يا ليلة العيد زعلتينــــا
عيٌد
باهت، لاطعم لا لون لا فرح الا لمما، عيد مكسور حزين، اعتدت كل عام أن أصنع أصناف
الحلويات بنفسي فلا أشتريها، أزين البيت ونخرج للشوارع لنلتقي الناس. لم أفعل هذا
العام لا تزال غصة اليُتم في حلقي، التشرد، اللاجئين، المغتالين، المذبوحين،
الثكالى.
كانت قصة
جميلة، بدأت بـ(طرابلس تصرخ يالله يا الله يالله)، عربدة البارود والموت ونشوة
الجهاد وكلمة حق ترتفع في وجه السلطان الظالم: (ياقذافي موت موت ، الشعب الليبي
كله خوت) ومات القذافي وافترق الإخوة بل وكأنهم ما كانوا يوما على قلب واحد، لا إخوة
ولا أبناء عمومة ولا حتى أبناء (ضرائر)، العاصمة محتلة من شرذمة كتائب جهوية
أسكرها سلطان السلاح فوضعته في وجه الحياة وضربت بعرض الحائط أحلام الليبيين
وأمانيهم. الشوارع مليئة بالعصابات واللصوص والقتلة، حكايات العيد ليست عن الفرح
بل عن الفقد والموت.
أي عيد
هذا بطعم التراب في الحلق، تقول (جارتي) ولديها ولدان مسجونان بسبب مشادة تطورت
الى جريمة قتل والمتهمين فيها أكثر من ثلاثين شاب، تقول بحسرة (ضحكوا علينا، سرقوا
الثورة بعد ما صفقنا وغنينا ودعينا لربي ياخذ القذافي لقينا روحنا نعانوا في الف
قذافي).
كانت قصة
جميلة في رمضان 2011، كانت جارتي الطيبة تقول: (بنصيموه بالميه ونعدوه بالصبر غير
ينتلف عنا ) تقوي عزائمنا، (مش مهم مافيش كهرباء ومافيش ميه وبنزين ومواد غذائية،
المهم يطيح ونرتاحوا منه)، وكان 20 رمضان وانتفضت
طرابلس والتحمنا معها، اجتمعنا في بيت أبي، كان طفلي يحيى لم يتجاوز عامين ولأختي
ثلاث أطفال ومع أختي الاخرى طفلين، كنا نجمع الحطب لنطبخ عليه فما كان هناك غاز،
بدأ القصف والتكبير، أخرجنا أبي من البيت خوفا أن يسقط علينا بسبب قذيفة ما، (سلاح
الجراد ) يعبر فوق رؤسنا والجوامع تكبر والثوار يردون على سلاح كتائب القذافي، صعد
أخي ذو الاحدى عشر عاما ، نسميه (عبدو) واسمه عبد الحميد، صعد فوق البيت غير آبه
بصراخ أبي الذي يطلب منه النزول وبدأ في التكبير: الله أكبر الله أكبر، وحملت
الريح صوته للمساكن المجاورة فرد عليه صوت آخر في الظلام يبدو أنه في عمرٍ مشابه:
الله أكبر الله أكبر، حركوا قلوبنا، فرددنا عليه بالتكبير، انا وأختي الصغرى ذات
ال19 ربيعا فنهرتنا أمي طلبت منا أن نصمت لكننا زدنا فبدأ الاطفال بالتكبير ولحق
بنا أبي ثم أمي وصوت ذاك الشاب من بعيد يرد علينا من فوق بيته فارتفع صوت من
الجامع يقول : شهيد شهيد، أحداهن في البيوت المجاورة بدأت تزغرد، انتشرت الزغاريد
والتكبير، مع صوت القصف، خرج علينا (عياد) اللص، تاجر الحشيش يعربد ويشتم وكان ذو
صولة وجولة مع سهرات (باب العزيزية).
جاء أخي
الثائر الغائب الذي لم نكن نعلم عنه شئ منذ وقت قال: سوق الجمعة تحررت وتاجوراء
تحررت والشباب في البوابات (جيعانين يما شوفيلنا شن ناكلوا)، لبيك ليبيا، أخرج أبي وأمي كل مدخراتنا الثمينة
من المواد التموينية من طماطم وزيت وغيره و(نصبت أمي كازانها) على الحطب، قالت
أختي : (كله هذا بنطيبوه والدنيا مقطوعة وعندنا صغار، خلو تموين على جنب لين
نعرفوا آخرتها مرات تصير مجاعة، فردت أمي، ربي ما يخليناش.)
إيه
ياعيد 2011، والفرحة والتكبير والبشائر، إيهِ ياعيد 2011 والثوار الأشاوس في
الجبهات والبوابات، إيه يا عيد الشهداء والنصر، كان لا يزال لدي بعض من (دقيق وزيت
وسكر وتمر ) في بيتي الذي كان يقع بالمقربة من باب العزيزية، استطعت العودة اليه
بعد تحرير معقل القذافي فصنعت أصناف من الحلويات للعيد قمنا بتوزيعها على الثوار.
إيه يا فرحة
العيد والعناق في الشوارع، إيه يا دماء الأبرياء والشهداء، إيهٍ يا أمي ويا أبي.
كانت قصة
جميلة، عيد 2012، وضعنا أصابعنا في الحبر الأزرق لأول مرة وبصمنا في وجه الورقه
البيضاء امام اسم من نريد انتخابه، والناس طوابير تعلوها زغاريد النسوة (دم
الشهداء ما يمشيش هباء)، كنت التحقت بالمركز الانتخابي منذا السابعة صباحا، التقط
بكاميرتي كل تفصيلة تمر بي في يوم مشهود، قال لي الشرطي(ماذا تصورين هل أنت صحفية)
قلت: نعم أنا مدونة فقدم لي علبة مليئة بالشوكلاته وقال ( خوذي شكلاته قداش ما تبي
، الله أكبر يا حرائر ليبيا، الله أكبر يا بلادنا بنبنوها)، كان عيد 2012 والأماني
إن ليبيا (بنخلوها سنغافورة).
كانت قصة
وكانت جميلة وكان عيد، وصلنا العام 2013 و وصل عيده المرير في طريق تسير فيه ليبيا
لتصبح صومال بدل السنغافورة على يد مرتزقة الثورة.
ان شاء
الله من العايدين ومن الفايزين أيها الثكالى واليتامى والمذبوحين
هناك 6 تعليقات:
كعادتك مبدعة
السلام عليكم ..
كل عام وانت بخير.. إن رأيت مصيبة غيرك هانت عليك مصيبتك ..
الكل يشكي ويبكي وينوح .. نسأل الله أن يرد الأمن والأمان في سائر العالم العربي والاسلامي.. ..
لك تحياتي عزيزتي.
ربي يسامحك ذكرتيني بايام جميلة ادمعت عيناي و انا اقرا.
كل عام وانت بخير ... شكرا
شكرا أيها الغير معرف على التشجيع
شكرا اخي بندر واستجاب الله دعائك
سلامتك أخي وسام ..لا أحزن الله لك قلب
إرسال تعليق