الاثنين، 8 سبتمبر 2008

تبدد حفنة من قوس قزح

شاعر الشباب، شاعر الوردة
علي صدقي عبدالقادر
(لما يموتوا هؤلاء ربما لأنهم ملوا هذه الحياة والبقاء اللا مجدي هؤلاء لا يموتون ولوهلة نعتقد بأن الموت لا يمكن أن يطالهم )/ عن مدونة امتداد لصديق غازي القبلاوي عندما رحل الشاعر محمود درويش.
وأذكر أن غازي القبلاوي في مكالمة هاتفية قال:
- عندما سمعت من صديق خبر وفاة الشاعرمحمود درويش كانت ردة فعلي: كيف ما قاللناش، كيف هكي مات!.

رحم الله الشاعر محمود درويش، وعبر مكالمة هاتفية من زوجي :
- فتحتي موقع ليبيا اليوم، على صدقي عبد القادر عطاك عمره.
ذات التساؤل خطر ببالي (كيف ماقللناش ،كيف هكي مات).
علي صدقي عبد القادر صاحب رائعة (بلد الطيوب ) التي كتبها وعاش لها كل حياته فابدع وغناها الفنان محمود كريم، الذي انتقل قبله بأشهر لرحمة الله و كان من أعذب الأصوات الفنية الليبية، لندع لهما بالرحمة والمغفرة، أسكنهما الله فسيح جناته.
(إنا لله وإنا إليه راجعون).
هذه مقالة للشاعر رامز النويصري كتبت في وفاته شاعر الشباب علي صدقي عبد القادر
عودة الشاعر لحضن معشوقته

رامز رمضان النويصري
-1-
أنا أعادي الملح في فنجان قهوة الصباح
أخاف لحظة الوداع، فالفراق شوك
أخاف أن تضيع وشوشات كفي في الظلام
لذاك لا أحب لوناً يشبه الرماد، وشكلاً يشبه السكين
وأشرب قبل نومي كل ليلة قصيدة
لهذا أرتب حلوى العيد، ولعبي القديمة في صندوق أمي
كي لا أرى في نومي الأحلام المزعجة1.
لا يمكننا اعتبار "علي صدقي عبدالقادر" شخصا عادياً، فهو شخص أحب الحياة وأخلص لها وأعطاها الكثير من كلماته وأحاسيسه، وظلت (يحيا الحب) علامته الفارقة.

وعلى صعيد التجربة الشعرية فالشاعر "علي صدقي عبدالقادر" أو "شاعر الشباب" يمثل مفصلاً مهما في تجربة الشعر الليبي، فمجموعته (أحلام وثورة) الصادرة في العام 1957، صحبة (الحنين الظامئ) مجموعة الشاعر "علي الرقيعي" بداية للتجربة الشعرية الحديثة في ليبيا، لذا فتجربته تختصر تجربة الشعر الحديث في ليبيا، خاصة وهو الشاعر الذي آمن بالتغيير والتجريب، والكتابة خارج القوالب الجاهزة. فخرج عن القصيدة العربية في ثوب الشطرين والشطر وتنويعاتهما إلى الشعر الحر (التفعيلة)، إلى التخلي مطلقا عن الإيقاع إلى فضاء النثر، ورحابة النص المفتوح، واختار لتجربته شكلاً لا يقصد فيه قولبة النص، إنما ترتيبه، حيث يبدأ النص من عنوان رئيسي (ومن بعد يتفرع إلى ثلاث أو أربع عناوين.. حيث يعمل الشاعر في هذا الشكل على الكتابة بشكل متوازي، وأعني أن الشاعر ينطلق في ثلاث توازيات يقارب فيها المشهد، وهو مازال يعول على أجزاء الصورة التي يريدها الأجزاء الصغيرة التي يراها هو)2.

كم أشتهي

إني أضمك، ضاحكاً، أو باكياً، أو خائفاً
ذا لا يهم
ما دمت متحداً معك
كالطفل تدمع عينه، ولسانه يمتص حلواء
وأدس أنفي فوق نحرك
لأشم عمري
خوفاً من الغول، الذي يدعونه بالذاكرة
تطفو عليها حادثات، أبتغي نسيانها3.

وعاد الشاعر إلى حضن معشوقته، إلى الأرض التي طالما تغنى بها، وباهى بها بلاد العالم، وراهن على ملحها وياسمينها وفلها، ونسائها اللواتي علمنه كيف يبتسم كل صباحٍ، وهو يقبل فنجان قهوته.
عاد الشاعر لينتشر في خضرة النباتات، وألوان الزهور، وغناء العصافير. يتسرب إلى الماء فينضح الشجر قصائد وأشعار.
عاد الشاعر ليبدأ حكاية جدية، فصلاً جديداً، حباً جديداً. عاد ليبدأ من جديد.
-2-
على الصعيد الشخصي، يمثل لي الشاعر الراحل "علي صدقي عبدالقادر" قيمة ثقافية وإبداعية حركتني بطريقة غير مباشرة للنظر أكثر لإمكانات النثر، وما يمكن للمفردة من طاقة شعورية، وللجملة من قدرة على التشكل.

سأحاول أن أختصر تجربتي مع الشاعر من خلال لقطتين، هما أول ما استدعتهما ذاكرتي حال قراءتي لخبر وفاته.

