الأربعاء، 20 أكتوبر 2010

عاجل: تضامناً مع (شبشب) الاخ الشلماني في سيرة (الشباشب) الليبية:

راح الشبشب والطاقية
ليست إلا نصرة للحق وإعلاء اً لصوته وما قد يظنه الساذجون (شبشب) دينار ونصف، كل مواصفاته انه نايلوا وابو صبع، أراه رمزا من رموز العدالة!

(شبشب راح من الجامع)، أنها قضية، نعيشها كل يوم بصور مختلفة، العامل المشترك فيها، شاهد وحيد، يملك الرواية كاملة، سخره الله، ان يكون موجوداً في كل مكان، في الجامع ، في البيت، في السوق...الخ، أينما تشاؤون، أما انه بدينار ونصف و(نايلو)، فهذا هو سر مكانته، ففي موجة غلاء المعيشة والتضخم الاقتصادي وحالة الفساد المزرية في كل قطاعات الدولة الصحية والتعليمية والإدارية والفنية وسموا ما شئتم، فلا ملجأ إلا الله ومن بعده (شباشب الصبع)، ويا خوفي ما عاش نقدروا الحقوا عليهم حتى هما ؟!
ليست سابقة أولى أخي الشلماني اختفاء شاهد الإثبات الوحيد، وضياع أو اختطاف (شبشب من فصيلة الشباشب) في مجتمعنا الليبي، فقد صارت ظاهرة مألوفة، ابتداءاً من صلاة الفرض في جامع (ابو سنينة) الى عزومة حوش عمي وسهرية حنة بنت جيرانا، والناس مش ملحقة، يقولوا الطايح مرفوع وقصدهم الشبشب مرفوع لا تعرف أول من آخر. أما الوجه الآخر للظاهرة (الشبشبية) في ليبيا، فليست فقط أن يُسرق أو يُخطف أو يُنسى أو لنكون منصفين، قد ُيأخذ بسبب الخطأ، لتشابهه مع بقيه أبناء جنسه من (شباشب) سوق نادي الاتحاد وسوق بوسليم ولربما كما حدث معك أخي الشلماني، حسن النية والزهد في متاع الدنيا برر (لعمي الحاج) أن ياخذ (شبشك) ليتوضأ، مع أنني استغرب قوله انه الوحيد (النايلو) في كومة أحذية العباد. ما أريد التنبيه له أن الوجه الآخر للوضع (الشبشبي) في ليبيا هو استعماله كأداة للجريمة و وسيلة للقمع وغالبا ما يترك كدليل إدانه لا يهتم به القانون الليبي الوضعي ولا يأبه له (يجب تغيير القانون وتعديله). وهنا اطرح قضية لا تسمح لي صاحبتها(خيرية) بها، فمنذ أكثر من عام أحاول معها لكنها تأبى و لا تقبل إلا بيسير ما سأخبركم به وتقول: لا أريد ان أترك رواية وقصيدة تخجل ولداي عمر وبهاء عندما يكبران ويعقلان ما حدث. وأسوق ما سمحت لي به هنا مواساة لأخي الشلماني في فوات فرصة الحج لهذا العام له ولوالدته أطال الله عمرها، عوضكما الله خير،( وان شاء الله خيرها في غيرها).
راح الشبشب والطاقية
دبار عزوزي المدعية
منين نخصتي وقت غذانا
رشقتي المغرف جيتي حدانا
بندرتيلي وقلتي هيا
بيت مصكر ع الدرية
وكان لقينا حتى ولية
نتوكوا فيهم جملتنا
ونزروهم من قطرتنا
والخونة راهو صنعتنا
ما تخمم واجد لاشوية
ورااااااح الشبشب والطاقية.................وللقصيدة بقية لا تسمح لي صاحبتها بها. وخيرية حاضنة لخمسة أطفال في بيت الزوجية، هجم عليها أهل طليقها رجال ونساء في وضح النهار ليفتكوا منها البيت وليلقوا بها مع أطفالها في الشارع وقد خدعت الجدة (ام الطليق) الطفلة (حفيدتها) حين دقت الباب وقالت: افتحي انا عمتك خديجة، والعمة خديجة هي الجارة الصديقة لهم، وحاول العمان وزج العمة والجد اقتحام بيت الحضانة بالفؤوس والبلطات و الذي حكمت به المحكمة وإلقاء العائلة في الشارع لولا ستر الله و وجود الخال داخل البيت وتواجد أبناء عمومة الأم بالقرب من المكان فدارت معركة طاحنة في الشارع، وطبعا (بعيد السو والشر) أن تصل الشرطة فتحطمت سيارات وتكسرت نوافذ وانتهت المعركة بأن انسحب المعتدين ولم يبقى من أثر لهم سوى (شبشب وطاقية الجد) الذي فر وتركهم وراءه، فقرظت خيرية شعرا على لسانه يتحسر على (شبشه وطاقيته) ويلوم (عزوزه) التي زينت له سهولة اقتحام البيت والاستيلاء عليه.
حكمت المحكمة ببيت ونفقة مستعجلة لم تقبض منها الام أي دينار ولاربع سنوات وتعيش مع اولادها وبناتها القاصرين في كفالة والدها وأخويها متخوفة من أي حركة غريبة حول البيت، قد تُنبأ بهجوم آخر، خاصة وأنهم نجو بفعلتهم في ظل قانون لا يستشهد بالـ(الشباشب) ولا يعتبرها ادلة قاطعة فيضيع فيه حق (الولايه).
قالت ليبيه ذات يوم: شيعت عيني روحت مليانه حق الولايه ياخذه مولانا ( ومن بعده الشبشب ان شاء الله)
لله الامر من قبل ومن بعد يا شلماني ويا خيرية

