ذات عشية، كُنا نتجول في ميدان الشهداء فوقعت عيني على قطعة مرمية على الأرض وهي ربطة معصم مصنوعة يدوياً من الصوف وبألوان بهيجة وحين التقطتها وجدتها (العلم الأمازيغي) فاحتفظت بها وحين عدت لمنزلي علقتها عند المدخل بالقرب من علم الإستقلال وكانت دائما محل تساؤل لكل زائر تقريبا يدخل بيتي أما الضيوف الأجانب فإنهم يسألونني مباشرة لحظة وقوع أعينهم عليها: هل أنتم أمازيغ؟. أنا لستُ (أمازيغيه) وبداية معرفة حقيقية لي بــ(الأمازيغ) كانت من خلال صديقتي (هالة) وفي الحقيقة (هالة) أيضاً ليست (أمازيغية) إنما والدتها التي تزوجت من رجل (عربي) في وقت لم يكن هذا سائدا أو مقبولاً حتى!، وهذه حكاية تستحق أن تُروى، فوالدة (هالة) التي لا أعرفها الا من خلال الهاتف ذات صوت رقيق جميل يصلح لاداء أصوات الفتيات الجميلات اللواتي يقعن بين براثن الساحرة في أفلام الكرتون، اسلوبها لبق ومهذبة ويقال أنها جميلة، خريجة كلية الهندسة قسم الكهربيه، تزوجت من رجل (عربي) وسيم هو (الباشمهندس محمد) فأنجبت له ثلاث بنات وشاب ورثوا عن والديهم الأدب واللباقة. جد (هالة) لأمها أو (جديدة) كما تعودت منها أن تناديه وافته المنية قبل أن تتحقق أمنيتي بلقائه رحمه الله، كان أحد الشهود العيان اللذين حضروا كلمة الشيخ (زايد آل مكتوم) عندما أجريت له عملية على عينه في مستشفى (انذير) الخاص والتي تمنى فيها أن تصبح (دبي) يوماً ما مثل طرابلس، (جديدة أو جد هالة ) كان رجل مستنير واسع الثقافة فلا أزال اذكر أن هالة كانت تستعير منه الكتب وبعضها عليها توقيعات من كُتاب وشخصيات معروفة زَوّج ابنته الى عربي في وقت كان الكثير من الليبيين يحافظون على نقاوة العرق فلا يختلطون بدماء أخرى عن طريق النسب، كانت (هالة) ولا تزال صديقتي العربية الامازيغية.
كُتِب علينا كجيل وُلِد تحت حالة من الرجعية الفكرية أن نكتشف المفاهيم الحضارية بأنفسنا ليتعرى قبح أن تكون متعصباً لجنسك أو لونك أو عِرقك، أن تزدري الآخر لأنه أمازيغي أو عربي، أن ترفضه وتنبذه لأنه (تارقي) وتعيبه لأنه أسود (تاورغي) وكثُر من ينادي بأن تاورغاء أفارقة سود وعليهم العودة لأفريقيا ؟!. وصفها الرسول الكريم بأنها (منتنة) أي العصبية وفي هذه الأيام الكثير من النتانة والعفن تفوح من وجوه ضربها القبطي الذي سار من مصر الى جزيرة العرب حتى يلتقي سيدنا عمر بن الخطاب ويشتكي له أن ابن عمرو بن العاص ضربه بالسوط وقال له :( أنا ابن الأكرمين). فاستدعاهما عمر بن الخطاب على عجل ووضع السوط في يدي القبطي وقال له اضربه واضرب أبوه فقد ضربك بسلطانه. كم من السياط نحتاج الان لنصفع وجوه نتنة قبيحة تنز عنصرية وقبلية بشعة.