لقطة أولى:

ليلٌ وسكون، وجلسة تجمعني بالشاعر "علي صدقي عبدالقادر" والأصدقاء: خالد شلابي، إبراهيم الككلي، مراد الجليدي. اللقاء تحت رعاية مهرجان زلطن (أبريل-1999). كانت المرة الأولى التي أكون قريباً فيها للشاعر "علي صدقي عبدالقادر".

في هذه الليلة تعرفت عن قرب إلى شاعر الشباب، عرفت لماذا التصق به هذا الاسم، ولماذا كان يختم بـ(يحيا الحب)، ولماذا كان يحب "فاطمة".

في هذه الجلسة تحدث الشاعر عن الكثير من ذكرياته، لم يتحدث عن نفسه، إنما عن ذكرياته ومعشوقته مدينة (طرابلس)، تحدث عن طرابلس القديمة أو المدينة القديمة، عن الناس عن الشوارع، عن (الضهرة) و(شارع الضل) حيث ألححت عليه في الحديث عن هذا الشارع، حيث أسكن بالقرب منه. تحدث عن (سواني سكره)، الميناء، القلعة أو السرايا الحمراء، وتوقف عند أحد أزقة المدينة القديمة وتنهد، أدركنا إن شيئاً في البال أو حكاية ما تسكن هذا الشارع الذي دخله الشاعر من (الأربع عرصات) ولم يذكر اسمه، فقط سرب إلينا رائحة الورد والياسمين التي كانت تنبعث من أحد البيوتات في ذلك الشارع.

برشاقة، قفز بنا الشاعر إلى أهم الفنون التراثية الطرابلسية –على حد تعبيره-، حدثنا عن طقسه وتشطيراته وأسمعنا الكثير منه، إنه (البوقالة)، وذكر قصة عن فتاة قابلته من وراء الباب وقالت:

أسمك علي والعلي عالي

يا جوهرة في العقد يا نقش خلخالي

دير روحك طبيب وتعال شوف حالي

نصلي أنا وياك في جامع العالي.

لقطة ثانية:

عندما دخل إلى المكتب، لم أجد إلا أن أبادله الابتسامة قبل السلام، وهو الذي تسبقه يده بالسلام.

جلست على الكرسي المقابل له، وبدأ هو في قراءة نصه الذي خص به صحيفة الشط، وطلب مني أن أطلع على النص حتى أضمن أن يتم تنضيده دون أخطاء. ثم مد لي صورة له، حتى يتم إرفاقها بالنص حال نشره.

قمت من فوري لوضع نص الشاعر ضمن الملف الخاص بالعدد، وتسجيل المادة، بينما كانت أذناي معه، وهو يتحدث عن الشاعر "علي الرقيعي". عند عودتي إليه، أخرج من جيبه الداخلي مغلفاً رقن على غلافها اسمي مسبوقاً بلقب "أستاذ". تشوشت بوصلتي للحظات، ولم أدر إلا والشاعر "علي صدقي عبدالقادر"، يسلم مغادراً.

عندما فضضت الظرف، وجدت بداخله رسالة بخطه –المميز-، يشركني فيها على تقديمي لنصه (مدينتي.. اسمها طرابلس الحب)، الذي نشر بصحيفة الشط4.

في إحدى زياراتي لمكتبة المعارف، وبعد حديث مع عمي "رجب الوحيشي"، سحب من الرف خلفه، رسالة وضعها فوق حزمة الجرائد والمجلات، وهو يقول:

- يسلم عليك الأستاذ "علي صدقي".

لم تخطئ عيني طريقة الرقن لاسمي، ولا شكل المغلف، كأنه هو من 6 سنوات، لكنه هذه المرة، يشكرني على (عندما يعيد الشاعر ترتيب بيته)5، وكنت نشرت هذا الموضوع في جزأين عن تجربته الشعرية بصحيفة الجماهيرية.

بذات المكتبة، التقيت الشاعر قبل مغادرتي إلى (نيوكاسل)، تمشيت معه قليلاً، لم نتحدث عن الشعر، إنما عن الحاسوب والإنترنت ونشر الشعر عبر الإنترنت. عند باب سيارته، سلمت عليه وأخبرته أني أسافر قريباً للدراسة، وأن موعد سفري لم يحدد بعد. ودعني بابتسامة، وراقبته كيف اندس في سيارته، وهو يمرق بها في (شارع الوادي) المزدحم.

رحم الله شاعرنا "علي صدقي عبدالقادر". وأسكنه فسيح جناته.

______

هوامش:

1- علي صدقي عبدالقادر (قبل نومي، أشرب قصيدة.. وأرتب لعبي). صحيفة الجماهيرية_ العدد: 4199_ 9-10/01/2004.

2- رامز النويصري (عندما يعيد الشاعر ترتيب بيته). صحيفة الجماهيرية (الملحق الثقافي)_ العددان: 4692، 4698_ 12-13/8/2005، 19-20/8/2005.

3- علي صدقي عبدالقادر (صرخة) شعر_ لبنان 1965.

4- رامز النويصري (طرابلس والابن البار). صحيفة الشط_ العدد: 484_ 03/08/1999.

5- الهامش رقم 2.

الأربعاء، 3 سبتمبر 2008

وجيت يا رمضان يا مرحبا بالجية

(ينطلق المدفع معلناً عن انتهاء يوم جديد من أيام شهر رمضان المبارك.)

