الاثنين، 3 ديسمبر 2012

(أغنية تمجد القذافي عبر أثير قناة الشبابية)




أقود سيارتي في زحام (شارع السيدي) بطرابلس المختنق مرورياً والشمس حارقة بالرغم من بداية النهار الباردة التي أوهمتنا بيوم شتوي فإذا هي مجرد سويعات لا غير، واستمع الى قنوات محلية من مذياع السيارة.
عند الساعة 11:36 دقيقة صباحا بتاريخ 2/12/2012 انطلقت أغنية من قناة الشبابية تردد 88,8 ولمدة ثلاث دقائق كاملة, تقول كلماتها: "تحدى زيد تحدى احنا رجالك وقت الشدة يا قايدنا زيد تحدى..الخ ) بلحن شعبي أظنها (لسمير الكردي) الذي غنى (احنا عيلة وهذا بونا). ثم اعلان لقناة الشبابية ثم أغنية للمغنية اللبنانية أليسا تتكلم عن السلام والشوق.
حاولت الاتصال بزوجي أو بصديقتي الاعلامية عل أحدهما يمكنه الاتصال بالقناة مثلا أو ربما أردت مشاركة فجيعتي مع أحد غير أن هاتفهما كان مقفل.
بدأت الوساوس تغزو رأسي، وحالة من التخبط تعصف بي هل هي شفرة عملية تخريبية ما أما هي مجرد بذاءة من أحد العاملين بالقناة المؤيدين فمررها بين الفقرات، هل لها علاقة بمؤتمر الاعلام الحر الذي ينعقد هذه الأيام؟ هل هذه هي الحرية الاعلامية أم هي مجرد خطأ ولعل الأغنية موجودة قديما ولم يتم حذفها، هل كانت ستمر بسهولة وبساطة في عهد الاعلام القذافي دون أن ينسف مبنى الإذاعة في أحسن الاحوال؟
ظننت أنه قد يخرج علينا أحد العاملين بقناة الشبابية عبر الأثير باعتذار مثلا أوتوضيح، ليس من أجل الأغنية بل للإهانة والأذى من قناة كانت من صنع الطاغية وأولاده...
لك الله يا ليبيا

الخميس، 1 نوفمبر 2012

الشيخ(خالد الورفلي) ينفي إدعاءات (هادي تنتون)



"حرائر وشريفات بني وليد وبنات العائلات الثائرة وأهالي فبراير تعرضن للاغتصاب وانتشر الحمل السفاح بشكل شبه يومي كعقاب لهن ولأهلهن من مجرمي (بني وليد) في ذلك الوادي المظلم، وهن بلا سند ولا معيل من رجل يمنع أن يمس بالعرض أو الشرف"
هذا ما جاء في صفحة الاعلامي (الهادي تنتون) بموقع (الفيس بوك) الاجتماعي والذي يقول أن هذه المعلومات تحصل عليها بعد مكالمته الشيخ (خالد الورفلي) مكالمة دامت لأكثر من ساعة وانتشرت هذه القصة في صفحات الفيس بوك عبر مشاركة آخرين لها في صفحاتهم الخاصة وقولهم بما جاء على لسان (الهادي تنتون) الذي أدعى أنه نقلها عن الشيخ (خالد  الورفلي) وتبنيهم للقصة دون التحقق وأذكر هنا صفحة الأخ (محمود الفقيه).*1
حاولت الاتصال بالشيخ (خالد الورفلي) عن طريق مراسلته عبر صفحة (محبي الشيخ خالد الورفلي) وسؤاله عن صحة ما نسب إليه فتجاوب العاملين على الصفحة وجاء الرد من الشيخ الذي نشر على صفحة (محبي الشيخ خالد الورفلي)، بأن:
"سألنا فضيلة الشيخ خالد الورفلي - حفظه الله - على هذه التصريحات والاتصال مع المذكور HADI TANTOUN .
فأجاب الشيخ : بأنه لا يعرف المذكور فكيف يكون بينهما اتصال ... والله يصلح ويهدي الجميع ...".*2
أسئلة تجوب في خاطري:
من هو الشيخ (خالد الورفلي) الذي ادعي (هادي تنتون) انه اتصل به؟
ثوار بني وليد معروفين وعائلاتهم معروفة، فهل اتجه الى ثوار كتيبة(28 مايو) لسؤالهم عن بناتهم وأخواتهم المغتصبات وعن حرائر وشريفات بني وليد وحملهن السفاح اليومي على أيدي المجرمين في ذلك الوادي المظلم؟
هل اتجه الى القضاء والمحامية (عزة كامل المقهور) لا تنصح بذلك تقول أن المحاكم حالها حال ليبيا، حبالها طويلة والبلاد لا تزال في فوضى. وأن توثيق هكذا ادعاءات بكتابتها وتدوينها أفضل من تداولها في أروقة المحاكم.
(هادي تنتون)، أن ما كتبته على صفحتك الخاصة وما ورد فيه من طعن في الأعراض وهتك للأستار والاستخفاف بالرجال مسؤول عنه بإثباته إن كان  ما تدعيه حقاً أو يظل إثما تحمله الى يوم الدين، أنت ومن تشاركه معك وناصرك من أمثال (محمود الفقيه) دون بينة أو برهان .
أخيراً، مات (القذافي) وترك لنا ورثة يرثونه هم (قذافيين) صغار ينتظرون فرصة أن يكبروا.....هم العدو فاحذروهم
*1 رابط صفحة (محمود الفقيه) على الفي سبوك وفيها نص ما نشره (هادي تنتون)(http://www.facebook.com/alfagih10)
* 2 رابط صفحة (محبي الشيخ خالد الورفلي)

*3 رابط تدوينتي (ورفلية وثائرة وما اغتصبت)http://libyanpassport.blogspot.com/2012/10/blog-post_30.html

.

الثلاثاء، 30 أكتوبر 2012

(ورفلية وثائرة ولم أغتصب)


تشارك (محمود الفقي) موضوعا مع الاعلامي( الهادي تنتون)  موضوعا كان قد طرحه على صفحته الخاصة ففي موقع التواصل الاجتماعي (الفي سبوك) وملخص ماجاء فيه "أنه عبر مكالمة هاتفية أجراها الاعلامي (الهادي تنتون) وهو من مدينة مصراته مع الشيخ (خالد الورفلي) أن حرائر وشريفات بني وليد وبنات العائلات الثائرة وأهالي فبراير تعرضن للأغتصاب وانتشر الحمل السفاح بشكل شبه يومي كعقاب لهن ولأهلهن من مجرمي (بني وليد) في ذلك الوادي المظلم، وهن بلا سند ولا معيل من رجل يمنع أن يمس بالعرض أو الشرف"
وهذا رابط ما نشره الاعلامي الهادي تنتون على صفحته الخاصة منسوبا الى الشيخ خالد الورفلي والذي تشاركه ونشره كل من: محمود الفقي الذي تشاركه معه نعيمة محمد و(Raba Matus) وكريمة الفاسي
وهنا بصفتي ورفلية ثائرة ولم أغتصب ولم أسمع بإحداى الثائرات أغتصبت أطالب من الشيخ (خالد الورفلي) أن يوضح لنا ما صحة هذا الكلام المنسوب اليه وأن يقدم لنا دليله وبرهانه بشكل عاجل