في طفولتي الباكرة جيراننا في (الزنقة الورانية) كانوا (جبالية) يتكلمون لغة خاصة بهم، بيض البشرة وعيونهم ملونة وليسوا على تواصل مع جيرانهم العرب، كنت طفلة ألعب والذاكرة تختزن، وفي الجامعة كانت لي زميلة (أمازيغية) ندرس معاً غير أنها إذْ التقت إحدى بنات عِرقِها تنقطع للحديث معها باللغة الامازيغية غير مهتمة بوجودي وما كان يضايقني حديثها بلغتها غير أن اسلوبها الفظ في استعمالها هو ما جعلني أبتعد عنها. أذكر زميلات أخريات كن يبدأن في غيبة إحدى الفتيات بمجرد أن تغيب فقط لأنها (زوارية) ولا يدخرن جُهدا في الانتقاص منها ومن عِرقها. وحدث أن وجدت نفس الاسلوب من نساء (بولنديات) كُن يدرسن معي اللغة الانجليزية في بريطانيا وكنا نجلس في مجموعات تتكون من ثلاث الى اربع اشخاص في فصل دراسي به 22 طالب 17 منهم بولنديون ( 16 إمرأة وشاب واحد) لذا كانت فرصة وجودي في مجموعة كلها بولنديات كبيرة وكن يتناقشن بينهن اسئلة درس اللغة الانجليزية باللغة البولندية غير معيرات أي اهتمام لوجودي وأن الدرس هو درس انجليزي وليس بولندي وفعلا كنت قد حفظت بعض كلمات بولندية منهن مثل (تشا تشا ) والتي تعني مرحباً، اكتشفت لاحقاً أنهن تقريبا جميعا يفعلن ذات الشئ مع الجميع ولم تفيد الشكوى للمعلمة فقاطعتهن وانتظمت في مجموعة مع (تشيكوسلوفاكية) كانت تعاني من نفس المشكلة معهن وشاب (كردي) ورابعتنا بولندية مهذبة.
وفي بريطانيا أيضا وفي محاولة مني لعمل تحقيق صحفي عن المدرسة الليبية البائسة في (نيوكاسل) أجبْن المعلمات عن أسئلة التحقيق عدا واحدة أعادت لي الاسئلة طالبة مني ترجمتها للغة الانجليزية لأنها لا تفهم العربية فهي (أمازيغية) ومن خلال حديثي معها عرفت أنها خريجة كلية العلوم جامعة (طرابلس) وأنها وُلِدت وعاشت كل عمرها في ليبيا وأتمت تعليمها في المدارس الليبية مما يعني أنها كانت تدرس باللغة العربية وهي مبتعثة لتحضير رسالة الماجستير في الرياضيات من الدولة الليبية. السؤال الذي لم تجبني عنه حين سألتها إياه هو: بأي لغة تصلين وتقرأين القرآن؟
في الحقيقة جميع الأطراف مذنبة إلا ما رحم ربي، ولا سبيل لنا للعيش في سلام إلا إذا ارتقينا بأرواحنا عن هكذا دنس.
خرجت مظاهرة (الأمازيغ) للمطالبة بحق دسترة اللغة الأمازيغية، المظاهرة كانت مصرح لها ولن أخوض في هذا الشأن إنما سأخوض في السلوك فقد انتهت المظاهرة بأفعال شغب وعربدة وتحطيم لمحتويات المؤتمر الوطني وهذا ما أثار استياء الجميع، لكن هناك وجه آخر للقصة، وجهٌ (أمازيغي جميل) يقول السيد شكري في يومياته على صفحته بموقع (الفيس بوك):
يوم امس دهبت باكرا امام الموءتمر و بداء الناس بالوصول و بعض وسائل الاعلام و كانت هناك سيارات توزع الماء البارد و كان هناك معرض للصور التاريخية و السياحية و اللوحات الفنية و بعض نشاء السياحة و التاريخ تشرح للحضور الامازيغى و العربى عن تاريخ الامازيغ و صلتهم بالعرب و الحب الدى يجمعنا كانت مظاهرة رائعة راقية و بدات استخدم اكياس القمامة السوداء لتجميع العلب الفارغة و زجاجات المياه الملقاة لما يقارب 3 ساعا ت حتى انقصم ظهرى و انا لست بصغير السن و كان همى ان تنجح هده التضاهرة و فجاءة بعد بيان المجلس الاعلى للامازيغ الدى تلاه السيد زكرى و دكر فيه ان الموءتمر رفض المدكرة و مطالب الامازيغ ولم يحترموا ليبين اتو من الاف الكيلومترات و منهم شيوخ و عجائز حدث اطلاق نار فى الهواء من حرس الموءتمر لاخافة الجمهور وكان هدا بداية الفتيل حينها هجم صغار السن على مدخل الموتمر و تهشم الزجاج الامامى و دهبت ادراج الرياح كا ما قمنا به نتيجة تحريض بعض المغرضين بصغار السن من الامازيغ و استفزازهم و لعدم وجود قيادة فعلية حدث ما حدث و انا اسف على كل شىء بالدات ظهري الدى يوءلمنى اليوم بعد عمل انتهى الى فوضى و الاف من العلب المتناطرة فى الطريق و تم خداعنا مرة اخرى من قوى تعرف كيف توءجج النار و تدعو الى الفوضى ما حدث يتطلب من الامازيغ اعادة الحسابات و تغيير ما يسمى بالمجلس الاعلى للامازيغ و الاعتدار من امانة الموءتمر عما بدر من بعض شبابهم و اشدد هنا ان الحرس المكلف بالعمل تعامل بكل رقى و لطف مع الجمهور و استخدموا كل درجات ضبط النفس)./ انتهى كلام السيد شكري.
