الأربعاء، 30 مايو 2012

بلاد الزهر والحنة..وليلى.. (يوم انتصرت فبراير وقتل الشعب جلاده)


(1)


"ليلى" حكاية بلادي، الشرق كله مرتع الأساطير وهلوسة الشعر والخيال وطفلة العب في (شارعنا القديم) الذي كلما أغادره أعود إليه، زنقة في طريق السور مقابل البريد وراء الطعمية، عنواني البسيط الممتد عبر فصول حياتي، وليلى حسب الأسطورة لابد أن تكون جميلة وهادئة وللمفارقة هي جارتنا!! وكلما قرأت قصة ليلى والذئب..أو مرت بي في مسلسل أو تمثلية لا تكون ملامح ليلاي إلا لـــ(ليلى بنت جيرانا)، ملامح ناعمة رقيقة ودودة وتضع قرطين أحمرين وتقفز في لعبة (اليستيك، في راس الشارع) بالقفطان ذو الحزام، لم أزال طفلة عندما كبرت ليلى وتوقفت عن لعب(اليستيك والنقيزة في راس الشارع) لا تغادر البيت وتتكلم عن أمور غريبة فهي ستخبأ كتب اللغة الانجليزية ولن تسلمها للمدرسة، تقول أنهم سيحرقونها (لن أسلم كتبي)؟.



(2)


 (الزْهَر) لا (الزَهْر) هو وريدات أشجار البرتقال والليمون قبل ان تتفتح بتلاتها(orange blossom) وفي هذه المرحلة يصنع منها(خناقات الزهر) أي عقود الزهر وماء الزهر(orange blossom water) ويوضع في قوارير فضية ليرش به على المحتفلين في المناسبات السعيدة هو علامة مسجلة لبلادي بامتياز وكل شمال أفريقيا إذ المعروف في المشرق العربي هو ماء الورد وليس الزهر، وزهر ليبيا  الأروع.هذه مفرداتنا للفرح:الزهر والحناء والزغاريد، نتفق عليها نحن الليبيون باختلافنا وأخوات ثلاث عقدن العزم انه إن تحررت ليبيا من الطاغية الدموي سيخضبن أيديهن وأرجلهن بالحناء، اتفاق انضمت له كل من سمعت به من القريبات والجارات والصديقات، فالحناء هوس المرأة الليبية وصديقتها الحنونة بها تدشن مواسم الفرح. وما انفكت إذاعة القذافي تروج في عهد سابق لأغنية (يد تقاتل يد تحني بسلاحه يهني يا بو كف رقيق محني بسلاحه يغني)، أليست هذه علامة من علامات 17 فبراير المجيدة التي أتت مبكرا ولم يفهمها العقيد، السلاح والحناء وإلا كان قد قطع كل الأكف والأيدي وجرم الحناء وساواها بالحشيش والمخدرات وان كان يسمح بالأخيرين . أما هذا الخميس الخريفي بدأ صباحه عاديا بالنسبة لي غير أن زوجي رأى شمسه تختلف ورأى أحمد الأبكم الأخرس ابن جيراننا في فجره خلاص الليبيين عندما أيقظ خالته قبيل أذان الفجر يشرح لها بحركات يديه انه:ربتتين على الكتف تعني العقيد القذافي، وجرة يد على العنق فيما تشبه حركة السكين في الذبح تعني انه سيقتل، وايمائة الإصبع السبابة إلى الأسفل تعني انه اليوم: اليوم سيقتل العقيد، نبوءة (احمد البكوش) أو (الفقير احمد) فجر الخميس 20/10/2011.


(3)


في الجامعة تلقيت اتصال هاتفي من زوجي(شدوا شفشوفة)، كنت متجه إلى كشك التصوير فوجدت صاحبه يقفز(شدوا القذافي) هو شاب ملتحي مقصر ايزاره ورزين ، نسخ لي الورقة مجانا وطار مغادراً، تعجلت بالعودة إلى البيت، فإن صحت الرواية ستزدحم كل الطرق وستمطر السماء رصاصا وذخيرة وان لم تصح سيحدث ذات الشئ أيضا، هذا كل ما فكرت فيه وما همني، فخيبتين اثنتين بإشاعة القبض على ابنيه المعتصم وسيف أبيه كفلتا إن أتريث في انفعالي قليلا. في التفاته بدا كأن كل من في العالم يقول ويسمع ذات الجملة(شدوا شفشوفة)، في الطريق المزامير وأنوار السيارات، أنا من ضمنهم، حتى وصلت (شارعنا القديم  شارعنا الزمان) زنقة في طريق السور أمام البريد وراء الطعمية.....