(صياماً مقبولا وإفطارا شهيا)
يرتفع آذان المغرب من جامع (مولاي محمد) نفطروا على التمر والحليب.
بسباسي آآآآآآآه يا راسي وأغنية لفيروز.
ع الفطور جداي تحب برامج الراديو (لاثنى عشر عاماً نصوم معاً). أنا هنا وهي هناك، رمضان بدونها لأول مرة منذ اثني عشر عاماً.
أول أيام رمضان هو أيضا يوم ميلادي في السنة القمرية، وهو الذي سماني، فقد ولدت أول أيام الشهر الكريم، واختلفت الآراء ماذا يسمونني، لكن الأمر حدد عندما تخلل فاصل برامج التلفزيون الليبي:
- رمضاااااااان كريم.....خلاص سموها كريمة.
1/9/2008 أول أيام الشهر المبارك هنا في نيوكاسل، وتم تعميم الخبر في مسجد (التوحيد والنور)، وفي المحلات المسلمة وأعلن الصيام في ليبيا 31/8/2008.
رمضانكم مبروك وكل عام وانتم طيبين صحيحين ملمومين.كل عام وانتم بخير يا يا بلادي من شرقك لغربك وكل عام والأمة العربية بخير إن شاء الله والمسلمين وحتى العالم كله ليش لا .
كل عام وانتم طيبين.. كل عام وانتم الطيبين.
كل عام وانت بخير يا جداي

الاثنين، 25 أغسطس 2008

تعقيباً على: لا ترسلوهن: فماذا بعد إيفاد الليبيات العازبات للدراسة في الخارج؟

تحية طيبة وبعد.
لم أدر أن نشري لهذا الموضوع سيثير هذا الكم من التعليقات الغاضبة من حولي، فهذا الإدراج كان من باب الوقوف على أحدى الظواهر التي نعيشها كمجتمع ليبي صغير في مدينة نيوكاسل (بريطانيا)، حيث لا يقل عدد الأسر الليبية المتواجدة هنا عن الخمسين أسرة ليبية، هذا دون حساب الموفدين غير المصحوبين (من شبابٍ وشابات).

