يتكلموا ولاشي.
جيتها قتلها يا مرجرت ياسر من الورد والورق والحشيش اللي تعلميلنا فيه، خلينا نديروا حاجة تانية انديروا فواكه، انديروا دمى، خش من اليمين طلع من اليسار.. و مع شنى؟، أكيد عرفتوا، مع ابتسامة عريضة.
جبت الفورمات والأدوات وقعدت نجرب بروحي في الحوش.. وقلت ع الأقل نستشيرها ونسألها، وندير الحاجة ونرفعهالها، وحتى رامز انسجم وقعد يدير ويشكل معاي، مرة طفل يمرد، ومرة دمية، ولما نسألها عن رأيها ما تعطينيش فايدة، غير الابتسامة العريضة...طالعة من القلب لكن باهتة، حاجة تحير!!
مرة قالتلي: هذه المجسمات اللي هي الأطفال واللعب مش للمستوى اللي انتم فيه، هذي للمستوى المتقدم، وممكن في كورس العام الجاي، قتلها لكن أنا العام الجاي مروحة لبلادي ومش ح نحضر الكورس...وياريتني ما نطقت.
تشدني تحقيق قداش ليك وامتى جيتي لبريطانيا، ولما سجلتي جبتي جواز السفر، شكلها فدت مني ولقت هالي فرصة، أنا في الأول خفت شوية، بعدين خذيت نفس وطولتلها رقبتي وقتلها:
- صدقيني مش قاعدة نحسب قداش ليا في بريطانيا، أربعة سنين ونص وإلا خمسة سنين ونص.
والحمد لله سلكنا منها وعلى كل حال أنا الكورس تقريبا كملته ما عندها شن ادير.
مارجرت رسخت في ذهني ان اللي ينقال عن حرص اليهود مزبوط، هي تقدر تعلمنا أي شيء لأنها عبقرية كيك، لكن أنا فاهمتها وهي فاهمتني، نقرا في عيونها تقولي:
- ما تتجاوزيش حدودك يا كريمة، ما عدوك إلا صاحب صنعتك.. يعني هو كورس بلدية وتبي تتعلمي فيه كل شي، ساد فيك اللي خذيتيه.
وفي يوم قالتلي:
- أنا عمري ما كان عندي طالب يسأل ويزن زيك هكي.
رديت عليها:
I have no chance in my country.. ما عندناش كورسات كيكات متاحة بالشكل هذا، لا هكي، ولا اقل من هكي.
والا ترى تخيلوا معاي إن شعبية طرابلس ادير كورسات رخيصة بـ84 دينار الستة الشهور، وتمشي يوم في الأسبوع، تتعلم كيكات، أو طبخ، أو طريزة، أو ماكياج، أو عناية بالبشرة، أو تربية أطفال، لغات ياباني وإلا هندي، وتاخذ كورس محاسبة، وإلا كورس كمبيوتر، والشهادة معتمدة 100%....فيقوووووووووا خلاص ما تتخيلووش ما فيش داعي للقهاير.
خليك يا كريمة تحت رحمة مارجريت.
*ملاحظة: زمان قبل ما نجي لبريطانيا خذيت كورس لتربية الأطفال في ليبيا، الكورس هذا داراته سيدة راقية على حسابها، كانت في بريطانيا وخذت كورس (Council/بلدية) لتربية الأطفال ولما رجعت لطرابلس طبقت الفكرة، وكان الكورس رائع جدا، بس كان ناقصها جهة تدعمها، وللأسف آخر معلوماتي إنها وقفاته، قداش نتمنى أنها تكون مستمرة.

انا قاعدة نشري في كتب ونقرا ونسأل ونزن على راسها، ما ترتاحش مني الا لما يتم الكورس وكل واحد يروح لحوشه

الاثنين، 20 أبريل 2009

أم بسيسي في كورس الكيك

خبرتكم إني سجلت في كورس (تزيين الكيكات) أو(cake decorating). والحمد لله انقبلت ومشي حالي.