الأربعاء، 17 أكتوبر 2012

أنا (الليبية، الورفلية، الأزلام)


قررت كسر حاجز الصمت بحديث أعرف تماما أن الكثير سيفهمه، وفيه إجابة لتساؤلات عديدة وردتني منذ أن انطلقت مدونتي جواز سفر في مارس سنة 2008، السؤال الليبي التقليدي: من أين أنا؟، أو( من وين انتي) أو (من وين بلادك)؟.
وحتى لا أكون متشدقة ومناطحة اسمحوا لي أن أبدأ من البداية ، أنا كريمة فرج الفاسي الورفلي، انتمي لقبائل (ورفلة) التي تقطن منطقة (بني وليد)، ولدت وترعرت وإخوتي في (طرابلس) ولم أعرف (بني وليد) إلا في المناسبات والأعياد وزيارة الاقارب والأحباب قبل أن تأخذني الحياة في زحامها. باكراً، أجلسنا جدي رحمه الله صفا أمامه ولقننا نسبنا الموصول حتى تاسع جد ونحن أطفال صغار، كان يصر علينا أن نحفظ النسب العريق (بن انبية بن ارفي بن دلة) الخ ويلتقطنا فرادا ليُسمع علينا شجرة العائلة ولا عفو لمن يخطأ من العقاب، جدي ثابر كثيرا وصبر على طيشنا الصبياني و لهفتنا للعب ليتأكد أننا ونحن (صغار مدينة) لن ننسى بلادنا (بني وليد) والوادي والسيل والزيتون والربيع وحكايات النجع*1 والرحيل وبراري الغزال والصيود(الأسود) والبيت أو الخيمة والغدرية أو البندقية و(السعي) أي الغنم لتكمل جدتي لنا ولي خاصة ما قد يُفوت جدي (رحمهما الله) ربما حياءاً أوخجلا وهي تروي حكايات المرهون*2 والطبيلة*3 والنخيخ*4 والصفيق*5 لأحفظ باكرا في بيتنا قصيدة (مرحب ترحيبة يا بو شارب فيه كتيبة بعد الغيبة جيت وجابنك الاقسام)*6 وأتلوها على مسامع الفصل في الصف الاول الابتدائي في حال ذهول من معلمتي (نجاة) كيف تمكنت من حفظ قصيدة طويلة ومعقدة ولا يفهمها كل الكبار وأنا في صفي الاول الابتدائي وكل المطلوب منا حفظه في مقررنا الدراسي هو نشيد صغير لقطة: قطتي صغيرة جميلة نظيفة؟.
(ناديت يا حمد هوه فات الدكاكين غادي... اللي يذوق خبز المدينة ما عاد يالف ابادي)*7، وللمصادفة (حمد) هذا عمي الذي باع (السعي) الغنم والابل، وحتى باع (بيت الربيع) وكل ما يملكون في البادية ورحل بهم الى طرابلس وعمر الدكاكين وأكل البدوي الخبز المديني الذي حرمه من العودة الى البادية فما استساغه حتى موته.
رحل جدي متأكداً أنه ترك ورائه جيل يحفظ النسب وبطون القبائل وحدود (وطاته) ومواضع زرعه وعدد أشجار زيتونه وقسمتها وثاراته وغزواته والقبائل الأنصار (خوت الجد)  والقبائل المعادية، جيل وإن لبس سراويل (الجينز) واستبدلت نسائه (الردي) التقليدي بلباس معاصر، يحفظن ويُحفظن ابنائهن تاريخ الوادي. تقول الرواية أن حين اشتد الخلاف بين (عبد النبي بلخير ) زعيم قبائل (ورفلة) وبين (رمضان السويحلي) زعيم مصراته في العام(1919/ 1920) ميلادي قرر الأخير الخروج لغزو (بني وليد) في أول أيام عيد الأضحى وأتبعه بعض أنصاره من المناطق والقبائل المجاورة وقد اعترضت والدته طريقه قائلة : كيف تغزو المسلمين في يوم العيد هذا! فنهرها ودعت عليه: (برا جعنك كبش العيد)*8. وقُتل (رمضان السويحلي) في غزوته هذه، وهناك عشرات الروايات لمقتله تختلف من راوي لآخر لكن الأكيد أن (ورفلة) قتلت (رمضان السويحلي) على أراضيها.
هكذا خرجت الى الدنيا: (ورفلية) بنت (ورفلي) احفظ تاريخ الوادي وأروي حكاياته وأساطيره وأردد قصائده، تفصلني عنه ما يقارب 180كم والكثير من سنوات الانقطاع التي لم أزر فيها البلدة (الوليدية)، خرجت الى الدنيا وعلى كتفي ثأر تطلبه (مصراته) لقائدها المقتول وكراهية بالوراثه وتفاخر بالأنساب، غير أن للحياة تصاريف كثيرة، خبرات تضيفها وأفكارها تتبناها وأخرى تحذفها تفوق في براعتها كل ما قد يتقنه الوالدين من فنون التلقين والقولبة، لأغربل أفكاري يوماً بعد يوم وأنقحها وأتعلم أن لا ثمن يجب أن أدفعه أنا وأقراني من أبناء العمومة ضريبة ثأر لقصة حدثت قبل ما يقارب المائة عام وأن لا سبب لي حتى أكره أو أتحامل أو أشعر بأصغر ضغينة تجاه (مصراته) ولا يقف الأمر عندي وحسب أو عندنا نحن (الورفلة) بل حضرت ذات يوم مشادة وجدال تحولت الى عراك حقيقي في إحدى المستوصفات الطبية بين جدتي وسيدة مسنة بسبب مقتل (السويحلي) على أيدي (ورفلة).
لقد أدركت تماما أن هذه ترهات ومهاترات لا يمكن أن يقبلها ذو عقل ولا فائدة من وراء الأحقاد المريضة بدون سبب، فاتخذت استراتيجية لنفسي وضعت أساسياتها بعدما التقيت سيدة (ورفلية) تسكن مدينة (مصراته) ويعمل زوجها في جامعتها كعضو هيئة تدريس وقد من الله عليهم بشراء بيت من ثلاث طوابق في زمن كانت فيه أسعار العقارات معقولة حسبما تقول، بيتها هذا يحمل كل المواصفات الرائعة التي قد يحلم بها ليبي في بيته، وهنا تدخلت أنا فأسقطت صفات البيت (المصراتي) على المعيشة في (مصراته) وعممت محاسنه على الجيران والأصحاب فجعلتهم هم الرائعين اللذين لا يقدرون بثمن واعتمدت الرواية عندي، ارويها كلما تعرفت على (مصراتية)، فبمجرد أن نتعارف أستبقها بالحديث: أووه مصراته أعز الناس لدي قريبة تسكن في منطقة...... تقول عن جيرانها وأحبابها (المصاريت هلي أكثر من هلي)؟؟!!، ولا تتخيلون كم رأيت من ووجوه تتغير واستنكار وتعجب، وكم تنذرنا وضحكنا أنا وصديقتي وجارتي (د.ثريا المصراتية) وابنتها (د.سندس) عن حال العباد من الطرفين، عن عقول أشبعها الحقد فعمت بصيرتها.
ولن تنتهي قصتي عند حد الثأر (المصراتي) فقد ولدت وعشت كل حياتي في (طرابلس)، أمضيت أغلب طفولتي وشبابي في منطقة (سوق الجمعة) وفيها صديقاتي ودراستي ومعلماتي، طبعاً سأتكلم هنا عن الشاعرة (حواء القمودي) معلمتي في الصف الاول ثانوي التي أخذت بيدي في دروب المعرفة والثقافة وأعارتني الكتب وأهتمت بخربشاتي ووصفتها بأنها كتابات في تلك السن الصغيرة مما عنى لي الكثير جداً.
(سوق الجمعة) مسقط رأس إخوتي ومرتع طفولتي وشبابي وأصهارنا وأنسبائنا. ولأن أبي كثير التنقل والترحال فقد عشت بعض عمري في مدينة طبرق شرق ليبيا وأنتقلنا للعيش مؤخراً في مدينة تاجوراء إحدى ضواحي طرابلس ثم تزوجت من رجل خارج القبيلة، الكاتب والشاعر (رامز رمضان النويصري)، يسمي نفسه (طرابلسي)، ولد وعاش كل عمره في طرابلس وأصوله من مدينة (القره بوللي).