وكما عرّفت مدونتي، فهي يوميات (أو شبه يوميات) أجمع فيها بعض الملاحظات عن حياة الجالية الليبية في هذه المدينة، لذا فإني بشكل أساسي أحاول مناقشة ما يدور من ظواهر اجتماعية، سواء كانت هذه الظواهر نتاجٍ مباشر عن جاليتنا الليبية هنا، أو ما يتماس معها.
وموضوع الموفدات غير المصحوبات (أو العازبات)، يندرج تحت هذا البند، فهن كمجموع في هذه الجالية يمثلن رقماً لا يستهان به، ومن السهل تميزهن في هذه الجالية الليبية، كون أغلب الليبيون يسكنون قريباً من بعض، بالتالي من السهل على العين التقاطهن والسؤال عنهن. فعدد الموفدات غير المصحوبات (أو العازبات) يقدر بما يزيد عن الـ(15) موفدة، يدرسن تخصصات مختلفة، وهن يسكنّ بشكل جماعي: من اثنين إلى ثلاثة في كل منزل. أو يشاركن غيرهن من الطالبات العربيات أو الأجنبيات وحتى العائلات الإنجليزية أو الباكستانية والهندية المسلمة.
صدمني هنا وجود هؤلاء الموفدات دون صحبة، وأعني الصحبة الشرعية، فقبل وجودي بنيوكاسل. فحينما كنت أسمع عن إيفادٍ لطالبةٍ، فإنه عادة ما يذكر إنها إما تزوجت، أو ذهبت بصحبة أحد أفراد أسرتها لإكمال دراستها. لكن ما عشته وعاينته هنا هو العكس تماماً، وهو ما أوقفني في مواجهة الحقيقة، أو الهوة التي يعيشها مجتمعنا ويتعامل بها مع مثل هذه الأمور، ففي الوقت الذي يؤكد فيه مجتمعنا –المحافظ- على تمسكه بقيم الإسلام وعاداته، فإنه لا يرى من ضير لإرسال ابنته دون محرم للدراسة بالخارج، خاصة وإن كان هذا الخارج غير مسلم ويكن للإسلام الكثير من الحقد والضغينة.
أكثر من 15 موفدة دون محرم، كيف يمكن تقبل مثل هذا الأمر؟!، خاصة وإن مدة الإيفاد تتراوح بين: الثلاث سنوات –لإجازة الماجستير-، والأربع سنوات –لإجازة الدكتوراه- وقد تصل لخمس سنوات. حتى لو قلنا أن أحد أفراد الأسرة كان بصحبتها وأمّن لها مكان الإقامة في البداية، إلا أن الشريعة لم تبح للمرأة المسلمة أن تبقى بعيداً عن أسرتها دون محرم شرعي. أو السكن مع أجنبية (أو أجنبيات) هن في الحرمة كحركة الرجل. هذا يؤكد إن مجتمعنا الليبي، تخلى عما يظهره من تمسك بالعادات والتقاليد، والتأكيد على أصالته. فمثلاً: (حنى نوصلوا البنت للجامعة ونروحوا بيها. ونرفعوها لحوش صاحبتها بعد ما نسألوا على عايلتها، وإذا تخرجت من الجامعة وتحصلت على فرصة إيفاد، يخلوها تطلع بره بروحها). إحدى الموفدات غير المصحوبات (العازبات) أقسمت لي إنها لم تبت ليلة واحدة خارج بيت والدها، الذي كان يعارض ذلك بشدة، حتى لبيت الأعمام والأخوال. لكنه أرسلها لبريطانيا عند تحصلها على الإيفاد. أي تناقضٍ هذا اللي نعيشه. وكيف يمكننا تفسير هذا الأمر:
- إن كان إرساله لها يعني ثقته بها، فكان الأولى أن تكون ثقته أكبر وهي بين عائلتها وأسرتها، ومجتمعها المسلم.
- أما منحها الفرصة للحصول على أعلى الشهادات، فكان لابد له من التضحية بصحبته ابنته، أو أحد محارمها.
- وإن كان الإيفاد يعني ما يتقاضاه الموفد من منحة بالعملة الصعبة، ولذلك يرسل ابنته، فهي لعمري ثالثة الأثافي.
إن مسؤولية الأسرة لا تقف عند تأمين متطلبات الموفدة غير المصحوبة (العازبة) في بداية تواجدها، إنما يتعدها للمشاكل التي من الممكن أن تتعرض لها الفتاة، فكما حدث لمجموعة من الموفدات إلى (كندا)، فقد تأخر التفويض المالي للموفدات لحوالي 3 أشهر، مما أجبر بعضهن على العودة، لأنهن لم يستطعن تدبير أمورهن، أما سعيدة الحظ فقد أرسل لها أهلها ما يلزمها.
ثاني الأمور التي حدت بي لكتابة هذا الموضوع، هو ما تعيشه هؤلاء الموفدات من حالة صدام حضاري أو لنقل حصار فرضنه على أنفسهن نتيجة عدم تقبل الأسر والعائلات الليبية لهن، وإبعادهن عن محيطهن قدر الإمكان. فهن لا يحضرن المناسبات التي تقام أو اللقاءات الاجتماعية، ولا حتى حفلات المعايدة التي يقيمها اتحاد الطلاب (وهن عضوات به، ويدفعن بشكل شهري لمكتب الطلبة). إنهن يعشن في عزلة مزدوجة:
- عزلتهن بإقصائهن أنفسهن، وإدراكهن لحقيقة عودتهن للبلاد، وليبيا بلد صغير، من السهل أن تنتشر فيه الحكايات.
- وعزل المجتمع هنا لهن، وعدم تقبله لهن.
بالتالي قد تدفعهن العزلة إلى ممارسة حياة المجتمع الذي يفتح لهن بابه ونعني المجتمع الأجنبي، لأنه مجتمع منفتح ولا مكان فيه للحواجز، وعليك وحدك أن تتحمل مسؤولية ما يحدث.
صدقوني، إن الأمر أكبر مما حاولت كتابته، وإنه الجرح العميق بالخاصرة، فهؤلاء الموفدات جزء من نسيجنا الوطني لابد من الحفاظ عليه، وما أوردته هو ما يدور هنا في نيوكاسل، حتى المفردات والصفات هي الصفات التي تستخدم هنا في هذه المدينة الإنجليزية. لقد قمت برفع الغطاء فقط.