نجوا للنقطة الثانية غير شغفي بالطبخ اللي اكتشفته فجأة بين يوم وليلة، وخاصة لما يكون زوجك مذواق في الأكل بالرغم انه يدعي غير ذلك (بيني وبينكم)، وصريف درجة أولى يعني يطلع للسوق يجيب السوق كله ما شاء الله عليه، كل هذا غير أفكاري وخلاها تتمركز حول الاستفادة من وجودي في بريطانيا (العظمى) قدر الإمكان، وقلت: خليني نتعلّملي تتكيم الكيكات وتزيينها.
أول الكيكات التي قمت بخبزها وتزيينها

والحق انقول ما عنديش أي فكرة على الحكاية هذي وغير الكيكة الاسفنجية، وكيكة الشوكولاته، وكيكة التمر، وكيكة الرتقال ما نعرفش. وغير إني نطلع الكيكة من الكوشة ونخليها تبرد وبعدين نقصها وللصونية طول، والى البطون الجائعة ما عنديش فكرة. وأكثر من رشة سكر ناعم عالوجه ما نعرفش. وآخر حاجة ممكن اوصللها مستواي الكيكي، هي تقديم الكيكة مع الفواكه المعلبة (الفروته)، أو نبشر الشوكلاته فوقها بمبشرة الخضرا العادية، وصلى الله وبارك.

حذاء مصنوع من السكر 100% قابل للاكل

وهكي تقدروا تقولوا تقريباً سجلت في كورس ما نعرف عنه شي غير اسمه (cake decorating).
بدا الكورس ودرت شنطتي ومشيت، الابلة اسمها "مارجريت" وشكلها زي المرا اللي على ظرف سكر الفانيلا، هادية وانيقة ، كبيرة شوية في العمر، وزابطا على اسم الكورس حتى هي (decorating).

جرس وزهور مصنوعة من السكر، وهي كذلك قابل للأكل

ومشيت، وأول درس ما فهمتش شي وهو ما كانش فيه أصلا شي، تعارف وطلبت منه شوية حاجات نجيبوهم معانا الحصة الجاية، لزوم الدرس لكن المشكلة كلها كانت في (الجوردي).
والجوري للعلم هي لهجة عوجة، غريبة عجيبة، محسوبة ع الانجليزي وما ليهاش علاقة بالانجليزي، يتكلموا فيها أهل نيوكاسل اللي هم الجورديين، عندهم مخارج حروف صعبة وتعابير خاصة بيهم، يعني الواحد يقولك: Are ya alreet?
ويكون في الأصل قصده: Are you all right?
يعني بلهجتنا :حالك باهي؟.
وبدا الكورس جديات. هو يوم في الأسبوع مزبوط لكن دوشته هلبه وكلمات جديدة وأنا مقعمزة نقرا ونترجم بيش فهمت مصطلحات الحلويات والكيكات بالانجليزي، وتسرحت شوية، لكن المفاجآت كانت بالنسبة ليا غير متوقعة.

ثاني الكيكات التي خبزتها وقمت بتزيينها

يعني أنا كنت نسحاب روحي بنتعمل شوية كريم شانتي على ويبينج كريم ولصق عليهم شوية فراولات.. طلع: لالالا، مش هكي بكل، الكورس الرخيص اللي 20 أسبوع بـ84 باوند بس ودايراته البلدية لعامة الشعب، طلع كورس ينطبق عليه المصطلح الليبي الشعبي (صقع)، فعلا طلع كورس صقع والحكاية احتراف وكيكات على مستوى، يعني أول حاجة ما فيش تحضير كيكات في الكورس، يعني الابلة تعطي فينا في طريقة الكيكة في وريقة، شيت يعني، واحنا نديروها في الحوش، لكن اللي نديروه فيه في الكورس هو إنا نشتغلوا بعجينة الـ(Petal Paste)، أو ما يمكن ترجمتها إلي العربية: عجينة الزهور وعجينة المارزيبان وعجينة السكر والباستلاج.
ونقوم بصناعة أشكال منها مثل: الزهور بعدة أنواع، اشكال مختلفة كالحقائب والأحذية والأجراس والدمى والعاب الأطفال، وكلها قابل للأكل، المفاجأة لما شفت محلات الكيكات في نيوكاسل وبقداش تنباع طلعت الأسعار خيالية.. ومش ح نقول ع الأسعار عشان ما تقولوش دير في دعاية.