هكذا صهرتني الأيام في بوتقة اسمها (ليبيا) فأصبحت هذا الكل معتقداً وإيماناً، وصرت أرد على كل من يسألني: (إنتي من وين؟)، أجيبه، أنا من ليبيا، يقول نعم (من وين من ليبيا)، أقول من ليبيا وكفى، وهذا حالي حتى قامت ثورة فبراير المجيدة ثم انتصرت ثم أعلن التحرير الذي يفترض بإعلانه بدء مرحلة الدولة ..وهذه حكاية أخرى لليبيا، أصبح هناك تقسيمة مناطقيه وجهوية جديدة، مدن ثارت وثائرة ومدن موالية وقبائل أحرار وثوار وأشراف وقبائل أزلام وعبيد، بعد فبراير هناك نخبة نخبوية يجوز لها ما لا يجوز لسواها، الاستيلاء على المقرات والبيوت والمزارع والأملاك، غنائم وتمشيط وأرباح وغيرهم يطردون من بيوتهم عن بكرة أبيهم يكبر أولادهم في الملاجئ، تحالفات جديدة وعداوات وثارات جديدة وسؤال ليبي تقليدي: (من وين أنت)؟، وإجابة عامة مثل أنا من ليبيا فقدت صلاحيتها ومصداقيتها وصارت أكثر منها مشروع إتهام، فالتركيز على الالقاب والانساب شيئ مثير للدهشة والاشمئزاز، صار استشفاف بلدتك من وراء اسمك مهارة يتقنها الجميع وليس من باب التعارف بل من قبيل توزيع الشرف والأوسمة والوطنية أو سحبها ووصفك بأنك (أزلام)، فوجدت نفسي (أزلام) بين يوم وليلة لإنتمائي لمدينة (بني وليد)، تعرض منزل والدي الذي يقيم في (تاجوراء) للمداهمة عدة مرات من إحدى كتائب (تاجوراء)، ضربوا أمي التي كانت تحاول منعهم من دخول البيت الذي لا يوجد به الا النساء والأطفال ولعل أمي هذه المرأة البسيطة تكون (ثوار) أكثر منهم فقد هربت بعض سلاح إلى طرابلس أيام حصارها وحين دقت ساعة التحرير في رمضان أخرجت مئونة عائلاتها وأشعلت النيران في الحطب لعدم وجود غاز الطبخ وانقطاعه في تلك الأيام وأخذت على عاتقها إفطار وسحور الثوار في البوابات، أمي حين سألت من تكونون أجابها أحدهم بأنهم (قحوص الثورة)، ضربوا أخي ذو السادسة عشر عاماً على وجهه ورشوه برذاذ الفلفل أو هكذا يسمونه (بخاخ الفلفل) وهو ومصاب بالربو والتهمة أننا (ورفلة)، داهمت أحدى كتائب (سوق الجمعة) بيت أخي في (سوق الجمعة) واعتقلوه، أخي من ثوار فبراير والمقاتلين في إحدى كتائب (مصراته)، أعتقل وسجن في اسطبل للحيوانات وقاموا بتمشيط البيت الذي كان يجهزه للزواج وحملوا كل ما قدروا على حمله من أجهزة وحاجيات وضبطوا السلاح الذي كان بحوزته وصادروه والتهمة (ورفلي عنده سلاح)؟ على الرغم أنه كان في كتيبة وعلى الرغم أن بعض هذا السلاح دفع والدي ثمنه واشتراه من ماله الخاص قبل انتفاضة طرابلس، ثم أعقبهم اللصوص الى البيت وسرقوا كل ما فيه من أثاث وكراسي وحتى أواني الطبخ والشراشف والوسادات. كم مرة تعرضت للمضايقة لأن لوحة سيارتي رقم بني وليد فقد اشتراها زوجي  لي من هناك، حرمت من حضور حفل حناء صديقتي الشاعرة (حواء القمودي) الذي أقامته في بيتها بسوق الجمعة بسبب لوحة السيارة، التي لم ولن أغيرها إلا حين يغيرون كل لوحات السيارات في ليبيا الى (ليبيا)، اصبحت (أزلام) ، التقيت بسيدة في الخمسين من العمر في صالون تجميل نسائي، كانت توزع الوطنية والكرامة لقرابة الساعتين، فهي الثائرة بنت الثائر أخت البطل وابن عمة امها شنق في السابع من ابريل أما ابن خالة أبيها فأعدم في مجزرة (أبي سليم) الشهيرة، هم يكونون الثورة أما الوزراء اللصوص سرقوا أموالهم، وحين سألتها سيدة بجوارها السؤال الليبي التقليدي (من وين إنتي) قالت أنها من عائلة أبو شاقور رئيس الوزراء وأخوالها عائلة ألـ(........) ؟؟الساكنين في شارع.(....) وبالصدفة يكون هذا الشارع هو مقر سكناي وأهلها جيراني وأنا لا أعرفها لأنها البنت الكبرى التي تزوجت باكراً وغادرت الحي حين كنت صغيرة؟ أخذتني الدهشة من امرأة وزعت علينا الوطنية كما تشاء وهي من عائلة مؤيدة لنظام الطاغية ومن أنصاره وأقول عنها كعائلة وليس كمنطقة، كان أخيها متطوع وجاسوس على ثوار المنطقة ومُتهم باختلاس أموال من إحدى الشركات العامة ويشاع أنه من أحضر كتيبة أمنية اعتقلت عائلة من المنطقة الشرقية تسكن الشارع في بداية الثورة. لم أتمالك نفسي فبالرغم أنني سمعت بالمتسلقين غير أنني وللمرة الاولى أراهم عن قرب وبأم عيني، وبمجرد أن واجهتها بالحقائق التي أعرفها حتى ثارت في وجهي ووصفتني بالـ(الورفلية الأزلام).
اليوم هناك عملية عسكرية تتبناها الدولة لمحاصرة المدينة بغرض القبض على مطلوبين يظن أنهم في حمايتها وتتراوح أهمية المطلوبين من بعض الشخصيات العامة الى شخصيات بالغة الأهمية مثل (خميس القذافي) التي تتضارب الأخبار بين مقتله وبين هروبه الى الجزائر أو اختبائه داخل المدينة.
ولوجودي ضمن الفريق التدويني لقناة فرنسا 24 سئلنا عن من يمكنه تغطية خبر اختطاف الصحفيين (.....،......) في بني وليد، وتحمست في بداية الأمر لأنني من المدينة وسيسهل علي الحصول على المعلومات غير أنه في وقت لاحق وجدتني وجها لوجه مع السؤال الليبي: (من أين أنت؟) الذي ظللت لسنوات طويلة أراوغه وأماطله محاولة التملص من عصبية أرفضها وأخاف أن أقع في فخها، ترددت كثيراً بعد فورة الحماس الأولى، سألت نفسي، هل سأكون محايدة وموضوعية؟ أمر أربكني مع وصول عدة إيميلات من مشرف موقعنا التدويني تحمل سؤالاً واحداً(Karima, Did you contact Bani Walid?). وأنا أعجز عن الاجابة، غير أن الحال اليوم أختلف فالسكوت لا يترجم على أنه حياد أو مصداقية وقد يكون خيانة أيضاً، ليس اتجاه مدينة أو قبيلة بل اتجاه ليبيا كلها، حين تعلم أن أهالي المدينة يعانون وطأة الحصار ومحلات المواد الغذائية خاوية تماما إن وجدت(كيلو البصل بعشر دنانير)، ونقص حاد في الأدوية وحليب الأطفال وحفاظاتهم، نقص حاد في الوقود وغاز الطبخ، قذائف تسقط هنا وهناك داخل المدينة، والعائلات لم تترك المدينة، البعض يقول أنهم تحت الإقامة الجبرية بسبب تهديد العصابات المسلحة، أما أمي التي عادت من هناك وهي مصدر موثوق بالنسبة لي بشكل شخصي لا أدع أحد أن يأخذ به، تقول: أن العائلات ترفض الخروج، الى أين سيذهبون ولمن يتركون بيوتهم، للتمشيط والسرقة أم لحرقها؟ لا يريدون ترك بيوتهم فلن يكونوا تاورغاء أخرى، أخبار مقلقة  كهذه ونذر حرب متهمة بأنها قد تكون أهلية تحت شرعية الدولة، دولة لا زال هناك الكثير أمامها لتفعله لتحظى برضا المواطن أو على الأقل لتدفع عنها تهمة  الضعف والارتباك وحتى ذلك الحين، ليحفظ الله ليبيا.
*1 النجع: هو مكان تجمع البدويين ونصب خيامهم
*2 المرهون: مصطلح في الشعر الشعبي الليبي لوصف المحبوب
*3 الطبيلة: لون من الفن الليبي وفيه يلقي الشاعر قصيدته مع إيقاع يصاحبها بالطرق على طبلة أمامه وآخرون يرددون معه
*4النخيخ: هو فن استعراضي يخص النساء له ضوابطه وأحكامه
*5الصفيق: فن ليبي يميز بعض مناطق ليبيا له طقوسه الخاصة
*6 قصيدة شعبية
*7 قصيدة شعبية
*8 رواية جدي رحمه الله لمقتل القائد (رمضان السويحلي)