أما فيما يخص التعليقات:
شكراً للإخوة المعلقين وللأمانة قمت بنشر التعليقات كلها دون حذف أي منها، والتي تفاوتت من تحليل فعّال وموضوعي لمشكلة حقيقية قائمة نغفل عنها (بغض النظر اتفقنا أو اختلفنا)، إلى القراءة السطحية على مبدأ (لا تقربوا الصلاة) والاختفاء وراء الأسماء المستعارة أو اللا أسماء، إلى الإهانة والتجريح والسباب، مع تعليق وحيد لـ"نسيم ليبيا" يلطف الأجواء مع ملاحظة أن هذا أول إدراج في مجموع الـ24 إدراجاً تصلني فيه تعليقات مجهولة الهوية وبدون أسماء أو تعريفات لأصحابها. ما الذي يعنيه ذلك:
1- أن هذه التعليقات لا تحمل أياً من أشكال المصداقية، لأنها تختفي وراء المجهول، والشجاع منها ذكر اسماً مجرداً كـ: حميدة/ الراجحي.
فهناك 12 تعليقاً هجومياً مجهولة النسب من أصل 22 تعليقاً، وتعليقان باسمين مجردين أو منكرين (بمعني غير معرفين من النكرة، حتى لا تفهم إنها من المنكر). (حتى تاريخ هذا الإدراج).
2- أن تكون بعض هذه التعليقات وردت عن شخص واحد، أو شخصين، تبادلا الكتابة، للشبه الكبير بين الأسلوب في بعضها.
3- أننا لا نزال نتخبط في حالة من البدائية يعكسها أسلوب مناقشة المعلقين للموضوع، وأننا أبعد ما نكون عن النقاش الشفاف السليم. الأمر الذي يميع طرحنا للقضية ويبعد الكثير عن مناقشتها بطريقة سليمة. وأنا لا نزال ندس رؤوسنا في التراب على طريقة صديقتنا النعامة، ونخاف من يعرينا أمام عيوبنا، نكرهها ونكرهه، نغطي (عين الشمس بالغربال) و لا نزال ننحدر إلى الأسوأ والأسوأ.
وعلى كل حال، أدعوكم لمعاودة قراءة الموضوع، والتعامل معه بشكل موضوعي وشفاف، لأن الكثير من التعليقات أعتقد إنها لم تتجاوز القراءة السطحية، ووقفت عند بعض النقاط. فمثلا:
- استنكرت بعض التعليقات استخدامي لمفردة (عانس) وأنا أتبعتها باعتذار، لكن الأمر في حقيقته أنه المصطلح المستخدم هنا في وسط المجتمع الليبي شئنا أم أبينا.
- كما وعلق البعض على جملة (ماحد يأمنلها تدخل بيته). كيف يمكنني إنكار هذا الواقع، فهن غير مدعوات للقاءات النسوية ولا الحفلات. في رمضان مثلا قد يدعوا الزوج زميله الموفد غير المصحوب (العازب)، وهذا يحدث كثيراً. أما الموفدة غير المصحوبة (العازبة) فلا بيت مفتوح لها.
- بعض التعليقات استغربت من تلميحي لما يتقاضينه من منحة شهرية، وإشارتي كانت أن هذه المنحة تفتح أمامهن الكثير ليفكرن بإجراء عمليات التجميل والتنقل والسفر الداخلي.
- أما مسألة الشرف، فالله يشهد أني لم ألمزهن ولم أقذفهن في أعراضهن، لأني أعلم مقدار الإثم الذي يلحقني جراء قذفي أو لمزي لهن. أما من نالني في تعليقه، فالله كفيل به. ومسألة الأسماء فقد أشرت في نهاية الإدراج، أن الأسماء المستخدمة هي أسماء مستعارة وغير حقيقية.
- بخصوص التعميم، أنا لم أعمم، أنا حددت منذ البداية المجتمع الذي أتحدث عنه، وهو الجالية الليبية المكونة من الطلبة الموفدين للدراسة ببريطانيا وتحديدا، مدينة نيوكاسل (أو كما تعرف: نيوكاسل التي على ظهر التاين).
- بخصوص الصدق من عدمه، خاصة لمن علق أنه لا يصدق ما أقول، فالله يشهد على صدقي وتوخي لقول الحقيقة والصدق، وسيحاسبني الله حال كذبي.
- في موضوع التفوق، أنا سعيدة لأن هناك متفوقون (شباب وفتيات) تحصلوا على فرصة إكمال تعليمهم بالخارج، لأن اللذين يتحصلون على البعثات هم أصحاب (الواسطات والكتوف العراض). الأمر لا علاقة له بالاجتهاد. خاصة في وجود أكثر من حالة لطلبة تخطوا مدة الإيفاد بكثير حتى وصل بعضهم لعشر سنوات لتحصيل شهادة الدكتوراه، ولم يتحصل عليها بعد. يعني: هذا خدى دوره، ودور اللي بعده.
- ثم لا أعرف إن كانت بعض التعليقات هي لموفدات للدراسة بالخارج، أو درسن أم لا؟
في الختام دعوني أدعوكم لقراءة ما كتبته مدونة (هايم في حب بلادي) حول هذا الموضوع تحت عنوان (الــعــريــس VS أخـتـى حـواء ... الـدراســه)، وأعتقد إن طرح صاحب المدونة، كان طرحاً موضوعياً. وأسرد لكم هذه القصة التي جرت في أحد اللقاءات النسوية. وكانت بمناسبة وضع أحد السيدات الليبيات لابنها البكر (السْبوع)، وتطرق الحديث إلى الموفدات غير المصحوبات (العازبات)، وهن كالعادة لم يكن مدعوات. فانبرت إحدى السيدات بالدفاع عنهن، كون أختها موفدة للدراسة بالخارج (بكندا)، وتعيش لوحدها، بعد شهر من صحبة أخيها لها. لكن أحدى السيدات أحرجتها بسؤالها:
- باهي، ترضوا تجيبوا كنه، قعدت سنتين أو أربع سنين تقرا بره بروحها.
صمتت السيدة، ولم تتكلم، وتحت الإلحاح أجابت:
- (هزت برأسها).. لا منجيبوهاش.