الثلاثاء، 19 أكتوبر 2010

يوميات الـــ(Open Door)/2

صباح انجليزي بارد وضبابي ورذاذ المطر يرش وجوه المارة، تقع جمعية الــ(Open door)الخيرية على ضفة نهر
(التاين)، تطل من جهة اخرى على دار الأوبرا ، وطريق طويلة تصل بين بيتي في (فنم وبين شارع مالبورو)اقطعها
سيرا على الأقدام خمسة أيام في الأسبوع مستمتعة ومتبرمة في ذات الوقت، فلا أجمل من السير في جو غائم ومنعش
بعيدا عن حرارة الشمس الملتهبة والعرق والعطش والـ(معاكسات) فلا من يقطع طريقك ولا من (يحذفلك رقم الموبايل
و لا قلة ادب) وان قد حدث معي بعض المضايقات العنصرية بسبب حجابي وهيئتي المسلمة أما (جماعة اللصيقة
والبرادة منقرظين هنا).

لا شيء غير تعب منحدرات الطريق التي تشبه سياج قطار الملاهي المعلق فكأنك تمشي على وجهك تارة وكأنك تتسلق جدار
جبل منحدر تارة أخرى وتصل الــ(Open door)، مصعد صغير وقديم جدا يتسع لأربعة أشخاص يجاوره الدرج
طلوعا على يسار دخولك من الباب الرئيسي
لا يفوت مالكوم أبدا الترحاب بكل القادمين/ يسألنني كيف كان ال(week end) ومن صفاته براعته في إيجاد
موضوع ما يشوقك للتعاطي فيه ويحفز لغتك أن تتدفق، يسألني عن زوجي رامز الذي تعاون معه كمساعد في بداية
ترددي على المكان، فقد كان يصطحبني هناك ويبحث عن شئ ما يشغل فراغه حتى انهي الدرس فالمكان بعيد وأنا اجهل
مساربه إلى أن اقترح عليه مالكوم أن ينضم لفريقه.
في أول نصف ساعة من اليوم الدراسي ، يضع مالكوم ومساعديه صورا على الحائط ويسحب كل طالب حال وصوله
ورقة بها قائمة من الأسماء أو المسميات التي تصف الصور، وعلينا وضع رقم الصورة المناسبة للكلمة أمامها. ثم
يجمعنا معا لنناقش الصلات بين الأسماء وأرقام الصور ولا يخلو الأمر من بعض الفكاهة والضحك وقد يتم استثارة
موضوع ما للنقاش عن طالب جديد من أي بلد أتى؟ أو عن صنف طعام فكما يقول مالكوم وكما تذوقت فهو طباخ
سألنا اليوم إن كان هناك من يعاني من الــ(Home sickness)/ الحنين للوطن.
لن ادخر إجابة عن سؤال كهذا، إلا أن طرح مفهوم الحنين إلى الوطن في رحاب جمعية خيرية اغلب المترددين عليها من
اللاجئين والفارين السياسيين له محاذيره.
يقول الشياشاني وزوجته البارعة الجمال: لا شيء اشتاق إليه في وطني لقد قُتلت عائلتي ودُمر بيتي، رأيته يحترق
بعيني، نجوت مع زوجتي وابني ذو السبعة أعوام بأعجوبة ولا أريد أن أتذكر أي شي عن مكان قطعت ألاف الكيلومترات
فارا منه يلاحقني الموت.
تقول ام ماهر: أنا وطني فلسطين، الانجليز أعطوه لليهود وما عندي وين اروح يا تعطونا الإقامة يا هينا قاعدينلكم