* ما ورد في هذه التدوينة أراء وأحداث شخصية تعبر عني فقط.

السبت، 18 أغسطس 2012

عندما أصبحت (حاجة)



أعتمد في ثيابي طريقة اللباس العصري من القمصان والتنانير والبنطلونات وأحرص أن يكون محتشم، غير مبالغ فيه ولست متطرفة على أية حال، ولست أيضا من عشاق العباءة السوداء(الخليجية)، ولا تغريني موديلاتها وصرعاتها وتطريزها، بساطتها أو تعقيدها، لكن مع كثرة مشاغلي و واجباتي البيتية وتسارع نمط حياتي وعمل زوجي الذي يستدعي سفره الدائم و وجوده خارج المدينة أو خارج البلاد مما أضاف مسؤوليات أخرى فوق مسؤولياتي، بدأت اتجه لها، أي (العباءة السوداء او /العباية)، فهي الاسهل والأسرع لبساً فلا يستغرق ارتدائها العشر ثواني ولا يقلقني الشكل الذي سأظهر به فهي زي موحد لا يختلف من نحيف الى سمين أو من قصير الى طويل، واهم مزاياها على الاطلاق هي السرعة القصوى التي تمنحها العباءة في معدل الخروج من البيت، وطواعيتها لكل الاعمال ومناسباتها لكل المهام فلا يضيرني الدخول بها الى (سوق الخضرا) وأنا اجرها على التراب، او انغماسها في برك المياه المتجمعة في (سوق الحوت) أو تلطخها بدهن او دم اللحم او زفر الدجاج عند (الجزار)، وقد تغرق السيارة في طريق ترابي فأضطر للخروج منها والبحث عن يد عون تساعدني وأجد نفسي أعوم في بحر الرمال او على رمال الشاطئ وحتى قضاء المناسبات الاجتماعية الطارئة بها، فهي سوداء لن تسبب أي احراج بسبب بقعة ما على طرفها وللونها هذا ايضا ميزة فهي ما أن تلامس الماء والصابون حتى تنسلخ عنها الاوساخ وتجف بمجرد وضعها في مكان مشمس وهذا من خواص قماشها.
اشتريت عباءة، تطلب واقع الحال ذلك، عندما ارتديتها قال زوجي: انت تشبيهن فلة (دمية البنات المحجبة والشخصية الكرتونية)، واعجبني أن اشبه فلة خاصة ان فلة هذه هي طفلة و أم وسيدة بيت ترتدي الحجاب وهي لا تخفي عيوب الوزن الزائد والسمنة بدريعة الحجاب والجلباب، بل رشيقة وممشوقة القوام.
وفي زحمة التجهيزات للعيد، كنا نخرج للتبضع وطبعا ارتدي العباءة السوداء، حين قال لي صبية صغار يبيعون لعب الأطفال على طاولة بجانب الرصيف،: (تفضلي يا حاجة)، وهمز زوجي بكل مكر( قالك يا حاجة، بيش تعرفي روحك كبرتي وعززتي)، وما التقط ذلك الصبي كلمات زوجي حتى قفز بيننا مقاطعاً: (ما تزعلش ياحاج تفضل حتى انت)، وأنا انظر اليه بعيون ملئها الشماته وأردد: تفضل تفضل يا حويج!.
قد اعتبرت هذا حدثا عابرا ومن باب المصادفة، حتى تكرر في محل آخر لبيع الملابس والأحذية التقليدية (الزي العربي) وكنت أناقش البائع في المقاس والأسعار وهو شاب في مقتبل العمر يردد في اجاباته على اسئلتي بـــ(ياحاجة يا حاجة)، لم اتمالك نفسي من الضحك، ومن السعادة ومن السرور والبهجة فلقد اصبحت (حاجة)،  ولم أرد عليه بالرد الليبي الشهير( ان شاء الله نحجوا)؟، ولا أجد أي عذر حقيقي وراء اولئك اللذين يستشيطون غضبا إن ناداهم احد ما بـ(يا حاج) غير فزعهم من أنها تذكرة لعالم الشيخوخة، أذكر تماما قريبنا الذي لم يحج، جاء في زيارة لجدتي رحمها الله وكان غاضبا من بنت الجيران وهي طفلة تحييه حين ذهابها للمدرسة ب(يا حاج) فوبخها ونهرها فبدلت صفة حاج بصفة (يا عمي) التي اغضبته اكثر من الاولى ورأى فيها اهانة له، فما كان من جدتي الا ان وضعت عكازها في رأسه وقالت له:
(وشن تبيها تقولك يا سيدي؟. حلك والدها مرتين والا ثلاث....). هكذا كانت ردود جدتي صريحة وبدون مهادنة، وحين سألتها بعد مغادرته، ما الذي يزعجه في هذا قالت باختصار: (شايب خايب). وحتى لا أشيب وأخيب لم أجد في نفسي مضاضة من أن أُصف (بالحاجة)، واذكر فرحة أبي الغامرة ومعانقته لاابن جيراننا بقوة حين ناداه (ياحاج) بعد عودته من الحج وهو في الثالثة والثلاثين من عمره.
سأحج ان شاء الله، وحتى ذاك الوقت يسعدني ان تنادونني (يا حاجة) تيمنا بها
لكم الود
الحاجة كريمة الفاسي

