يا طفلي المذبوح على أرصفتنا لا أعتذر لك ، أحرقت قلبي وتركتني يتيمة
فاهرب من هذه البلاد ولا تلتفت لي فنحن أهلٌ لا يغمسون خبزهم إلا في الدماء فلا
نستحق أن تنادينا : أبي/أمي. كنا شر أمة أُخرِجت للناس حين ضاع الحق فينا، أُخرج
من هذه الأرض المسعورة واتجه شمالاً فإن وجدت باباً على سقفه اثنتا عشر نجمه صفراء
بشكل دائري على خلفية زرقاء فتمسك بعروته واطرقه ثم اطرقه حتى ان التفتوا لك قل
لهم: أرسلتني أمي وقالت لا تعود فالبلاد موت واعلم ياصغيري انهم كفار كافرون يمشون
عراة ويشربون الخمر ويجاهرون بالمعاصي والزنا والفواحش غير أنهم أعدل من حكم فلا يُضام
من استجار بهم ولا يشقون ميثاقاً ولا يقتلون ظلماً
هناك يا طفلي الصغير ستلعب بالدمى وتأكل الحلوى وتركض وراء ألإوز سترتاد
المدرسة في سلام وستحنو عليك المعلمة وستقف شرطية عجوز أمام مدرستك تساعدك على
عبور الطريق فوق الخطوط البيضاء، هناك يا طفلي لا يقتلون الأطفال في العيد ولا
يرشونهم بالمبيدات وإن تبنتك عائلة فسر معهم واسمع لقولهم وتعلم ما يعلمونك ولا
تخف فإن لم يعدلوا فاشكوا لمعلمتك فإن لم تعدل فاشكوا لمديرك فإن لم يعدل فللقاضي
فإن لم يعدل اطرق باب حاكمهم فهو عادل لبيب قائم بشؤون شعبه ودولته.
يا طفلي الصغير لا تذكرني ولا تحن ولا تبكي، فأنا امرأة ارتضت المهانة
فأهانوا من انجبت وأبوك فقير تعس يركض وراء دراهم معدودات ليشتري لنا بها خبز يبُول
عليه حاكم هيئته كهيئة الرجل وقلبه قلب شيطان ونحن نسمع ونطع، فاهرب يا طفلي مادمت
طفلا لا سمع له عليك ولا طاعة فلا ينتظرك هنا سوى الموت.
ياصغيري إن أخذك الموت لن تعود وهو ليس سيئاً غير أن الحياة جميلة
وأنت من حقك أن تحيا فبأي ذنب تموت، يا صغيري نحن قوم الجلابيب لا تجزع إن صفع
أبيك أُمك وركلها وشتمها وبصق عليها فلا يزال حذاء رجل الأمن مطبوع على مؤخرته
وخصيتيه محروقتان بالسيجار.
قد خرجت (هاجر) الجارية ذات يوم تحمل بين يديها الرضيع (اسماعيل) تلحق
بأبونا (ابراهيم) تمشي ورائه، حتى إذا بلغ بها أرضاً لا زرع ولا ماء ولا طير ولا
ظل تركها وراح يبتعد و(هاجر) كانت طاهرة شريفة بين يديها طفل، تلحق بأبونا
(ابراهيم ) مذعورة، تسير وتتعثر، تناديه: لمن تركتنا يا ابراهيم..لمن تتركنا؟!.
فقال: تركتم لله. كان أبونا (ابراهيم) نبياً، فأحاط الله عائلته بعين الرعاية. من
يفهم فجيعة أم تركض بين جبلين وطفل جائع يبكي وأرض خواء. اركضي يا هاجر الى جبل
الصفاء، اركضي ياهاجر الى جبل المروة، أيُ نارٍ تحترقين بها وصوت صراخ الطفل
الجائع يفتُ الكبد، أي ضياع ذقت لوعته حتى أسقاك الله (زمزم) ومنذ تلك الأيام يا طفلي،
منذ أكثر أكثر من الف عام ربما ألفين ونحن يتركنا رجالنا غير أنهم ليسوا أنبياء
ونحن لسن مثيلات (هاجر).
يا صغيري منذ أكثر من ألف عام رأى أبونا (ابراهيم) انه يذبح الصغير
(اسماعيل) وأطاعه الطفل، يا فجيعة هاجر المكلومه وذعرها، غير أن (ابراهيم) كان
نبيا ودعاء (هاجر) مسموع فأنزل الله الفداء ليُذبح بدل الولد، هل فهمت الان يا
طفلي لماذا نحن نذبح أولادنا في هذا الزمان، لأننا لسنا أنبياء نذبح أولادنا ونذبح
الفداء فلا نترك شيئا من رائحة الشواء، ويهرول الملايين منّا بين الجبلين في كل
عام ونحمل زجاجات ماء (زمزم) هدايا نتضرع ونبتهل عن كل جرعة نحتسيها من الماء
المبارك ونتمنى الأمنيات ونغفل أن (زمزم) كان من أجل أم وأن السعي بين الصفاء
والمروة من أجل أم وأن الفداء نزل لكي لا يُذبح الولد. اهرب يا طفلي فنحن نذبح
أولادنا ولسنا انبياء.
هناك 3 تعليقات:
وحتي أنا ياصديقتي أريد أنَأفر ,,,أليس من حقي أن أعيش يومين جميلين ..سفحت عمري وأنا أقول ...سأفعل ما بوسعي وحتما سيشعرون .....نعم يا صغيرتي ,,,علينا أن نفر جميعا فأرض الله واسعة ..والله يعلم أننا حاولنا ...ولكنهم يتكلمون باسمه ويقتلوننا باسمه ....ياحبيبتي هيا جميعنا إلي بلاد الكفار ,,الكفار الذين سيتركوننا نمارس كل شعائرنا بحرية
ما أجمل تعبيرك.. عن حالتنا المأساوية .. جميلة هي الفكرة .. أعجبتني جدا .. أهنئك عزيزتي .. على هذا البذخ في المشاعر والكلمات الرنانة..
نسأل الله أن يزيل الغمة .. ويجلي الظلمة .وأن يعم العدل أرجاء البلاد..
لك تحياتي ..
تعبيرك جميل جدا استمري علي الكتابة مع تمنياتي لك بالتوفيق
إرسال تعليق