الثلاثاء، 19 أغسطس 2008

لا ترسلوهن: فماذا بعد إيفاد الليبيات العازبات للدراسة في الخارج؟

خروج الليبيات العازبات للدراسة في الخارج تدعمهن الدولة بمنحة لا بأس بها، أمر كان لا يعنيني لا من قريب ولا من بعيد، لعلني في العموم كنت أشجع تعليم البنات ودعمهن كما علمنا أبي نحن البنات السبع ووضع حدود لسطوة الإخوة الذكور وغير ذلك. مسألة مثل مسألة إرسال الفتيات لوحدهن للدراسة لم تشغلني مطلقا لآني كنت متزوجة من جهة، ومن جهة أخرى كنت سأفكر: أن هنالك فتيات الواحدة منهن بعشرة رجال، ومن جهة ثالثة اشتراط الشريعة لمحرم عند سفر المسلمة، ومن جهة رابعة البعثات وما أدراك ما البعثات موضوع يحتاج (واسطة قوية وكتوف عراض ما نقدرش عليهم).
أما لمن يتساءل عن سبب وجودي هنا في بريطانيا فليست بعثة تعليمية طبعاً، أنا مرافقة لزوجي الذي أرسل لدورة تدريبية عن طريق الشركة التي يعمل بها.
وهنا في انجلترا عند وصولي سمعت من الليبيات في نيوكاسل عن شخصيتين، الأولى سيدة ليبية أحضرت معها أمها التي ليس لها من الأبناء غيرها عندما أرسل زوجها للدراسة، والثانية فتاة ليبية تحضر الماجستير وتعيش وحيدة، فبيّت النية على البحث عنهما وأحببت آن أتعرف على هاتين الشخصيتين، وهنا بيت القصيد.