غصن ورود مصنوع من عجينة السكر، قابل للأكل (لكن مش حنخلي حد ياكلا)

عموما طار عقلي في الكورس وشديتها الحكاية جديات، ولما فتحوا كورس ثاني في فرع الـ(Sugar Craft)على طول سجلت فيه وما نبيش نفكركم بكلمة السر(......).
وشرينا الأدوات اللي فعلا غاليات ومكلفات، وجبنا المواد وقعدت نجري وجندت معاي رامز ووصيت صاحاباتي، طايحتلها تلقيط في كتابات الكيك من المكتبات ومحلات الجمعيات الخيرية والمواد المستعملة والحمد لله مستواي يتحسن يوم بعد يوم.
نولوا لأبلتنا السنفورة، اللي قلنا شكلها زي المرا اللي على ظرف سكر الفانيلا اللي يعرفوه كل الليبيات وما فيش غيره. أبلتنا عمرها ما لوحت حتى فتفوتة عجينة سكر وإلا مارزيبان، وتاخذ وتوصي فينا:
- دسوا العجينة كويسة وغطوها كويس في كيس والكيس حطوه في فازو بيش ما تجفش العجينة.
وحتى لما نبدوا نشتغلوا وشارقين تبدا تلود علينا وتنبه، وكانها فتحت كيس سكر البودرة قريب نقول تاخذ منه بالذرة وحريصة بشكل لا يوصف ولا يتصوره عقل، متحدثة لبقة، وتعرف كيف تمشينا، وفي يوم من الأيام خشت الفصل لابسة سلسلة في رقبتها، كان هذاك اليوم في عز أزمة غزة، السلسة حاطة فيها تعليقة على شكل نجمة داود الإسرائيلية المشهورة، وخيتكم كريمة زمطت ريقها، وقلت في خاطري والله حسيت بيها هذي المرا ما تطلع إلا يهودية من كثرة الحرص اللي شفته منها والتدقيق، وفي نص الحصة انتهزت الفرصة وسألتها إذا كانت يهودية وجاوبتني وقالت:نعم.
ترررراام، الأبلة طلعت يهودية، باهي .. ياكريمة شن فيها كان الابلة طلعت يهودية ما هو اليهود أولاد عمنا، وأنت جاية لبلاد تلقي فيها كل شي، طمنت روحي بهالكلمتين، بعدين شهادة لله، عمرها ما كانت عنصرية معاي في الفصل أو حسيتها دايره فرق أو حاطها راسها من راسي، بالعكس تماما كانت لطيفة جدا جدا.
لكن هل هذا كل شيء؟
من أول ما جيت لنيوكاسل وأنا نزنزن نبي نتعرف على يهود، ووصيت هلينا وهلينا وصت أصحابها (واليهود سيكون لي وقفة معهم في إدراج قادم)، إلا إن اليهود منعزلين يكونون مجتمعاً منفصلاً عن باقي فئات المجتمع النيوكاسلي.
توا شوفوا وين كنا، من الكيك أصبحنا في أبناء العمومة اليهود، اللي بدي عندي قصة معاهم من خلال أبلتي مارجريت اليهودية.
يتبع...

