الجمعة، 29 يناير 2010

وقفوا حرام عليكم…….تربحوا... وقفوا.ٍ

لا أنساه، صباح مضيء وبضع سيارات تمر عبر الطريق تباعاً، أحمل بعض الدنانير في يدي أسير إلى (دكان مالك) لأشتري (بضاعة الفطور: حكة تن، باكو حليب وفرادي خبزة) لعلها التاسعة، والنعاس لا يزال يثقل جفني وأنا متعبة من أول النهار، فينبهني صوت رقيق على الرصيف المقابل يلوح بيديه قابضا على (قرشينات شكلهم ربع دينار)، تخنق صوته الرقيق الطفولي عبرات متقطعة ويتوسل: - وقفوا حرام عليكم، تربحوا وقفوووووووووا.

أول ما تبادر لذهني حينها (صغيّر خوته وهما هربوا وخلوه ع المرشابيدي)، أو أمه، أو خالته ابتعدت عنه (ساهية) ولم تنتبه أنها تركته ورائها، ولكن لا أحد على طول الطريق فالطفل كان يلوح للسيارات المسرعة الزاعقة، في وجوه الجميع ونوبة خوف وفزع تنتابه.
أسرعت نحوه وأمسكت بيده لأعبر به للطرف الآخر فلاحظت أن هناك شاباً على يميني كان يركض مسرعا نحو الطفل ليعبر به هو الآخر، وابتعد لحظة وصولي لأفوز أنا بالأجر إن شاء الله.
سبحان الله يبدو أن السيارات لا تفهم لغة الأطفال وإلا.. لكانت وقفت؟؟ من يقف لمن؟! أضع يدي ألان على الجرح الناكئ، فمنذ نعومة أظفاري وأنا احترم الخطوط البيضاء وهي غير مأسوف عليها لا تحترمني. ولأن الحكاية ليبية تعالوا نحكوها بالليبي: وليد صغير يبي يقص الطريق لدكان مالك، الباين إن أمه (الله يسامحها) باعتاته يجيبلها حاجة على هذاك الصبح، والأغلب خبزه.
الوليد يبي يقص الطريق اللي أصلا مش صعبة يعني هي طريق مش رئيسية ومش صعبة غير المشكلة فيها إنها طريق تخطم منها الميكروات وما أدراك ما الميكروات.. يفوتوا منها زي الصواريخ.. مش عارفة من اللي قاللهم ديروها خط ليكم. الوليد واقف يبكي وعلى علو صوته ينادي في السيارات: وقفوا حرام عليكم وقفوا.
(عودة)
هذا المشهد لا تراه إلا في ليبيا وما قد يجاورها(...) دول عالم ثالث باختصار، أحاول دائما قطع الطريق عبر الخطوط البيضاء و لا أظن أن هناك من يراها بيضاء، لا أحد يرى أنها مكاناً للعبور، وقد تقف السيارات لإعطائك فرصة لعبور الطريق في منتصفه، صدَقة منه، أو لأنه يشعر بمدى رقي أخلاقه حين يسمح لك بالعبور، فضلا من عنده على راسك المنحني، لكنه لا يظن أنه ملزمٌ بالوقوف أمام الخطوط البيضاء، لتعبر كحق لك عليه أن يطأطئ رأسه احتراما له، لا يرونها ملزمة خطوط حمار الوحش تلك.
هل كل العالم بهذه العقلية: هنا في نيوكاسل حال وصولي اتجهت مباشرة للخطوط البيضاء لأعبر الطريق، فقط إخلاصا لعادة اعتادتها، وكم كانت دهشتي كبيرة فبمجرد اقترابي من الخطوط البيضاء وقفت السيارة وبكل صبر انتظرتني حتى أعبر.
المرة الثانية: أحاول عبور الطريق فتقف السيارات ثانية وبكل صبر ينتظرون خطواتي البطيئة لعبورها دون تزمير أو استعمال المنبهات يعني دون (كلاكس يكسر الراس).
المرة الثالثة: أحاول عبور الطريق فتقف السيارات مرة أخرى وأنا انظر ببلاهة للسائق كيف يفعل ذلك، يخالجني خاطر غريب أنني (بنقعمز في نص الطريق وما نوضش، والله لو قعمزت ماني نايضتها، وبنشوف شن بيديروا كيف يبوا يقعدوا محترمين الخطوط البيضاء ، كيف تبي تتصكر الطريق ، كيف ممكن تجي الشرطة تاخذني، باهي لو انا شاطرة هكي وفالحة ترا نقعمز في نص الطريق ع الخطوط البيضاء اللي مرسومة في شارع من شوارع طرابلس زي اول سبتمبر مثلا، اللي يقرا ويضحك توا نقوله بلاش شماته، ماتتشمتش لاني عارفه حدودي وما نديرهاش مازال مارخصتش عليا روحي) وهكذا أعبر الخطوط البيضاء التي تقطع طريق (Westgate road) لاقف على الطرف الآخر من الطريق، أتطلع بحسرة تفت قلبي إلى امرأة إنجليزية شقراء ممتلئة الجسم، في أواسط العمر، أقرب للتقاعد تقف مرتدية سترة بلون فسفوري أخضر ساطع تمسك في يدها لافتة مكتوب عليها (قف-Stop) تمرر كل طفل أو أمٍّ ذهابا وإيابا إلى مدرسة (Westgate Hill Primary School)، تقف على جانب ذلك الطريق مؤمنة السلامة لفلذات الأكباد، ترى كم طفل ليبي بجمال الملائكة دهسته سيارة أمام مدرسته أو على الرصيف، أو حتى في (وسعاية) كما حدث لابن صديقتي ذي الأربع سنوات الذي قتله سائق سيارة (هونداي رصاصية) على جانب مزرعة جده في طريق ترابية زراعية تجلس بجانبه امرأة يقولون أنها ليست زوجته، دهس الطفل أمام كل أخوته وأبناء عمومته ولاذ بالفرار إلى هذه الساعة.
ترى متى؟؟؟
متى نحترم خطوط ظهرك يا حمار (Zebra) حتى نصل إلى درجة الآدمية؟؟
على الهامش:
عدت يا بلادي وأنا كلي تصميم وإصرار بالعبور على الخطوط البيضاء، وفي أحضانك طرابلس أقف أمام خطوطا بيضاء في أحد شوارعنا المجهولة التسمية (المراسم أو أبوهريدة دوروا شن اللي يمشي معاكم) وأنا انتظر أن تقف لي قطعان الحديد بعجلات كي أعبر، حتى تهكمت على نفسي (وين نسحاب روحي شني حتى انا بنبدا نعيطلهم : وقفووووووووووووا حرام عليكم).
انتظرت أول فرصة أحصل فيها على فراغ بين السيارات المسرعة لألقي بنفسي وسطها إما عبرت أو دُهست غير مأسوف علّي. كحال كل من دهسوا من قبلي.