السيدة البارة بأمها قاتلت المستحيل لتحظي الوالدة بفيزا لدخول انجلترا، فذلك ليس بالأمر السهل فالزوجة مرافقة والأم مرافقة أخرى مع الأطفال وحكاية طويلة. أما الفتاة العازبة فهي حالة تمثل زاوية مختفية في مجتمعنا. عندما تعرفت عليها وجدتني أدخل عالم العازبات الليبيات الدارسات بالخارج من أوسع أبوابه، عالم مخفي أكبر من تكهناتي كلها، فلم اسمع يوما بفتاة خرجت للدراسة بمفردها. بل إحداهن كنت اعرفها جيدا، إحدى خريجات كلية الطب البيطري، عندما تحصلت على قرار الإيفاد، أرتني إياه، ستلتحق بإحدى الجامعات الكندية للدراسة وقالت إن أخاها سيرافقها، هذه الفتاة قابلتها هنا في بريطانيا بعد أن غيرت الجامعة وبدون أي اخ أو أخت مرافقة ، الذي يحدث انه ترسل العائلة المحافظة سواء أن كان ذلك الحفاظ والتحفظ شكلا او مضمونا ابنتها للدراسة بالخارج يسافر إحدى الإخوة معها وفي الغالب لا، حتى ترتب أمورها ثم يعود ويظل هناك شبح الأخ المرافق لأخته أمام الناس، غطاء اجتماعي واهن لكنهم يلجئون إليه، السؤال بعد كل ذلك.
ماذا بعد؟ماذا بعد خروج فتاة مسلمة أنهت تعليمها الجامعي لتلتحق بالدراسة للتخصصات العليا :الماجستير أو الدكتوراه ولم تتزوج؟
لن نكون مجحفين، فالزواج كما في عرفنا قسمة ونصيب لكن العنوسة البغيضة شبح يطوف على رأس الفتاة وإن تحصلت على أعلى الشهادات ستظل (العانس المنبوذة) التي لا يأتمنها أحد أن تدخل بيته. وهذه (العانس المنبوذة) -عذرا للوصف لكنه واقع الحال- تأخذ موقفا هي الأخرى من مجتمعها الذي وسمها بهذه الصفة فتحضي بشهادة عليا من بعثتها القاسية هذه وتقع في ألف مطب من أمراض نفسية واجتماعية وهذه هي الحكاية:
سميرة وسمية، فتاتان ليبيتان في نيوكاسل بسمعة سيئة، الجميع (الليبيون وتحديدا الليبيات) يتجنبهن وهن لهن الأيادي العليا في هذه السمعة السيئة، وبالرغم إنهن متحجبات إلا إنهن غير محتشمات لباسا وسلوكاً يضعن مساحيق الزينة كما في الحفلات التنكرية، ولا يفوتن فرصة للتودد إلى أي رجل ليبي بغض النظر عن ماهيته.
فتاة أخرى، نادية أفضل حالا من هاتان الفتاتان انكفأت على ذاتها وتقوقعت تقول (ما نبيش حد يجيب عليا كلمة) لكنها في ذات الوقت تحولت لشخصية لا أريد إصدار الأحكام المجحفة عليها، لكن يمكنني القول شخصية مستغلة جدا وماكرة وغطاء (ما نبيش حد يجيب عليا كلمة) برعت في إتقانه، فهي قد تقوقعت وتحوصلت على ذاتها واقعة في مطب يُأسف عليها منه جدا، ففي ظاهرها اللطف والوداعة والفتاة البريئة يتيمة الأم التي حاربت جبهة المجتمع بكامله لتحظى بفرصة إكمال تعليمها، لكنها في الخفاء وفي الوجه الأخر من الحكاية، غذت روحها بكم من الكراهية لهذا المجتمع وتحديدا لبنات جنسها من الفتيات المتزوجات، فبالرغم من مقابلتها لهن بكل بشاشة ورحابة إلا إنها لاتطيقهن وتتمنى لهن أسوء ما يخطر ببال بشر، فهي لم تزر أبدا صديقتها وزميلة أيام الدراسة بالمرحلة الثانوية بالرغم من كونهما يعيشان في نفس الشارع تقول: (لا يمكنني رؤيتها مع زوج وأطفال ثلاث. وأنا لا أزال قابعة في بيت أبي الذي أرسلني لبريطانيا وسمة عار على جبيني)، غير أن الأمر ليس بهذه البساطة أيضا وأيضاً.
فتاة أخرى لم ألتقي بها، تدرس القران الكريم في الجامع متطوعة، تقول (نادية) عن الفتاة (الشيخة) أنها وإن تطوعت لتدريس القران الكريم فهي لا تعمل به وبدون أخلاق وهذا وجه ثالث لهذه الحكاية فغير المجتمع والفتيات الدارسات بالخارج هناك حكاية الفتيات مع بعضهن، فهن لا يفوتن فرصة أياً كانت في تمزيق سمعة الأخرى، واللواتي يجتمعن معاً لتجريح أي فتاة أخرى متزوجة.
فقد حدث وأن أسهبت إحداهن معي في الحديث بالانجليزية بدون أن يكون لها أدنى فكرة عن ماهية لغتي الانجليزية، وأحسبها اعتمدت في ذلك على عدم إتقان الليبيات للغة الانجليزية، شعرت أنها تحاول إظهار الفروق بيننا، عصبة المتعلمات الساعيات للحصول على الشهادات العليا ونحن فئة المتزوجات، تركتها تفرغ ما في جعبتها لأجيبها عما كانت تتحدث عنه باللغة العربية، (اللغة العربية ليست صالحة هذه الأيام على ما يبدو).
لا ننسى انهن يتقاضين منحة لا بأس بها، ولا ننسى أن مرتباتهن في ليبيا في أحسن الظروف لن تزيد عن المائتين دينار، فما تتوقعون نتائج العملة الصعبة (1300جنيه إسترليني شهريا)، إنهن يدخرن المال لإجراء عمليات التجميل؟!! وخاصة حقن البوتوكس والسليكون لإخفاء خطوط الزمن وطبعاً في الخفاء أما كيف علمت بذلك فهي الصدفة صديقتي.
الموضوع ذا بعد أعمق مما يظهر عليه، العائلات الليبية تقاطع العازبات، فهن الفالتات من السيطرة في بلاد أجنبية دون رقيب أو حسيب، وهن اتخذن ردة فعل مضادة، يكفي أن تتعرفي على إحداهن وتقولي أنك متزوجة حتى تبدأ: (خيرك لا باس بكري بكري الواحدة تكمل قرايتها أنا خذيت الماجستير وتوا نحضر في الدكتوراه وموضوع الراجل مازال مش مفكرة فيه).
انتقاله لحال الفتيات العربيات هنا في بريطانيا وتحديدا نيوكاسل، في عمومهن لسن أفضل حالا، صديقة سورية تحدثني عن صديقتها البحرينية التي ترى أنها أفلتت من سيطرة العائلة وخاصة الأخ لتفعل ما تريد، ذاتها صديقتي السورية (هي أفضل العازبات التي عرفتهن على الإطلاق) جاءت إلى المملكة المتحدة على حسابها الشخصي دون معونة أو إيفاد لتكمل دراستها العليا، أمها تعمل معلمة وتدخر كل ما يمكنها لترسله لابنتها التي ذاقت المرارات كلها منذ وصولها وارتطامها بواقع مادي عنيف، ابتداء من السكن المشترك مع عائلات تسمي نفسها مسلمة (باكستانية وأفريقية)، حتى البحث عن فرص العمل غير المتوفرة للأجانب بشكل لائق، فمن خادمة إلى عاملة نظافة، إلى نادلة بمطعم (حلال) لسيدة إيرانية، أرتها الذل كله ودفعت لها أزهد الأجور.
صديقتي السورية (الكريمة) برغم ضيق اليد إلا أنها أصرت على استضافتي (عزومة مطنطنة) في أفضل المطاعم اللبنانية في نيوكاسل، هي عرفتني على فتاة سورية أخرى تقول: (يا ارض اشتدي ما حدا قدي) الفتاة السورية الفائقة الجمال الموفدة للدراسة في الخارجة ال ال ال تعاني ذات العقدة، عقدة العنوسة والقسمة والنصيب وبالرغم الفارق الثقافي الكبير بين مجتمعين مثل المجتمع الليبي المحافظ جداً، والمجتمع السوري الأكثر تحررا، إلا أنها ذات الأمراض الاجتماعية وذات العلل.
رجاء لا ترسلوا بناتكم وأخواتكم العازبات للدراسة بالخارج. وإن حافظت البنت على شرفها و دينها إلا أن الأمور أعمق مما تبدو عليه، أي نعم سنكسب والمجتمع، سنكسب كلنا عضوة هيئة تدريس، باحثة أو عالمة، تحمل درجات تخصصية عليا، لكنها ستعود كشبح، كذئب جريح، يحقد على مجتمع لم ينصفه (اجتماعيا). حتى وإن مددنا اليد لهن، فالوقت تأخر، وقد حاولت من كل قلبي. إنهن في طريق اللا عودة.
لا ترسلوهن للخارج.
_________
* الأسماء الواردة بالإدراج، أسماء وهمية لشخوص حقيقية.