الأربعاء، 4 يوليو 2012

ثلاثتهن


كما عادة الصباحات (الجوردية)* في هذه المدينة الغائمة الغريبة، بلكنة سكانها المحلية المخنوقة لالتهام مخارج الحروف في حناجرهم الى سحنتهم الشقراء (المتفطسة) وملامحها الخشنة الى الوشم الذي يشبه ختم العلامة المسجلة على اجسادهم، المختوم (جوردي) ومن ليس مختوم ليس (جورديا) أو هكذا تقريبا هذه نيوكاسل.
الصباح (الجوردي) هو صباح مشمس ربيعي ماطر وملئ بالغيوم مع هبوب الريح  وهكذا فقط يكون رائعا.وفي بيت صديقتنا المغربية الانيق اجتمعنا ثلاثتنا لشرب فنجان القهوة العربي الصباحي بنكهة (الهيل) ودغدغة الحنين. لقاء عربي حميم بدأ بسيرة (الحريرة) الشوربة المغربية الشهيرة وأسماء الخضروات فهي (المالطيشة) بالمغربي أي (الطماط) بالللهجة العراقية او باللبناني (بندورة) والليبي طماطم اخضر لأننا نستعمل نوعا آخر من الطماطم هو طماطم الحكة او الحك وابحثوا عنها في القاموس فهي عربية فصيحة.
مع فنجان القهوة الفائح الساخن تتلمس حورية المتزوجة من رجل فاضل عراقي مقيم في بريطانيا ذكريات زيارتها الاخيرة لوطنها الام المغرب، تقول: اصر علي ابن اخي الشاب اليافع انه يحجز بنيتي الصغيرة لخطبتها حين تكبر وبكل الغيرة يوصيني (لا تدع عيون الانجليز تقع عليها)، فرردته متحججة أنه لماذا  اقبل بك وقد طلبها ابن عمها وهو مقيم في بريطانيا فتبقى ابنتي بجواري، على عكسك  فستصحبها لتعيش معك في المغرب وتبعدها عني، زممت شفتي بصرامة وانا اقول له(لالالا ما نعطيش بنتي لغريب)، فقفزت امي نحوي وقد كانت تستمع لحديثنا وما رأيتها وهي امراة مسنة معتزة بقفطانها المغربي صارخة في وجهي غاضبة (حورية ما تعطيش بنتك لغريب  وهو ولد خالها، إش حال انا عطيتك لغريب يا حورية، غربك وتغربتي، ماحستيش بيا وقتها اياك)
اغرورقت عيني حورية بالدموع وقد فهمت لأول مرة بعد اكثر من عشر سنوات زواج وغربة  ما تعنيه امها، (انام واستيقظ وصورتها تقفز في وجهي تلومني وتستنكر بعبارة ترن في أذني:أش حال اعطيتك لغريب ياحورية)، كنت ومنذ شبابي المبكر اتمنى ان ارتبط بشاب عربي من غير بلادي المغرب والتقيت بزوجي وكان فارا من العراق مطاردا من حزب البعث ومحكوما بالإعدام أيام صدام حسين، اقترن بي في المغرب لكننا بعدها طفنا بلاد كثيرة حتى استقر بنا الحال في بريطانيا.
 والحال ذاته استقر ايضا بنوال القادمة من (الضيعة بلبنان)، ارملة شيخ الشباب رحمه الله..(انا الاخرى منذ شبابي المبكر اقتنعت  تماما ان ارتبط برجل يكبرني بالكثير من الأعوام المرأة تنضج مبكرا وتسكن الى الحياة الاسرية والبيت والأطفال اما الشاب (يظل حاط جيلي على شعره ولاحقلي هيفاء وهبي)، و زوجي رحمه الله رجلا محترما وقورا، كان ققد تزوج من سيدة اسكتلندية مسلمة فاضلة (يمكن انا يفوتني فرض الصلاة وهي ما يفوتها) وأنجب منها خمسة من الابناء ثم انفصلا، اعترض اهلي كثيرا على الزواج منه بحجة فارق السن لكنني رأيت فيه بعين المحب ما لم يقدروا علي رؤيته، مدافعة عن قناعتي أن الاعمار بيد الله (ويا خيتو يلي بتتزوج شب بتضمن عمره؟!)، انجبت منه طفلتي الوحيدة وحين كنت حامل بها اصيب بالجلطة، ظل يستسمحني حتى اخر أيامه شاعراً بذنب لم يقترفه حاملاً هَم أرملة شابة وطفلة صغيرة يتركهما ورائه وأنا آملة أن(بعيد الشر عنك يا حجي(أي ياحاج) يومي قبل يومك بكرة بتصح وترجع معافي)وما هي الا اشهر حتى انتقل الى رحمة الله (وراح الرِجال يا خيتو...بس اولاده الشباب ما تركوني انا وبنتي وما خلوا ينقصنا شي، عين الله عليهم مثل ابوهم) واستقر بنا الحال في بريطانيا.
وبريطانيا هذه ما كانت بالحسبان، الحياة مليئة بالمفاجآت، كنت أقصى ما أتمناه في رجل ارتبط به ان يكون قارئ، يعرف الطريق الى الكتب ويخبره و(مفلس) هكذا صفتين مرتبطتين ببعضهما لا أدري لماذا وأسوء ما كنت اخشاه ان اتورط مع شخص جاهل وهذا لا يعني الدرجات العلمية بالضرورة، فأول ما يلفت انتباهي حتى يومي هذا مع من أقابل رجل كان او امرأة هو ثقافته، ويظل ايماني عميق  بــ(نتف اننا سنتفق) مع من هم مستنيري العقول وأهرول بعيدا عن الاغبياء المناطحون بشهاداتهم الجامعية الجهلة المتعالمين المتمنطقين، واحمد الله فزوجي متحصل على درجة علمية جامعية ومثقف وقارئ ومستنير شاعر وناقد (غير أنه مفلس اكثر مما تخيلت)، نتحايل على عسر اوضاعنا المادية حيناً بالاشتراك في (الجمعيات) وهي جمع من الناس يدفعون لبعضهم مبلغ من المال متفق عليه يأخذه من يأتي عليه الدور بالقرعة ، فكرة تشبه القرض غير انها حلال وبدون فوائد وأحيان اخرى بسياسات تقشفية ولا نلحق ابدا بركب الاسعار ذو السرعة الصاروخية وما نزال نعافر الحياة الفاحشة الغلاء في بلاد فيها:
أحلامنا
كأطفالِ القطط
يقتلها الجوع والبرد
وتدهسها عجلات السيّارات**.