لا إجابة من الأفارقة، غريب أن لا يشعر المرء بأي عواطف سلبا أو إيجابا اتجاه ما قد نسميه وطنا ولربما مجازاً.
نسيم: إيراني كردي أو كردي عراقي أو هو أفغاني طاجكستاني أو هو كل أولئك، لم افهم تعدد جنسية هذا الرجل أبدا،
يرتدي أزياء البتلز الستينية العتيقة بقميص مفتوح حتى ثلثي الصدر وشعر مشبع بالكريم يصففه على الجانب الأيمن
يلصقه بنصف وجهه ويتكلم بلكنه بطيئة جدا و(يمضغ اللبان)، لا انتماءات وطنية له على الإطلاق فيما يظهر .
توشوش في أذني زميلة إيرانية وتقول بلكنة انجليزية مسحوب آخر مقاطع كلماتها بمد الياء مثل كريمة تصبح :كريمه ي ي.
انت تعرفي ان مالكوم يتعامل مع المخابرات الانجليزية؟، وانه يكتب في تقارير أمنيه عن الطلاب اللي يقروا عنده؟ وان
هذا اللي يدير فيه كله علشان يقدروا يعرفوا ظروف اللاجئين الحقيقية ومن يعطوه اقامة ومن يروحوه لبلاده.
تنشر(ميراندي ي) الإشاعة في الفصل حتى تتردد إلى سمع ام ماهر فتطلب مني ترجمة حرفية لما تدعيه الميراندي ي
وافعل.
فتكش (ام ماهر) وتزفر نفسا عميقا مصدرة صوتا استنكاريا عاليا: إييييي ي ي!!!
خلص تعالي نروح نحكيله انا كشفناه وكشفنا عمايله
ام ماهر ما ديريش فيها شارلك هولمز لا كشفناه و لاشي، راجل يقري فينا وما شفنا منه الا كل خير خليك من اشاعات
المرا هذي، هذا كله كذب.
يعني المخابرات الانجليزية بدس جاسوس عليكم ساعتين في الاسبوع علشان تشوف حنينكم للوطن كيف شكله، وهي
الحكومة البريطانية لو بتلزكم شن يمنعها.
يسألني مالكوم: لو اود التحدث عن ليبيا ما أخبرهم؟: أجبته إنها حضارة ثلاثة الآلاف سنة قبل ميلاد المسيح واسعة يكاد
لا يصل شمالها جنوبها مع مفارقة البحر والصحراء تكلمت عن لبدة واكاكاوس، لم أكن غزيرة المعلومات كما ظننت،
تمنيت لو أنني كنت مطلعة بقرب عن تاريخ ليبيا القديم وبشكل أفضل، خاصة مع شعوري أن الرجل الذي أمامي يجاريني
بل ويفوقني معرفة والماما عن تفاصيل ليبية؟ غريب، سألته؟ أنت تعرف الكثير عن ليبيا؟
يقول انه كان يود أن يصبح جيولوجيا لكنه لم يتمكن فظل شغف جيولوجيا العالم قرينه الذي لا يفارقه وهوايته التي كلفته
الكثير من الكتب والرحلات.
ما يعرفه مالكوم عن لبدة لا اعرفه وما يعرفه عن سبتيموس سيفيروس لا اعرفه وما يعرفه عن قورينا وعن شرق ليبيا
وعن بني وليد أيضا وعن وترهونة واكاكوس والواحات لا اعرفه. بل يا ترى ماذا تجيبون لو سألتكم عن الزيتون في
ليبيا؟ مالكوم يعرف عن كثب سيرة الزيتون الليبي وأنواعه. يقول انه بحث عنه كثيرا في السوق إلا انه يدري أن ليبيا