الثلاثاء، 29 يوليو 2008

حــكايـات للغــربة_أخــبارنــا

إرسال الفتيات الليبيات بعثات للخارج: مع /ضد ما رأيك؟
عند سماعي أن ثمة فتيات ليبيات جئن لإتمام دراستهن هنا إلى نيوكاسل، والحصول على شهادة الماجستير أو الدكتوراه شعرت بالفخر والاعتزاز. الغربة تريك وجهاً آخراً لوطنك، وتحيطه من كل الاتجاهات، الرؤيا من بعيد تصغر الأمور التي كنت تراها عظيمة، وتريك الأجزاء من الكون التي غفلت عنها. أرى الزاوية الأخرى لعقول البشر، معنى آخر للحرية أو للتحرر، والأدق الانفلات، الشعور بغياب الرقابة في بلد لا يعرفك فيها أحد، لا سلطة للدين أو العرف ولا العائلة، العين هنا ترصد التفاصيل أكثر من عين الوطن.

لعلك تخرج يوماً لأحد شوارع طرابلس وتجد شاباً يترنح، قد يحدث ذلك لما لا، لكن بعد التفاته صغيرة سيخطر ببالك أهله، إخوته، جيرانه، ربما تأتي الشرطة وتلتقطه أو رجال غيورين على دينهم سيغرقونه في سطل ماء، لكنك في بلاد أخرى غير عربية وغير مسلمة يتصيدون لنا الأخطاء، لن يمر الأمر كذلك، ليس بتلك البساطة، فنحن نعطيهم السكين ليذبحوننا، والذرائع حتى يسموننا بالعالم الثالث وقد نحصل على ترقية في الأعوام المقبلة ونصير العالم الرابع.
ألاقي هنا أفكاراً غريبة، تعصب ونزعة عرقية لم أرها من قبل وهذان حادثتان مثال لما أقول: حضرت معنا درساً لتعلم اللغة الانجليزية فتاة جميلة، تدعى "إيمان" وطلبت منها المعلمة التعريف بنفسها فقالت أنها متزوجة وجاءت مع زوجها للإقامة هنا (forever) -وهي فتاة كردية-، فسألتها المعلمة من أين تحديداً فأجابتها من سوريا، وقالت أن لغتها الأم الكردية وتتحدث قليلا انجليزي وفرنسي، فسألتها بلهجتي الليبية: ما تتكلميش عربي؟ فأجابتني باقتضاب:لا لا

إن لم تتكلم العربية، كيف فهمت سؤالي وأجابتني بلسان طليق (أنا مسلمة)؟.
ليس هذا كل شئ، فتاة أخرى ليبية، كانت ستكتب لي شيئاً، فاعتذرت وطلبت أن تمليني وأنا أكتب، أو آن تكتبه باللغة الانجليزية، فاللغة العربية ليست لغتها؟، لغتها الأم الأمازيغية (الجبالية)، ثم الانجليزية، السؤال:
الفتاة موفدة من ليبيا للدراسة، فأين تبخرت السنوات الإثني عشر من عمرها التي مضت بين التعليم الأساسي والمتوسط، تدرس باللغة العربية، وديانتها الإسلامية، كيف تؤدي فروضها، كيف تقرأ القرآن، بالأمازيغية؟.
أنا لست ضد أي ثقافة، بل على العكس تماماً أرحب بكل الأعراق والأجناس لكن تحزنني هذه النعرة المقيتة، وهذا التنكر والتعالي على لغة لا ننسى أن القرآن نزل بها، وهذا ليس كل شئ: التحقت بمركز الـ)ـInternational House) لتعلم اللغة الانجليزية، وهي مؤسسة كبيرة، وفي المركز التقيت بشباب مختلطٍ هو من كل الدنيا وما يعنيني هم الطلاب العرب: من دول الخليج ومن العراق وليبيا، فتيات يرتدين ثياباً غير محتشمة وشباب غيبت الخمر عقولهم حتى تعجب الإنجليز لحالهم، خمر في وضح النهار.

بريطانيا كلمة عقيمة لا تلد، الناس هنا يتخبطون في حال من الذهول والفوضى الروحية، يركضون وراء وقت مرابي يسرق أيامهم ويعجزون عن دفع تكاليفه، وأموال رغم أنها (عملة الصعبة) لا تشبع بطن الغلاء الفاحش في هذه البلاد وتفاصيل من الارتباك ترويها حكاياتنا: سيدة مصرية مسلمة مقيمة هنا تفتتها المرارة فقد فقدت السيطرة على بنتيها المراهقتين، أفضلهما تعود لتبيت في المنزل، أما الأخرى فلا تطرقه بالأسابيع تقيم مع صديقها الانجليزي في بيته، سيدة مصرية أخرى أطفالها يتكلمون عربية بالكاد مفهومة بل لهجة مصرية بالكاد تفك طلاسمها.
معلمة تدرسني اللغة الانجليزية أخبرتني في حديث جانبي ذات مرة، أن والدها سوري (من سوريا) تزوج والدتها التي كانت انجليزية يهودية وطلقها، وهي بعد طفلة صغيرة لم تتجاوز الثامنة، وعاد إلى سوريا وأخذت هي الجنسية والديانة من أمها ولا تعرف والدها أبداً.
سيدة هولندية هنا، متزوجة من رجل ليبي منذ أكثر من ست سنوات اعتنقت الإسلام على يديه، وبعد عامين ونصف من زواجهما قال إنه سيذهب ليزو أهله في ليبيا، وذهب ولم يعد يكالمها هاتفياً، وهي في حال ارتباك هل تطلب الطلاق، أم تظل تنتظره فهو يعدها أنه سيعود يوماً؟.
سيدة انجليزية أخرى تدعى اعتنقت الإسلام على يد أحد الرجال الليبيين هنا في بريطانيا وتزوجا، وانتقلا للعيش في ليبيا، وغرقت في مشاكل (الحماة والسلف والسلفة) حتى طلقت بعد عشرين عاماً من الزواج، عاشتها في ليبيا وفي أصعب ما مر على ليبيا من ظروف. تقول بلهجة ليبية واضحة: مكتوب.. نصيب، أنا مسلمة لأني قريت القرآن وفهمت الإسلام، وعشان هكي بعد عشر سنين من الطلاق وأنا عايشا في بريطانيا. أنا محافظة على ديني. لكن الليبيين مش مسلمين مزبوط. الليبيين في واسطة وفي كذب ويقولوا بعدين حنا في مشاكل مع القذافي هم الليبين لو ما غيروش نفسهم كيف القذافي يتغير.