ما أروع مذاق قهوتكن الساخن أيتها الغريبات.
نيوكاسل
ابريل 2009
______________________________
*كلمة(جوردي) تطلق على السكان المحليين لمدينة نيوكاسل.
**قصيدة (مغامرة) للشاعر رامز رمضان النويصري

الاثنين، 4 يونيو 2012

يا زهرة الياسمين


خرجنا ثلاثتنا متجهين نحو سفارة البلد المعني لاستخراج (فيزا) الذهاب إليها، كان زوجي قد تكبد عناء رحلة طويلة بدأت عند السابعة صباحاً من موقعه الصحراوي حيث يعمل الى طرابلس، ووجدني في انتظاره مع طفلنا في صالة المطار، حين انطلقنا كان كلامه كله حول عمله وقلة التنظيم الاداري الذي يؤخرهم يوما وراء يوم، وقد يقطع حديثه بملاحظة عن سيارة مسرعة اجتازتنا ملقية خلف ظهرها، بل تحت عجلاتها الأربع كل آداب وأخلاقيات وقواعد المرور، لا علاقة لها بالإشارة الضوئية ومفاهيمها، أما أنا فقد كنت خارج كل هذا، أتساءل في خاطري عن آخر مرة أحضر لي فيها زهوراً؟ أعني زوجي الذي بجانبي المزمجر: لما لا يخطر عليه شيئا صغيرا وجميلا كهذا؟، وأنا لما أنتظره لما لا أحضرها له بالنيابة عنه؟ أو أحضرها له من أجله، فمن بنفسه جمالاً يرى  كل  الوجود جميلا(1)، وأنا أمة الله أرى جمال الوجود.
عندما وصلنا السفارة المعنية، لاحظت مباشرة أن هناك كشك زهور في الجانب المقابل، قال لي: انتظري في السيارة سأتقصى الاوضاع أولاً. لكنه تأخر فاغتنمت الفرصة وذهبت الى الكشك لأجد صاحبه يقلم بعض الاغصان ويتثاءب

قلت له: أريد باقة ورد، كم الأسعار عندك؟.

سرعان ما بدى لي أن الرجل استثمر وقوع كشكه الصغير في شارع خلفي فخم، يكاد ينعدم فيه المارة، إلا من ذوي السحنة الشقراء وسيارات الهيئة السياسية الفارهة.
قلت له: لا أظن أسعارك تناسبني إنها أضخم من ميزانيتي لذا سأشتري وردة واحدة فكم سعرها.
التقط زهرة صغيرة وردية اللون وقال هذه بدينار وخذيها مجاناً.
اعترضت مباشرة، أني لا أقبل الهدايا من البائعين ورحت أبحث في حقيبتي وجيوبي عن دينار فلم أجد، وما كان لدي سوى ورقة مالية ذات فئة العشرون دينار.
قال لي: خذيها وفقط، لما تعقدين الأمور!. حملت الوردة وعدت مسرعة الى السيارة فقد تذكرت أن هناك دنانير في الدرج وأحضرت له ديناران، الآخر مقابل زهرة حمراء متفتحة أعجبتني منذ البداية.

كنت جالسة أنتظر حين حملت نسائم الظهيرة أريجاً عبقاً دخل من نافذة المركبة المعدنية، نبهني أن هناك شجرة ياسمين مزهرة تظللني مختفية خلف شجرة الطريق التي لا أعرف نوعها، رحت أجمع بعض الاغصان الصغيرة منها وأضيفهن حول الزهرتين فرحة بباقتي، تكبر وتملأ يدي، كنت أبحث في سيارتي عن خيط أجمع به الورود معاً ولم أجد حين انتبهت أن شريطاً عريضاً من قماش (التول الأبيض) الذي يستعمل لتزيين السيارات في الافراح  قد علق برجلي، اللهم بارك، صرت أحمل مابين يدي باقة الزهور التي تمنيتها قبل حين.

عاد زوجي من السفارة بعد غياب لأكثر من ساعة ونصف وهو غاضب من الاستهانة بوقت العباد والتلكؤ، حتى إنهم لم يردوا على أي جرس رن عليهم بسؤال او استفسار.
قلت له: هون عليك وهذه باقة الزهور أهديها لك. فقال :أممم رائحتها جميلة
قلت: طيب التقطها وشمها.

قال: لا داعي أشمها من مكانها. واسترسل في الحديث عن موظفي  السفارة وما لاحظه الناس على موظفيها من عنصرية، غير أني كنت أقول لنفسي كيف أغير حديثه هذا وبأي طريقة شهرزادية أسرد له لملمتي للغصون الخضراء والبراعم الفواحة ونحن في عز الظهر؟ فجأة علت من مذياع السيارة الحان وكلمات تقول: فكرتيا يا زهرة الياسمين فكرتينا يا زهرة الياسمين.

هنا رحت أُكبر وأهلل هاتفةً: ومن نفسه بها جمال.. يرى كل الوجود  جميلا. وبسلاسة وهدوء دخلت أجواءاً ياسمينية ظهيرتنا حملتنا الى مقهى نحب ان نتردد عليه ونشرب فيه (الكابتشينو).

مساءاً اتصلت بي قريبتي لتخبرني أن والدها مختفٍ منذ أكثر من ثلاثة أيام وأنهم يظنون أنه مختطف من أجل المال، قبل أيام خبر اختطاف الطبيب هشام بن خيال وتعذيبه، واختفاء شاب من كلية الطب البشري جامعة طرابلس، يُعتقد انه مختطف، واختطاف شاب آخر والعثور على جثته وصوره تملء الفيس بوك، واختطاف شابين من غدامس وتعذيبهما وموت أحدهما والآخر يرقد في العناية المركزة بين الحياة والموت.