ليست بالدولة المنتجة أو المصنعة أو المصدرة، تخصصها بترول فقط.
انه مولع بدراسة بلدان البحر الأبيض المتوسط، جغرافيتها وتاريخها وطعامها، وقد زارها كلها تقريبا عدا القليل (القليل
منه ليبيا)، شعر في مصر انه مهدد ولم يستمتع بالرحلة (الجربية) التي قضاها في جربة تونس ويتمنى زيارة ليبيا، فقد
قرأ أنها الدولة الأكثر أمانا في دول شمال إفريقيا . وهو كأغلب الانجليز غير متحمس لفرنسا التي يعيش أخاه فيها رغم
طقسها الجميل وطعامها الأفضل.
يقول طالب: بابل العراقية أول حضارة مدنية في التاريخ قبل خمسة ألاف سنة، حامورابي أول من شرع قوانين وضعية
لتنظيم الحياة المدنية العامة، قوانين لا تزال سارية حتى اليوم.
طالب: رجل عراقي له حكاية أخرى.
ماذا عن الديمقراطية يسألننا مالكوم.
تفتخر فتاه هندية ان الهند اكبر دولة ديمقراطيه في العالم، يصفق مالكوم مبهورا بضحكته الجميلة ويؤيدها ويبدي اعجابه
، الزميلة الايراينة تقول ان النظام الحاكم في بلدها قمعي الناس تعاني الامرين من غلاء المعيشة وارتفاع الاسعار
والحكومة لا تأبه و لا تنصح أحدا بزيارة إيران فستمسك الشرطة بكل امرأة لا تغطي رأسها وستسجن كل رجل يضع
(جل الشعر) على رأسه ويخرج للشارع بتسريحة على الموضة.
يسألني احد المساعدين ، السيد ديريك عن النظام السياسي في ليبيا؟ فأشرح له فكرة الموتمرات الشعبيه، يبدو مهتما
ويحاول استيضاح المزيد.
يقول المصري: احنا بننتخب الريس من سنة 81 والناس بتحبوا وبتدعيلوا
الأفارقة لا يتكلمون، لا يعبرون عن أي شئ لا بالسلب ولا بالإيجاب
جون البولندي ينتهز أي مناسبة ليتفاخر بـ(بولندا ذات الفصول الأربعة) أسلوبه فج، يحاول في كل مرة مقارنتها مع
بريطانيا وطبعا النتيجة في صالح بولندا، لطالما ابتلعت كلماتي ومنعتها مغادرة حلقي (كان هو مش عاجباته بريطانيا لها
الدرجة قعد في بولندا وريحنا، هذه اللي اسمها ساسي ومشرط)، على فكرة، من السهل جدا التعرف إلى البولنديين
اقصد تمييزهم من بين الآخرين، فيقولون مثلا للتعبير عن الشقر (ابيض احمر) كتشبيه انهم (موردين والدم في
عروقهم) وبالرغم من (شقورية البولنديين) إلا أنهم (ابيض اصفر او ابيض مبهق) باهتين وأنوفهم طويلة ومعقوفة،
سبحان الله في خلقه، هل أكون عنصرية بهكذا تعبير؟ربما!
نانا اللبنانية : بكل وقار وكل احترام، بكل حضور متميز وكل كبرياء وأنفة، بكل خلق، وكل التقدير اكنه لها، بكلمتين تجيب
من يسأل بلغتها الانجليزية المتواضعة جدا (I see).
وأنا سأتابع في الجزء القادم بعد أيام حكاية طالب العراقي
دمتم بسلام
يتبع