الجمعة، 17 أبريل 2009

عطلة الفصح

كنا قد تلقينا دعوة من صديقتنا "هيلينا"، ومن غيرها في هذه النيوكاسل، التي كانت للإقامة في بيتها ثلاثة أيام من يوم السبت حتى الاثنين يوم العطلة المصرفية (Bank Holiday)، مقترحة خلال هذه الأيام مجموعة من الزيارات والنشاطات ووليمة إنجليزية تجمع الأصدقاء ورحلة إلى مدينة هِكسام (Hexham).
هذه الدعوة الكريمة حملت لنا بعض المفاجأة، لا أنكر، فأنا لا أنسى أبداً إنها فتاة إنجليزية، وكم للانجليز من محاذير، وكم تندر العالم من شرقه لغربه بنوادر حرصهم وحتى بخلهم، لكن هذه التجربة العالمية على اتساعها لا تمد بصلة لتجربتي الشخصية المتواضعة والمحدودة، لا أنا ولا زوجي، وعندما سأعود لبلدي، سأحكي عن كرم إنجليزي منقطع النظير، تمثل في هذه الفتاة.
بلطف اعتذرنا عن المبيت في منزلها بالرغم من حماسي الشديد للفكرة، إلا أن زوجي كان له رأي مخالف، فلم يشأ أن يثقل على الفتاة، وغير ذلك كنا على أهبة الاستعداد.
الجمعة، هي الجمعة العظيمة وما يصاحبها بما يعرف باحتفالات عيد الإيستر أو عيد الفصح، وأهم مظاهره هو انتشار بيع أشكال مختلفة وجميلة من البيض المصنوع من الشوكلاتة والحلوى بأشكال بديعة، ورغم قدم هذا التقليد وانتشار الظاهرة كظاهرة تجارية بحتة، تفيض بها المحلات، وإقبال الإنجليز وغير الإنجليز (غير المسيحيين) على شراء البيض الشوكلاتي الملون البديع، إلا انه يندر أن تجد من يفسر لك دلالة هذا الرمز المسيحي، وهو رمز البيضة .
ولمن لا يعلم ففي المعتقد المسيحي أن البيضة بقشرتها الصلبة القاسية من الخارج تحمل في داخلها حياة باحتوائها على (ألاح والمح)، وهو ما يكون الجنين فيما بعد، وقبر السيد المسيح وان كان ظاهره يدل على مجرد التابوت القاسي (القشرة)، الذي يحوي جسداً ميتاً، إلا أن يسوع حسب المعتقد المسيحي كان حيا وخرج من قلبه.
يوم الأحد الموافق: 12/4/2009، قام المسيحيين المتدينين بإحياء طقسٍ آخر، وهو حضور شروق الشمس عند شاطئ البحر، وموعد اللقاء والتجمع كان الرابعة صباحاً، للذهاب إلى شاطئ التاينموث (Tynemouth)، واستقبال الشمس في إشراقها بالترانيم والصلاوات، وكانت الساعة السادسة عندما بدأ خيطٌ أبيض في الأفق بالظهور. وكنا في استقباله على رمال الشاطئ الباردة، التي تلونت بتغير الأضواء، أما البحر فكان يعكس ما يعرضه الأفق من ألوان ومباهج.
بعد ذلك اتجهنا إلى بيت "هيلينا" لغداء انجليزي تقليدي لذيذ قوامه دجاج مشوي، ولأن الجو كان مشمساً ودافئاً قررنا الخروج للحديقة المجاورة.
في تعليق سابقٍ كتبه الدكتور "غازي القبلاوي"، أشار إن القلاع والحصون من أهم ركائز الثقافة والحضارة الانجليزية، وتجربتي المتواضعة في هذه البلد أكدت لي ذلك، وإضافة، في ظني إن الحدائق والمتنزهات ركيزة أخرى للثقافة الانجليزية الحديثة، وأقول الحديثة، لأن لا علم لي ولا إلمام بالتاريخ الانجليزي، ولن أدعي كذباً عليه، فيمكننا القول إنه في كل منطقة سكنية (حديقة جميلة)، والتأكيد على جميلة، ويؤسفني المقارنة هنا عندما أتذكر حدائق طرابلس (الخربة) التي تحولت وتتحول إلى مجمع للقمامة، أمام حدائق نيوكاسل الغناء، الرحبة، الجميلة، الواسعة، النظيفة، المرحبة بالجميع، الكبار والصغار، الأفراد والعائلات فلا مضايقات ولا استراق بصر أو سمع، متنفس للجميع.