ليلة الخميس حين جاءتني رسالة أن (صفاء) وهي طبيبة ومطلقة في الـ27 وحامل ومطاردة من طليقها الذي أحال حياتها إلى جهنم، قد انتحرت. ومن قبلها ابن عم صديقتي انتحر، وصديقتي ذاتها حاولت الانتحار وكانت مؤيدة للقذافي بشكل سلمي فطردت من عملها وهددها أحدهم بالاغتصاب، وآخر كان زميلها أخذ على عاتقه أن ينشر صورها في الانترنت والجرائد، بالرغم من اعتذارها، وبالرغم من أنها لا تقدم ولا تؤخر، وأنها فقيرة وما كانت صاحبة مال أو سلطة غير أن واقع الحال يقول عن أولئك (عليش قادر ياجحا/ قال ع الحمير القصير). وبالرغم من أنه بإمكاننا أن لا نقف عند صغائر الأمور في الوقت الذي تنادينا ليبيا للتصالح وسيكون جميلاً لو جلسنا تحت عريشة الياسمين وشربنا معاً فنجان قهوة صباحي ساخن، كما دعت له الكاتبة حنان شنيب* بكل المحبة وسؤال ليبيا عن حالها وأقول:  يا ليبيا هل  ستصبحين كولومبيا.
____________________
(1)          بيت من قصيدة فلسفة الحياة لإيليا ابو ماضي  على طريقتي
(2)          الكاتبة حنان شنيب كتبت في صفحتها على الفيس بوك كلاما جميلا فيه دعوة الى ليبيا لشرب القهوة

الأربعاء، 30 مايو 2012

بلاد الزهر والحنة..وليلى.. (يوم انتصرت فبراير وقتل الشعب جلاده)


(1)


"ليلى" حكاية بلادي، الشرق كله مرتع الأساطير وهلوسة الشعر والخيال وطفلة العب في (شارعنا القديم) الذي كلما أغادره أعود إليه، زنقة في طريق السور مقابل البريد وراء الطعمية، عنواني البسيط الممتد عبر فصول حياتي، وليلى حسب الأسطورة لابد أن تكون جميلة وهادئة وللمفارقة هي جارتنا!! وكلما قرأت قصة ليلى والذئب..أو مرت بي في مسلسل أو تمثلية لا تكون ملامح ليلاي إلا لـــ(ليلى بنت جيرانا)، ملامح ناعمة رقيقة ودودة وتضع قرطين أحمرين وتقفز في لعبة (اليستيك، في راس الشارع) بالقفطان ذو الحزام، لم أزال طفلة عندما كبرت ليلى وتوقفت عن لعب(اليستيك والنقيزة في راس الشارع) لا تغادر البيت وتتكلم عن أمور غريبة فهي ستخبأ كتب اللغة الانجليزية ولن تسلمها للمدرسة، تقول أنهم سيحرقونها (لن أسلم كتبي)؟.



(2)


 (الزْهَر) لا (الزَهْر) هو وريدات أشجار البرتقال والليمون قبل ان تتفتح بتلاتها(orange blossom) وفي هذه المرحلة يصنع منها(خناقات الزهر) أي عقود الزهر وماء الزهر(orange blossom water) ويوضع في قوارير فضية ليرش به على المحتفلين في المناسبات السعيدة هو علامة مسجلة لبلادي بامتياز وكل شمال أفريقيا إذ المعروف في المشرق العربي هو ماء الورد وليس الزهر، وزهر ليبيا  الأروع.هذه مفرداتنا للفرح:الزهر والحناء والزغاريد، نتفق عليها نحن الليبيون باختلافنا وأخوات ثلاث عقدن العزم انه إن تحررت ليبيا من الطاغية الدموي سيخضبن أيديهن وأرجلهن بالحناء، اتفاق انضمت له كل من سمعت به من القريبات والجارات والصديقات، فالحناء هوس المرأة الليبية وصديقتها الحنونة بها تدشن مواسم الفرح. وما انفكت إذاعة القذافي تروج في عهد سابق لأغنية (يد تقاتل يد تحني بسلاحه يهني يا بو كف رقيق محني بسلاحه يغني)، أليست هذه علامة من علامات 17 فبراير المجيدة التي أتت مبكرا ولم يفهمها العقيد، السلاح والحناء وإلا كان قد قطع كل الأكف والأيدي وجرم الحناء وساواها بالحشيش والمخدرات وان كان يسمح بالأخيرين . أما هذا الخميس الخريفي بدأ صباحه عاديا بالنسبة لي غير أن زوجي رأى شمسه تختلف ورأى أحمد الأبكم الأخرس ابن جيراننا في فجره خلاص الليبيين عندما أيقظ خالته قبيل أذان الفجر يشرح لها بحركات يديه انه:ربتتين على الكتف تعني العقيد القذافي، وجرة يد على العنق فيما تشبه حركة السكين في الذبح تعني انه سيقتل، وايمائة الإصبع السبابة إلى الأسفل تعني انه اليوم: اليوم سيقتل العقيد، نبوءة (احمد البكوش) أو (الفقير احمد) فجر الخميس 20/10/2011.


(3)


في الجامعة تلقيت اتصال هاتفي من زوجي(شدوا شفشوفة)، كنت متجه إلى كشك التصوير فوجدت صاحبه يقفز(شدوا القذافي) هو شاب ملتحي مقصر ايزاره ورزين ، نسخ لي الورقة مجانا وطار مغادراً، تعجلت بالعودة إلى البيت، فإن صحت الرواية ستزدحم كل الطرق وستمطر السماء رصاصا وذخيرة وان لم تصح سيحدث ذات الشئ أيضا، هذا كل ما فكرت فيه وما همني، فخيبتين اثنتين بإشاعة القبض على ابنيه المعتصم وسيف أبيه كفلتا إن أتريث في انفعالي قليلا. في التفاته بدا كأن كل من في العالم يقول ويسمع ذات الجملة(شدوا شفشوفة)، في الطريق المزامير وأنوار السيارات، أنا من ضمنهم، حتى وصلت (شارعنا القديم  شارعنا الزمان) زنقة في طريق السور أمام البريد وراء الطعمية.....