الأحد، 17 أكتوبر 2010

يوميات الـــ(Open Door)/1

أحب ان اقول أنني مولعة بالسياسة منذ نعومة أظافري خاصة متابعة نشرات الأخبار وبرامج التحاليل السياسية، ولعله بسبب تقليدي لوالدي أطال الله عمره من جهة والتصاقي بجدتي التي كانت مثقفة بشكل عجيب لامرأة في سنها وظروف كالتي عاشتها رحمهاالله.وذات يوم وفي سن صغيرة، لعلني في المرحلة الإعدادية على ما اذكر، قرأت أقصوصة جميلة علقت بذهني، تقول ان احد القادة الروس ذهب لزيارة مقبرة ما لتحية شخصية مرموقة مدفونة في تلك المقبرة، فقرأ على الضريح :هنا يرقد السياسي العظيم والصادق الفذ(فلان الفلاني) فضحك القائد الروسي وعلق هذه المرة الأولى التي اسمع فيها برجلين يرقدان في ذات التابوت

الخلاصة: السياسة فن الكذب.

(1)

أفكر باستمرار أنني سأعد طبق حلويات للفترة (Tea Time) فكرت في (غريبة او بسبوسة اوقطايف) فقط المشكلة الوحيدة هو العدد الكبير للطلاب والذي في تزايد، السيد (مالكوم) يوفر لنا كل ما نحتاجه بداية من الأقلام والأوراق حتى أنواع البسكويت والعصير والقهوة والشاي.
مالكوم هو مدير مدرسة انجليزي متقاعد متزوج من طبيبة عيون من أصل أوكراني وله منها ابنه وحيدة
يبتسم مالكوم ابتسامة عريضة وجميلة رجل مهذب بما تعنيه الكلمة أدين له بالكثير في تحسن لغتي الانجليزية ، قد يقفز ويلوح بيديه عندما يشرح عبارة ما فيبادر زميلي الشاب العراقي ذو الأربعة عشر ربيعا (شوفي السعدان شوفي والله لو عنا بالعراق يبهدلوه الطلاب) انه يقفز ببهجة وسعادة، انه لا يعطينا درس لغة بقدر ما هي مسرحية شيقة هو البطل الوحيد فيه، وعدد من المساعدين والمساعدات منهم طبيب قلب انجليزي من أصل بلجيكي وطبيب تغذية وزوجة طبيب كانت تعمل مع الصليب الأحمر الانجليزي في أثيوبيا مع زوجها و....مدير المدير....(انتبه لما تقرأ فأنا اقول مدير المدير) وهذه تفسر بأن مدير السيد مالكوم في المدرسة الثانوية كان موجودا مع تلميذه الذي أصبح مديرا هو الأخر وتقاعد في ذات الفصل يعلمان اللغة الانجليزية تطوعا لصالح جمعية خيرية هي الــ(Open Door)، أي انهما لا يجلسان هما ورفاقهم (تحت الحيط ويلعبوا في خربقة وينكدوا ع العيال وأمهم ويراجوا امتى يموتوا)
(العبد لله) وكانت جدتي تقول (المتحدث) بدل استعمال ضمير المتكلم (انا). إذا العبد لله او المتحدث كنت احد المستفيدين من هذه الدروس في فصل يحمل مختلف الجنسيات، عراقيين وسودانيين وفلسطينيين وجزائريين ولبنانيين و يمنيين ومصريين وكل الدول الأفريقية تقريبا أوغندا والنيجر وأثيوبيا وغانا بالإضافة الى كوري وإيرانيين وأكراد وعائلة شيشانية وأفغانية، أما المساعدين فكانوا انجليز واسكتلنديين وايرلنديين وبولندية واحدة.
صديقتي الفلسطينية أم ماهر تدخل الصف كإعصار وقد فاتها نصف المحاضرة وتقول بصوت عالي مخاطبة الانجليز الذين لا يفهمون اللغة العربية:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تجر كرسيا منتجة ضوضاء عارمة في منتصف الدرس لتضعه بجانب من تريد الجلوس بقربها (وهي انا) بالرغم عدم وجود فسحة فتحشر الكرسي امامي او خلفي وتكمل:
ها يا كريمة ايش اخذتوا
حشمتينا ام ماهر هو شن مازال عن الحصة اقل من نص ساعة وتكمل وانت توا تفكرتي تجي
لالالالا هينا هينا بنوخذ الدرس
ام ماهر اقعدي ساكته/
يبدأ المعلم في استنكار ما تفعله بشدة
كريمة/ أيش بيقول هاذ، بيحكي علي
يقول انك اهدى واحدة في الصف/ يعني شن بيقول، يعلق على دوتك
ام ماهر هي لاجئة فلسطينية في الخمسين من العمر وأم لأربعة أبناء كانت تعيش في إحدى دول الخليج عندما قرروا المجيء إلى بريطانيا وطلب اللجوء ، ترتدي جلبابا احمر إلى بني مع اشارب وتعاني من كل أمراض العصر الضغط والسكري والكولسترول وضعف النظر وتحتاج لإنقاص مالا يقل عن 40 كيلو غرام حتى تصل إلى الوزن والحجم اللذان يسمحان له بالجلوس في مقعد الحافلة مع شريك ولا تستحوذ على ثلاث كراسي معا,.