انتهت جولتنا على وعدٍ باللقاء صباح الاثنين (13/4/2009) بمحطة قطارات نيوكاسل للتجمع والذهاب لوجهتنا (هِكسام-Hexham).

كانت الساعة الـ10:30 عندما التقينا المجموعة، والتي تكونت من: هيلينا، دورثي، سارة، دنكن. ولكن أين ستيوارت، أجابت سارة:

- للأسف، "ستيورات" يشتكي من وعكة صحية، لم تمكنه من الانضمام إلينا.

علقت:

- ياااه، لقد فقدت الرحلة أحد أهم عناصرها المهمة.

"ستيوارت" شاب أيرلندي الأصل، سكن نيوكاسل قبل 10 سنوات عندما جاءها دارساً، يعمل كأخصائي اجتماعي لكبار السن، وهو مثقف، متدين، يحب السياسة والحديث عنها، وكم أدهشني معرفته بالعقيد "معمر القدافي" وكيف تحدث عنه وعن الكتاب الأخضر –الذي يملك نسخة منه-، وعن علاقة ليبيا وبريطانيا.

أردفت:

- ربما اختبار الفيزياء هو السبب.

انتبهت سارة لقولي:

- فيزياء، ماذا تعنين؟

فأخبرناها قصة "ستيورات" مع الفيزياء، ففي اليوم السابق، ونحن على طاولة الغداء، تطرق الحديث لعمل "كارن" الجديد، وهو تدريس الرياضيات والفيزياء ليومين في الأسبوع لمجموعة من الطلبة اليهود، وهنا علق رامز:

- رياضيات وفيزياء، كم أحبهما.

علق ستيورات:

- أنا لا علاقة لي لا بالرياضيات ولا الفيزياء.

أردف رامز:

- ستيوارت، الرياضيات ممكن، لكن كل شيء من حولنا فيزياء.

أصر ستيوارت على إنه لا يعرف شيئاً عن الفيزياء، وأكد حتى الأساسيات والأمور البديهية، فكان أن أجرينا له اختبار، فسألته كارن:

- ما هو سبب تعدد ألوان قوس قزح؟

ستيوارت: يفكر.. لا إجابة.

ثم سألته:

- لماذا نرى البرق قبل الاستماع لصوت الرعد؟

ستيوارت: يفكر.. لا إجابة

سأله رامز:

- ما الذي يجعل الكرة التي في يدي تسقط للأسف عند رميها للأعلى؟

ستيوارت: يفكر.. تدخل هيلينا:

- ما اسم القوة التي تسحب الكرة لأسفل، هيا ستيوارت، أجب.

يقفز ستيوارت:

- إنها الجاذبية.

صعدنا القطار، وتحرك بنا، كان يسير في هدوء، وكان صغيراً ليس القطار الذي استقليناه إلى لندن. وصلنا محطة (هكسام)، ومن فورنا اتجها إلى وسط المدينة.

هكسام مدينة صغيرة وقديمة، طابعها أشبه بالقرية، بدأت رحلتنا بمرورنا بالسجن القديم، ولاحظت أنه أمام السجن توجد منصبة العقاب التي تحبس رأس ويدي المجرم، وعرفت إنها قديمة وإن السجن تحول إلى متحف، وهو يحتوي على مجموعة من الزنزانات التي وضعت بها دمى تمثل السجناء والحياة الاجتماعية في السجن.