(4)


اوليه اوليه اوليه       والشفشوفة زوا عليه

اوليه اوليه اوليه       يا صفية اليوم عزا

يامفارقة الأيام، يجتمع الموت والفرح، كان يخطر ببالي أن موت القذافي يوماً عسيراً، فلابد له ان يموت ليس مخلداً، ستعلن عليه الحكومة حداداً قد يصل إلى أربعمائة يوم وستُقفل كل مرافق الحياة وستنكس الراية القذافية وينقطع حليب الأطفال وحفاظاتهم، وتماما كما كانوا يستوردون راقصات من كل الدنيا للاحتفال بما يدعى عيد الفاتح الأربعيني والعشريني والسابع عشري والاحدى عشري سيشحنون بكل المرارة والحزن والأسى (حاويات من الرقاصات اقصد الناحبات والندابات والعياطات والشلدات من فصيلة وين تحطه تلقاه)، وانه سيخرجون علينا بسيف القذافي وريثا لأبيه وسينشق المعتصم القذافي على وريث أبيه ويقتطع له جزءا من البلاد كنصيبه في التركة،  ولن يسكت احمد ابراهيم القذافي ابن عم القذافي، كيف؟ وهو ابن القذافي الايدولوجي البكر وان كان الاخرين ابنائه البيولوجيين، وسينحاز خميس لاخيه سيف في مواجهة هانيبال المعتد بالمعتصم أما عائشه ستدعم من يضمن لها ويدفع تكاليف عمليات التجميل والترقيع والنفخ والشفط مدى الحياة، وان كل مناصب الدولة وحقائبها ستوزع حسب الفريضة (فالقذافي ملك البلاد والعباد..والملوك ايضا) وبحسب هذا فإن ورثة القذافي لن تكون تركتهم ليبيا والليبيين فقط بل سيقتسمون ملوك إفريقيا ورؤسائها والأفارقة عموما وبعض من حكام أمريكا اللاتينية وقد يجدون وثائق تملكهم رقاب هذا أو ذاك من الرؤساء الأوربيين ،من يدري؟

والفريضة هي النصيب الذي قدره الشارع للوارث، وتطلق الفرائض على علم الميراث، وقد يكون هذا سبب حرج لعلماء الأمة، إذ يحتاجون إلى اجتهاد وجهد جهيد ليطلقوا الفتاوى في إماء وعبيد العصر الحديث، اللذين هم نحن الشعوب لمالكي الرقاب وأولياء الأمر فينا،وأصحاب الفرائض:هم الأشخاص الذين جعل الشارِِع لهم قدرا معلوما من التركة وهم اثنا عشر:ثمان من الإناث وهن الزوجة، والبنت، وبنت الابن،والأخت الشقيقة ، والأخت لأب،والأخت لأم، والأم والجدة الصحيحة وأربعة من الذكور: هم: الأب والجد الصحيح والزوج والأخ لأم.

  .لكن هذا لا يحدث والقذافي لم يعد يحكمنا ولسنا عبيد و إماء مؤتمراته الشعبية ولا عصابات لجانه الشعبية والثورية الخضراء. انه مطارد، وقُتل وهو مطارد مهان وذليل فقُبح ما أذله، ونحن لا يُعلن علينا الحداد أربعمائة يوم بل ها هي زغاريدنا تلون السماء والتكبير يهلل في الافق (والزكرة تخبط)،كلٌ يحتفل بطريقته.