(4)


اوليه اوليه اوليه       والشفشوفة زوا عليه

اوليه اوليه اوليه       يا صفية اليوم عزا

يامفارقة الأيام، يجتمع الموت والفرح، كان يخطر ببالي أن موت القذافي يوماً عسيراً، فلابد له ان يموت ليس مخلداً، ستعلن عليه الحكومة حداداً قد يصل إلى أربعمائة يوم وستُقفل كل مرافق الحياة وستنكس الراية القذافية وينقطع حليب الأطفال وحفاظاتهم، وتماما كما كانوا يستوردون راقصات من كل الدنيا للاحتفال بما يدعى عيد الفاتح الأربعيني والعشريني والسابع عشري والاحدى عشري سيشحنون بكل المرارة والحزن والأسى (حاويات من الرقاصات اقصد الناحبات والندابات والعياطات والشلدات من فصيلة وين تحطه تلقاه)، وانه سيخرجون علينا بسيف القذافي وريثا لأبيه وسينشق المعتصم القذافي على وريث أبيه ويقتطع له جزءا من البلاد كنصيبه في التركة،  ولن يسكت احمد ابراهيم القذافي ابن عم القذافي، كيف؟ وهو ابن القذافي الايدولوجي البكر وان كان الاخرين ابنائه البيولوجيين، وسينحاز خميس لاخيه سيف في مواجهة هانيبال المعتد بالمعتصم أما عائشه ستدعم من يضمن لها ويدفع تكاليف عمليات التجميل والترقيع والنفخ والشفط مدى الحياة، وان كل مناصب الدولة وحقائبها ستوزع حسب الفريضة (فالقذافي ملك البلاد والعباد..والملوك ايضا) وبحسب هذا فإن ورثة القذافي لن تكون تركتهم ليبيا والليبيين فقط بل سيقتسمون ملوك إفريقيا ورؤسائها والأفارقة عموما وبعض من حكام أمريكا اللاتينية وقد يجدون وثائق تملكهم رقاب هذا أو ذاك من الرؤساء الأوربيين ،من يدري؟

والفريضة هي النصيب الذي قدره الشارع للوارث، وتطلق الفرائض على علم الميراث، وقد يكون هذا سبب حرج لعلماء الأمة، إذ يحتاجون إلى اجتهاد وجهد جهيد ليطلقوا الفتاوى في إماء وعبيد العصر الحديث، اللذين هم نحن الشعوب لمالكي الرقاب وأولياء الأمر فينا،وأصحاب الفرائض:هم الأشخاص الذين جعل الشارِِع لهم قدرا معلوما من التركة وهم اثنا عشر:ثمان من الإناث وهن الزوجة، والبنت، وبنت الابن،والأخت الشقيقة ، والأخت لأب،والأخت لأم، والأم والجدة الصحيحة وأربعة من الذكور: هم: الأب والجد الصحيح والزوج والأخ لأم.

  .لكن هذا لا يحدث والقذافي لم يعد يحكمنا ولسنا عبيد و إماء مؤتمراته الشعبية ولا عصابات لجانه الشعبية والثورية الخضراء. انه مطارد، وقُتل وهو مطارد مهان وذليل فقُبح ما أذله، ونحن لا يُعلن علينا الحداد أربعمائة يوم بل ها هي زغاريدنا تلون السماء والتكبير يهلل في الافق (والزكرة تخبط)،كلٌ يحتفل بطريقته.

وهنا زنقة في طريق السور مقابل البريد وراء الطعمية، يهلل الجميع ، تدخل ليلى الزنقة بسيارتها(الكلاكس والفليتشات الاربعة)/المزامير والأضواء، لعمري ترقص الأرض والسماء، ليلى وأم ليلى وأخت ليلى وجيران ليلى (اللي غطت راسها واللي بلاش ،اللي لبست شبشب واللي حفيانه)وعيادة الأسنان ومن فيها من موظفين وأطباء وممرضات والبريد ومن فيه والطعميه وزبائنها والعاملين فيها، والأربع شوارع ومن يمر بهم وحتى الإشارة المرورية(السمافرو) كانت ترقص، اخضر احمر،اصفر، والعمود اسود والخطوط على الإسفلت بيضاء إنها ألوان التحرير! وما عَلِم القذافي وعصبته بها؟؟؟ كانوا سيقولون أجندة مرورية ويقطعونها إربا!، وطريق السور ومن يسكنها وطرابلس ومن يحبها، ويتحول عزاء الشهيد إلى عرس الشهيد وأمه ترقص وسط الإسفلت بعد أن اقتلعت صفيحة أمام خيمة العزاء كُتب عليها مأتم واحضر إخوته (الزكار)،الجميع  يرقص فقد استشهد البارحة في سرت،ويوزعون(شوالات) من الشوكولاته، لقد شبعنا شوكولاته هذا اليوم وهذه الشوارع تجملت وامتلأت بوجوه ناضرة وفاحت بعطور الزهر الذي يرشه الجميع على الجميع وبدل العطارات الصغيره صارت قناني الخمس لترات وبراميل العشر لترات، لعمري هذا الاسفلت اغتسل بالطيب، والابل تنحر هنا وهناك وتوزع على الاهالي، ونحن موكب شارعنا /زنقتنا مقابل البريد و وراء الطعمية من ثلاث سيارات نجوب  الشوارع القريبة ونغني ونزغرد ونستمتع بطعم الشوكلاته ونلتقي كما لم نلتقي يوما وهذه الحشود كأنه الحشر غير أن لا مرضعة تذهل عمن أرضعت غير انه الفرح والمحبة غير إن السيارة التي أمامنا تقف تماما ويخرج السائق منها أيضا ليوقف حركة المرور والتي هي أصلا شبه واقفة ، وإذ به يركض في اتجاه شاب يأتيه هو الأخر راكضا بزي طبيب جراح ويتعانقان والممرضة من خلف الطبيب تبكي فرحا ومن في سيارة السائق يقفزون ويهللون ومن في سيارة ليلى يهتفون ويزغردون هو الشار ع أمام مستشفى طرابلس المركزي(مستشفى شارع الزاوية)  وبرغم زحام الزغاريد في السماء إلا أن الثوار لا يزالون يهللون باسلحتهم ويهتفون :وين الزغرودة وين /وين الزغرودة وين.. وفي الشارع امام عمارة الصحافة الكاتب رضا بن موسى المحه بين المئات وسط الطريق منكوش الشعر  يكاد يطير قميصه من على جلده فرحاً، يكاد يرمي بنعليه، يهتف ويصرخ ويهلل، فألوح له من سيارة ليلى وسط الجارات فيلوح لي، هل عرفني؟ أجزم انه عرف الفرح في وجوهنا والمزيد من الشوكولاته وماء الزهر، لحظة! هنا اريد التنبيه أن ما أصفه الآن هو عزاء القذافي اقصد العزاء الفرح أي فرح الليبيين، لا أدري هل من أحد يقدر على تركيب هذه الجملة/الفرحة؟ وفي شارعنا جارتنا ابلة نعيمة الام الروحية لكل الأجيال الأكبر والأصغر سنا ذات الزغرودة المميزة وأطرافها الاصطناعية وعكازها تبارك الفرح وتُعلي صوت شريط التسجيل من سيارتها(تعلى في العالي تعلى بونجمة وهلال)ليعلو علم الاستقلال الشريف كل النوافذ والأبواب والأسطح ، الراية التي روتها دماء عشرات الآلاف الشهداء.

ليبيا تفرح : يا قذافي موت موت الشعب الليبي كله خوت

وبموت شفشوفة تنتهي قصة ليلى والذئب ولن  تُحرق كتب ليلى  مرة ثانية.

كل انتصار وانت بخير ايها الليبي