هذه قصة المظاهرة (الأمازيغية) بل هي قصة ليبيا كلها وذات السيناريو يتكرر كل مرة بوجوه جديدة ومسميات مختلفة، وهذه حكاية الرجل الطيب الذي انحنى ظهره وهو يحاول حتى اللحظة الأخيرة أن يرسل رسالة سلام ليس لليبيا فقط بل للعالم، أن يترك ورائه أثراً طيباً بل وطلب من أهله الاعتذار عن السلوك المتهور اللامسؤول الذي قام به من يُحسب عليهم، إقرأوا ما كتب هنا:
(على المجالس المحلية الامازيغية الاجتماع و تغيير المجلس الاعلى للامازيغ و تكوين قيادة جديدة تتحمل المسوءلية و التقدم باعتدار الى الشعب الليبى عن حادثة الاقتحام الموءتمر و البدء بسياسة جديدة للمطالبة بدسترة اللغة و ترسيم الحق الامازيغى لنثبث اننا فعلا جزء من النسيج الاجتماعى الليبى بما فيه حتى من ( عفسات).)
ثم هنا أحد الردود:
(
Arebi Nezdef البحث عن الحقيقة مطلوب....ما الذي دعا خالد زكري لذلك التصرف ؟
Arebi Nezdef وهل اعتذر من قبلكم ؟ الشعب الليبي......؟ ما الذي قدمه الشعب الليبي لهذه القضية ؟
14 August at 16:22 )./انتهى كلام السيد عريبي.
لا أفعل هذا من باب التشهير بالأخ (عريبي) ولا من باب التملق للسيد (شكري) فأنا لا أعرف كلاهما ولا لي مصلحة في هذا الا كلمة حق أسأل الله أن يوفقني لقولها وأريد القول:
أنا كريمة الفاسي مواطنة ليبية عربية أعلن بالأصالة عن نفسي وبالنيابة عمن يقبل بي ممثل له، أني أعتذر وأني حزينة ويوجعني كثيرا ما طال الثقافة والقومية الأمازيغية من تهميش وظلم ليس المُسيس من جهات الدولة فقط بل أيضا الاجتماعي منه وأن كل مزايدة من ليبي على ليبي آخر بسبب عِرقه أو لونه أوغيره هو كما قال رسولنا الكريم عمل نتن وقبيح. وأنا ادعوكم (لطلب صداقة السيد شكري ) لندعم الحق فينا وبيننا فكفانا خذلاناً للمخلصين من أبناء هذا الوطن. وهذا رابطة صفحته على الفيس بوك https://www.facebook.com/shukri.s.ftis?fref=ts
وهذا كلام آخر له:
رسالة اخيرة الى الامازيغ مجسلنا الموقر لم يدلى باى بيان للان عما حدث من انتهاك لشرعية الموءتمر الوطنى العام لمادا ام ينتضر تعليمات من الخارج لسنا نحن من يجرى بنا اى كان بمسمى الامازيغ نعم انا امازيغى من زوارة واعتز بهدا لكن اعنزازى ب ليبيا قبل كل شىء اعتزازى بالاسلام دينى و الحمد لله اعتزازى بطرابلس عاصمتنا الابدية الان ساقول اثنثان من النقاط كانت غصة فى حلقى الان طفح الكيل لا يزايد على احد فى الامازيغية و لا تدكروا اى من الابطال السابقون امامى لان اول شهيد امازيغى فى ثورة 17 فبراير المجيدة هو اخى و سندى الشهيد جما ل سعيد فطيس الدى استشهد فى ميدان الجزائر يوم 25/2/2011 وهو يردد بالروح و الدم نفديك يا بنغازى و الثانية هى انا من اول الناس اللدين دخلوا جبل نفوسة من تونس لاغاثة الجرحى و نقلهم الى
المصحات فى تونس و حينها لم يكن هناك امارات ولا قطر و لا مخيمات اغاثة الدهيبة و بس اين امازيغ تونس و الجزائر و المغرب و مالى لمادا لم ارى معونات للامازيغ غداء ادوية خيام عيره نحن و العرب كلنا ليبيون خلقنا الله تعالى متساوون فى الحقوق و الواجبات ليبيا امنا و ليبيا وبس لم ارد ان اكتب ما كتبت للمفاخرة لان من يحب يعطى بدون توقع المقابل من اراد ان يحترم هدا الراى فمرحبا به ومن اراد غير هدا اقول له اقطع علاقتى بك انا امازيغى ولكن كل مدن ليبيا و اهاله اهلى وادعو العلى القدير ان يشفينى من داء الفيس بوك حتى ارتاح و اريحكم و دمتم انتم اهالى فاعدرونى لقد تعبت و الله تعبت و اتعبت من حولى استودعكم الله.)/انتهى كلام السيد شكري.