هناك 10 تعليقات:

غيداء التواتي يقول...

ام يحيا ..

جمعة مباركة ..
تصدقي يومها ماشية للطبي لقيت شيباني بعصاته وياشرلهم يبيهم يوقفوا ولا بو يوقفوله واني درت فلايتشات الاربعة خفضت السرعة اللي وراي قسما بالله ملا فتح الروشن مخلا مسبني نزلت وقصيت بالحاج وهو يدعي ويسحسح عليهم ومش اول مرة هادي كل منخفض سرعتي نبي نخلي الطريق للناس تقص نلقاهم وراي مديرين كلاكسات تقولي رافعين حد بيموت مش محترمين الناس اللي على رجليهم بكل ونهائي تقول الطريق ليهم وبس يوم علموهم السواقة مقالوهمش انه اللي على رجليه لازم تحترموه قبل مفهمتش الكل مستعجل على شنو مفهمتش ولا ذوق ولا حترم حتى اللي طالع من فرعي بنخلليه الطريق نلقى اللي وراي يفنصوا وعلاش باهي كلنا نبو نوصولوا

وكله كوم ولما الشوارع مطر نخفض سرعتي ملا شنو الناس اللي على المرشبيدي تتنطر عليهم المية شنو مش بني آدمية والله العظيم هديكا المرة قلت لبوي يوم من الأيام تلقاني اني وواحد منهم في مركز الشرطة على اسلوبهم الزفت في التعامل مع الناس اللي على رجليها

نقولك راهو السيارات ماشيين من غير قانون زي مقال خونا بومدين القطعان في الخلي منظمة خير منهم واني والله حالفته من نلقى حد على رجليه بنوقفله إن شاء الله الطابور اللي وراي يركبهم سكر وضغط ونتمنى واحد منهم يوم يدير راسه راسي حالفة نبي ننزله وخلي ياقاتل يامقتول

اللي متهديه إن شاء الله ربي ينحيه هكي تقول حناي

elekomm - إليكــم يقول...

السلام عليكم

اختي الكريمة في بلادنا وجميع دول العالم الثالث نعاني من مشاكل السير وحوادثة وربما النقطة التي اثرتها في حديثك واحده منها ومعك الحق في كل كلمة .

ربما بعد مكوثنا عدد من الشهور أو السنوات خارج البلاد والعودة لارض الوطن أول ما يضايقنا هو الطرق فالكثير منها به عدد من الحفر والمطبات والكثير منها غير مخطط بل وغير معبد ناهيك عن عدم تطبيق القوانين ، كل هذه الامور اختي وغيرها ينهي الشعور بخرمة الطريق لدى السائق و السائر على قدميه ، فكم من سائق لا يقف لمرور المشاه وكم من سائر على قدميه يقطع الطريق من أماكن جد خطيره وقد يكون معطي ظهره للسيارات القادمه !!