وهنا زنقة في طريق السور مقابل البريد وراء الطعمية، يهلل الجميع ، تدخل ليلى الزنقة بسيارتها(الكلاكس والفليتشات الاربعة)/المزامير والأضواء، لعمري ترقص الأرض والسماء، ليلى وأم ليلى وأخت ليلى وجيران ليلى (اللي غطت راسها واللي بلاش ،اللي لبست شبشب واللي حفيانه)وعيادة الأسنان ومن فيها من موظفين وأطباء وممرضات والبريد ومن فيه والطعميه وزبائنها والعاملين فيها، والأربع شوارع ومن يمر بهم وحتى الإشارة المرورية(السمافرو) كانت ترقص، اخضر احمر،اصفر، والعمود اسود والخطوط على الإسفلت بيضاء إنها ألوان التحرير! وما عَلِم القذافي وعصبته بها؟؟؟ كانوا سيقولون أجندة مرورية ويقطعونها إربا!، وطريق السور ومن يسكنها وطرابلس ومن يحبها، ويتحول عزاء الشهيد إلى عرس الشهيد وأمه ترقص وسط الإسفلت بعد أن اقتلعت صفيحة أمام خيمة العزاء كُتب عليها مأتم واحضر إخوته (الزكار)،الجميع  يرقص فقد استشهد البارحة في سرت،ويوزعون(شوالات) من الشوكولاته، لقد شبعنا شوكولاته هذا اليوم وهذه الشوارع تجملت وامتلأت بوجوه ناضرة وفاحت بعطور الزهر الذي يرشه الجميع على الجميع وبدل العطارات الصغيره صارت قناني الخمس لترات وبراميل العشر لترات، لعمري هذا الاسفلت اغتسل بالطيب، والابل تنحر هنا وهناك وتوزع على الاهالي، ونحن موكب شارعنا /زنقتنا مقابل البريد و وراء الطعمية من ثلاث سيارات نجوب  الشوارع القريبة ونغني ونزغرد ونستمتع بطعم الشوكلاته ونلتقي كما لم نلتقي يوما وهذه الحشود كأنه الحشر غير أن لا مرضعة تذهل عمن أرضعت غير انه الفرح والمحبة غير إن السيارة التي أمامنا تقف تماما ويخرج السائق منها أيضا ليوقف حركة المرور والتي هي أصلا شبه واقفة ، وإذ به يركض في اتجاه شاب يأتيه هو الأخر راكضا بزي طبيب جراح ويتعانقان والممرضة من خلف الطبيب تبكي فرحا ومن في سيارة السائق يقفزون ويهللون ومن في سيارة ليلى يهتفون ويزغردون هو الشار ع أمام مستشفى طرابلس المركزي(مستشفى شارع الزاوية)  وبرغم زحام الزغاريد في السماء إلا أن الثوار لا يزالون يهللون باسلحتهم ويهتفون :وين الزغرودة وين /وين الزغرودة وين.. وفي الشارع امام عمارة الصحافة الكاتب رضا بن موسى المحه بين المئات وسط الطريق منكوش الشعر  يكاد يطير قميصه من على جلده فرحاً، يكاد يرمي بنعليه، يهتف ويصرخ ويهلل، فألوح له من سيارة ليلى وسط الجارات فيلوح لي، هل عرفني؟ أجزم انه عرف الفرح في وجوهنا والمزيد من الشوكولاته وماء الزهر، لحظة! هنا اريد التنبيه أن ما أصفه الآن هو عزاء القذافي اقصد العزاء الفرح أي فرح الليبيين، لا أدري هل من أحد يقدر على تركيب هذه الجملة/الفرحة؟ وفي شارعنا جارتنا ابلة نعيمة الام الروحية لكل الأجيال الأكبر والأصغر سنا ذات الزغرودة المميزة وأطرافها الاصطناعية وعكازها تبارك الفرح وتُعلي صوت شريط التسجيل من سيارتها(تعلى في العالي تعلى بونجمة وهلال)ليعلو علم الاستقلال الشريف كل النوافذ والأبواب والأسطح ، الراية التي روتها دماء عشرات الآلاف الشهداء.

ليبيا تفرح : يا قذافي موت موت الشعب الليبي كله خوت

وبموت شفشوفة تنتهي قصة ليلى والذئب ولن  تُحرق كتب ليلى  مرة ثانية.

كل انتصار وانت بخير ايها الليبي