المصحات فى تونس و حينها لم يكن هناك امارات ولا قطر و لا مخيمات اغاثة الدهيبة و بس اين امازيغ تونس و الجزائر و المغرب و مالى لمادا لم ارى معونات للامازيغ غداء ادوية خيام عيره نحن و العرب كلنا ليبيون خلقنا الله تعالى متساوون فى الحقوق و الواجبات ليبيا امنا و ليبيا وبس لم ارد ان اكتب ما كتبت للمفاخرة لان من يحب يعطى بدون توقع المقابل من اراد ان يحترم هدا الراى فمرحبا به ومن اراد غير هدا اقول له اقطع علاقتى بك انا امازيغى ولكن كل مدن ليبيا و اهاله اهلى وادعو العلى القدير ان يشفينى من داء الفيس بوك حتى ارتاح و اريحكم و دمتم انتم اهالى فاعدرونى لقد تعبت و الله تعبت و اتعبت من حولى استودعكم الله.)/انتهى كلام السيد شكري.
في صفحة السيد شكري الكثير من النقاشات الحساسة عن موقف الامازيغ الوطني قبل وبعد ثورة فبراير لكن للسيد شكري ولآخرين نبلاء على صفحته كتبت هذه التدوينة والقصد منها إذابة الثلج المتحجر على عقليات لا تمل فتنة ومزايدة، للذين يشمتون أو يتشفون أو يزدرون ما حدث في مظاهرة الأمازيغ، أقول لهم: كفوا ألسنتكم. كفانا فرقة وشتات، إنها ليبيا وإن طال النضال*( الشهيد عبد السلام المسماري)
هناك تعليقان (2):
السلام عليكم
لا فُض فوكِ، بالفعل هي "مُنتنة" كما قال المعصوم صلوات الله و سلامه عليه.
أنا من محافظة "أسوان" في صعيد مصر (الجزء الجنوبي منها)، و في الزمن القديم كان أهلي من الصعايدة يرفضون مصاهرة النوبيين (الذين يعيشون في جنوب مصر و شمال السودان) و الأسوانلية (يُقال أنهم من نسل المماليك الذين استوطنوا محافظة أسوان)؛ للحفاظ علي نقاء سلالتهم المنحدرة من القبائل العربية الحجازية، و كان النوبيون و الأسوانلية يفعلون المثل،
بل و كان النوبيون و الصعايدة يحصرون زواجهم في أقاربهم أو قبائلهم زيادةً في التعصب و الجاهلية السوداء !
أما الآن فقد اختلف الوضع: فقد زاد عدد البنات إلي درجةٍ كبيرة، فاضطر الجميع للسماح بالزواج العابر للعرقيات، و ما لم يأتِ تديناً جاء غصباً !
كنتُ قد كتبتُ مقالاً عن كون الإسلام هويةً أولي للمسلمين، تهدم كل الفروق العِرقية و اللغوية و اللونية و الحدودية بينهم، و ها هو ذا رابطه حتي لا يصير الرد طويلاً بما لا يُحتمَل:
http://afkar-abo-eyas.blogspot.com/2013/07/blog-post_29.html
أهلا وسهلا بك أخي الفاضل وائل حسن.
نعم الغباء والتخلف لا دين لهم ولا هوية ولن تنهض أمة يثقلها حمل الكراهية
وما حدث في مصر يحدث في ليبيا وغيرها
شكرا على مرورك الكريم وشكرا على المقال
إرسال تعليق