انتقلنا إلى ساحة المدينة، حيث واجهتنا كنيسة هكسام، ولفت انتباهي بناء قديم جداً، انتصب تحته مجموعة من الباعة لبيع الزهور والبذور وطعام الطيور، وبعض الإكسسوارات.

قصدنا الكنيسة، والكنائس في بريطانيا معظمها قديمة، وهي أكثر من مكان عبادة، فهي متحف تجد فيه الكثير من المعروضات لأيقونات وأديرة تعبد قديمة، كما إن النقوش الموجودة على الجدران والبلاطات تسجل الكثير من التواريخ المهمة كأسماء الأساقفة والمتعبدين والأحداث المهمة للمنطقة.

تقدمت هيلينا من المشرف وقالت له:

- هل السرداب مفتوح للزوار.

فأجاب:

- نعم، لكن علي أن أنبه، إن أول ثلاث درجات ترتفع 15 بوصة، والثلاث التي تليها ترتفع 10 بوصات، والتي تليها 5 بوصات.

وكان يكرر هذا التنبيه لكلٍ منا قبل نزوله للسرداب.

ونزلنا إلى السرداب الذي يعود تاريخه إلى القرن السابع الميلادي، والموسوم على اسم سنت ويلفرد، واحداً تلو الآخر، الجود بارد ورائحة الرطوبة قوية. كان المكان ضيقاً وغير مرتفع. لم أستطع البقاء واحتمال الضغط فخرجت ورامز سريعاً.

خرجنا بعد تجولنا بالكنيسة وكانت الساعة قد قاربت الـ12:30، فقررنا الذهب لحديقة هكسام للاستراحة وتناول الغداء. وهذا ماكان. جلسنا على كرسيين وتقاسمنا ما جلبنا من غداء واختلط الحديث والأكل والغناء، على خلفية هرج ولعب الأطفال.

بعد الغداء اقترحت دورثي وهلينا أن نلعب لعبة البحث عن البيض، ستتقدمانا، وعلينا تتبعهما وجمع البيض الذي سيخبأنه. كانت أولى البيضات من نصيبي، وفاز دنكن بالثانية، نزلنا إلى الجدول بهرنا المكان وهنا التقط رامز واحدة، لتلتقط سارة أخرى، لنجد أنفسنا أمام نحتٍ جميل لبومتين من جذع شجرة، حتى صاح رامز إنه وجد بيضان أخرتان.

وصلنا نهاية الحديقة، وانقسمنا إلى قسمين، سارة ودنكن اختارا التجول في المدينة، أما البقية فتلبية لرغبة دورثي سنتجه إلى محلات الجمعيات الخيرية، قلت:
- هذه فرصة جيدة للبحث عن المزيد من كتب الكيك ديكوريتنج.
علقت هيلينا:
- ألم تكتفي بعد يا كريمة.

وهكذا بدأت جولتنا وكنت حال دخولي للمحل، أتجه مباشرة إلى ركن الكتب المستعملة، وأطلب من رامز مساعدتي في البحث، ولله الحمد استطعت الحصول على كتابين قيمين عن صناعة وفن تزيين الكيك وتشكيل الشكولاتة.

كان الوقت يزحف بسرعة، لذا اخترنا أن نتناول بعض المشروبات في أحد المقاهي، واخترنا مقهى هو في ذات الوقت معرض فني.

جلسنا الستة، وتحولنا من الحديث عن اللوحات للحديث عن الطقس وتشعب الحديث، تارة يقول رامز نكتة، أخرى يعلق دنكن، تقفز هلينا بطرفة أو موقف، أشاكس ساره الهادئة، حتى دورثي لم تبخل ببعض القصص.

لكن سيف الوقت لا يرحم، ومواعيد القطارات محدودة في عطلة المصارف، وكان علينا المغادرة، والعودة إلى نيوكاسل. وبالمناسبة كنا في ذات التاريخ من العام الماضي في هولي إيلند.