السبت، 18 أغسطس 2012

عندما أصبحت (حاجة)



أعتمد في ثيابي طريقة اللباس العصري من القمصان والتنانير والبنطلونات وأحرص أن يكون محتشم، غير مبالغ فيه ولست متطرفة على أية حال، ولست أيضا من عشاق العباءة السوداء(الخليجية)، ولا تغريني موديلاتها وصرعاتها وتطريزها، بساطتها أو تعقيدها، لكن مع كثرة مشاغلي و واجباتي البيتية وتسارع نمط حياتي وعمل زوجي الذي يستدعي سفره الدائم و وجوده خارج المدينة أو خارج البلاد مما أضاف مسؤوليات أخرى فوق مسؤولياتي، بدأت اتجه لها، أي (العباءة السوداء او /العباية)، فهي الاسهل والأسرع لبساً فلا يستغرق ارتدائها العشر ثواني ولا يقلقني الشكل الذي سأظهر به فهي زي موحد لا يختلف من نحيف الى سمين أو من قصير الى طويل، واهم مزاياها على الاطلاق هي السرعة القصوى التي تمنحها العباءة في معدل الخروج من البيت، وطواعيتها لكل الاعمال ومناسباتها لكل المهام فلا يضيرني الدخول بها الى (سوق الخضرا) وأنا اجرها على التراب، او انغماسها في برك المياه المتجمعة في (سوق الحوت) أو تلطخها بدهن او دم اللحم او زفر الدجاج عند (الجزار)، وقد تغرق السيارة في طريق ترابي فأضطر للخروج منها والبحث عن يد عون تساعدني وأجد نفسي أعوم في بحر الرمال او على رمال الشاطئ وحتى قضاء المناسبات الاجتماعية الطارئة بها، فهي سوداء لن تسبب أي احراج بسبب بقعة ما على طرفها وللونها هذا ايضا ميزة فهي ما أن تلامس الماء والصابون حتى تنسلخ عنها الاوساخ وتجف بمجرد وضعها في مكان مشمس وهذا من خواص قماشها.
اشتريت عباءة، تطلب واقع الحال ذلك، عندما ارتديتها قال زوجي: انت تشبيهن فلة (دمية البنات المحجبة والشخصية الكرتونية)، واعجبني أن اشبه فلة خاصة ان فلة هذه هي طفلة و أم وسيدة بيت ترتدي الحجاب وهي لا تخفي عيوب الوزن الزائد والسمنة بدريعة الحجاب والجلباب، بل رشيقة وممشوقة القوام.
وفي زحمة التجهيزات للعيد، كنا نخرج للتبضع وطبعا ارتدي العباءة السوداء، حين قال لي صبية صغار يبيعون لعب الأطفال على طاولة بجانب الرصيف،: (تفضلي يا حاجة)، وهمز زوجي بكل مكر( قالك يا حاجة، بيش تعرفي روحك كبرتي وعززتي)، وما التقط ذلك الصبي كلمات زوجي حتى قفز بيننا مقاطعاً: (ما تزعلش ياحاج تفضل حتى انت)، وأنا انظر اليه بعيون ملئها الشماته وأردد: تفضل تفضل يا حويج!.
قد اعتبرت هذا حدثا عابرا ومن باب المصادفة، حتى تكرر في محل آخر لبيع الملابس والأحذية التقليدية (الزي العربي) وكنت أناقش البائع في المقاس والأسعار وهو شاب في مقتبل العمر يردد في اجاباته على اسئلتي بـــ(ياحاجة يا حاجة)، لم اتمالك نفسي من الضحك، ومن السعادة ومن السرور والبهجة فلقد اصبحت (حاجة)،  ولم أرد عليه بالرد الليبي الشهير( ان شاء الله نحجوا)؟، ولا أجد أي عذر حقيقي وراء اولئك اللذين يستشيطون غضبا إن ناداهم احد ما بـ(يا حاج) غير فزعهم من أنها تذكرة لعالم الشيخوخة، أذكر تماما قريبنا الذي لم يحج، جاء في زيارة لجدتي رحمها الله وكان غاضبا من بنت الجيران وهي طفلة تحييه حين ذهابها للمدرسة ب(يا حاج) فوبخها ونهرها فبدلت صفة حاج بصفة (يا عمي) التي اغضبته اكثر من الاولى ورأى فيها اهانة له، فما كان من جدتي الا ان وضعت عكازها في رأسه وقالت له:
(وشن تبيها تقولك يا سيدي؟. حلك والدها مرتين والا ثلاث....). هكذا كانت ردود جدتي صريحة وبدون مهادنة، وحين سألتها بعد مغادرته، ما الذي يزعجه في هذا قالت باختصار: (شايب خايب). وحتى لا أشيب وأخيب لم أجد في نفسي مضاضة من أن أُصف (بالحاجة)، واذكر فرحة أبي الغامرة ومعانقته لاابن جيراننا بقوة حين ناداه (ياحاج) بعد عودته من الحج وهو في الثالثة والثلاثين من عمره.
سأحج ان شاء الله، وحتى ذاك الوقت يسعدني ان تنادونني (يا حاجة) تيمنا بها
لكم الود
الحاجة كريمة الفاسي