ولا يمكننا تجنب هذه المشاكل الا بعد أن ترصف وتخطط جميع الطرق داخل المدن بالذات المدن الكبيرة ويتم تطبيق قانون السير داخل الطرق .

لاحظت في الدول المتقدمه من الصعب أن تقف سيارة وانتِ تتخطين الطريق من مكان غير مخطط أما في مدن ليبيا قد تجدين ذلك !

تحية

LazyGirl يقول...

أعان الله أهل طرابلس على شوارعهم بصراحة سوا بالرجلين ولا بالسيارة شوارع طرابلس تحرق الدم، طرق ضيقة وزحمة وفوضى.

ولكن يبقى الاسوء هو قلة الذوق ومبدأ "أنا ومن بعدي الطوفان".

كريمة الفاسي يقول...

السلام عليكم ورحم الله وبركاته

بالشوية يا غيداء الله يبعد الشر عن كل المسلمين لا قاتل و لامقتول ما هياش حكاية عراك حلها ساهل كليمة واحدة:
قانون

مدونة اليكم
لك فائق التقدير وانت جبتها من الاخير صلحوا الطرق والنظام والقانون....الخ

اختي ليزي جيرل
تعليقك حسيت منه كأنك انت عايشة في الفردوس المفقود وفعلا معاك حق الله يعين اهل طرابلس واللي برا طرابلس احنا الليبين مشاكلنا واحدة وفي الاول لما قريت تعليقك نسحابك من دولة عربية لقيتك لا ليبية وعلى فكرة بري شوفي مصر احنا بالنسبة ليهم زي سويسرا ع الاقل مازال في ناس توقف وانا وصلت بينا الجرأة ان نتكلموا ع الخطوط البيضاء في مصر مع احترامي والله ما يحلموا يفكروا فيها
وفي الاخير من كل قلبي ان شاء الله وين ما انت عايشة يكون الوضع افضل

تحياتي للجميع

غير معرف يقول...

عزيزتي بصفة عامة يمكنك ان تفرضي الصح على الاخر اذا علمتِ انه الصح في الاصل الغرب لم يولد متعلم بل علموه ودربه الاخرين الذين من حوله على الصح وانتِ كمتعلمة من واجبك ان تبيني الفعل الصح وان تفرضيه لانه هو الصح والمتعارف عليه في كل الدنيا بدل ان تنتقدي فقط , انا الاخرى تعرضت لنفس الموقف ووقفت بكل ثقة واشرت الى ارضية المشاة المخططة دليل على اننى انا الصح وهذا طريقي واقف بسيارتي عند كل خط رغم ان البعض منها وضعيته غير مناسبة لسرعة الشارع او عدم وجود اشارة ضوئية !!
ومع هذا اجد السباب والشتائم من ورائي ودعينا من هذا كله فرخص السيارات اغلبها مزور ومنهم من لايحمل رخصة او لم يدخل امتحان قيادة اصلا فابلله عليك من اين سيعرف ان الخطوط البيضاء مخصصة للمشاة؟

غير معرف يقول...

استحشت أيامات وين كنا نلعبوا: الي تضربه السيارة مرتين قطوس!! آآآخ.

لا تغيبي عن التدوين. وسلامي للعظيمان رامز الكبير والصغير!

محمد مصراتي

سوما الجارد يقول...

شكراً يا كريمة علي هل مدونة الرائعة والتي كنت أقرأها بنهم من بدايتها ولكن بصراحة أحس أنها فقدت بعض تميزها من قدومك لليبيا

خطوات امرأة يقول...

سبحان الله صار مش انا بس اللي انمر بهذه المواقف
انا نتعدب جدا عشان نقطع الطريق المزدوجه
فعلا والله الامر مهم جدا ولا زم مانسكتوا عليه لازم الدولة الدير حل للمشات
لازم تردع متاعين السيارات
يعني لو يديرونا زي بريطانيا اشارة المرور اليدوية اللي يستعملها المار عشان يوقف السيارة
او اي حل
ربي يلطف
اشكرك اختي موضوع جدا مهم و مفيد اتمنى تنشريه في المنتديات لعل وعسى احد يتعض

غير معرف يقول...

وعلاش مستغربة ياكرمرم جلك الله كلب بريطاني يقف علي الخط الابيض ويمر بعيني شفته انسان ليبي يوقف لين يقابله العام الجاي لو مادارش سياسة الفدائي إما النصر أو الإستشهاد والله ماهو فايتها

نوال عبدالله يقول...

مسالخير الله يعطيكي الف عافية على هالكلام الحلو مفتقدتك كتير والله