هي أيضا طالبة تدرس اللغة الانجليزية.
يطلب منها مالكوم الذهاب إلى المجموعة الأخرى التي تناسب مستواها اللغوي

آآآآآآآآآآآآ لا مابدي روح، اش بيفهموا والله ما بيفهموش ، لساتهم بالارقام وانا خلصتها من زمان وهاي انت بدرسيني ام ماهر، انا ما نقدرش نقريك في الحصة، وهذا المستوى عالي عليك ومش ح تفهمي شي و اضيعيلي في وقتي وانا اترجملك وما تخليش فيا اركز مع الاستاذ
ـ له له يا كريمة لما تعملي الخير ما تقولي اضيعي وقت
ام ماهر انت في المستوى الاول وهذا المستوى الثالث ليش العناد
يخاطبها مالكوم بهدوء ان عليها المغادرة الان.
لا تقبل المغادرة
ايش والله ما ني رايحة ما بيكفي طلعونا بالقوة من فلسطين وكمان بدهم يطلعوني من الفصل، قوليلو قوليلو: (خراي عليه وعلى اهله)ترجميلوا اياها.............
...........
شن جاب سيرة فلسطين توا و الا هو ابتزاز ع الطالع والنازل بلاش الصيد في ماء عكر
كريمة/ شربتوا شاي ولا لسا
شربنا يا ام ماهر
معقول انا طالعة بدون ما افطر، طيب هيني جايبه معي غريبة ومعمول، وتمد يديها الى أكياس مكدسة عند قدميها وتسحب منها حافظة طعام مليئة بالغريبة والمعمول ، تخرج قطعة تقسمها بين نصفين تضع امامي نصف وتدس النصف الأخر في فمها دفعة واحدة ثم تخرج قطعة أخرى وتقسمها نصفين أيضا وتمرر إلى الجالسين بجانبنا من اليمين واليسار وتقول:
خذ خذ ،حلّي، هاي (Home made).. ويبدءا غريبتها ومعمولها في الانتشار في الصف قاطعتا الدرس ومحدثتا ربكة لا تسمح باستمراره فيوقف مالكوم الحصة ويقول (See you all tomorrow).
يتبع

الاثنين، 27 سبتمبر 2010

أنا عندي مزادري.. عفوا! قصدت مصادري:

لا يجب أن تمل ، متى مللت خسرت، عني، أحاول أن أُنوع حياتي قدر المستطاع.

خرجت من باب الفصل الدراسي ، فصل دراسي (سادة) جدرانه بيضاء ونافذته تطل على حائط ابيض لا تظهر شيئا ، ومجموعة طاولات وكراسي على هيئة نصف دائرة او حرف (U) في قلب الفصل .

فصل دراسي لتعلم اللغة الانجليزية ومعلم اسكتلندي شاب وطويل وهادئ أكثر من اللازم حتى انه نشر أجواء الملل في الحصة.

خرجت وأنا أتثاؤب ونادرا ما اخرج هكذا، فقد جرت معي العادة أنه دائما هناك شئ ما يخربش في أفكاري .

في الممر الطويل ذو الجدران البيضاء التقيت بزميلة عراقية تنتظر متى تربح اليانصيب فتصبح ثرية وأن تضع حملها الأول التي تنتظر وتقول انه مولود أنثى وغيره أن تعادل شهادة الماجستير في الفيزياء التي تحملها من جامعة بغداد بشهادة بكالوريس في الفيزياء من جامعة نيوكاسل، هي هذه الشخصية في سطور، التقيت بها وتبادلنا التحية لتظهر من وراء كتفها رفيقتها السمراء النحيفة الفارعة الطول المنكوشة الشعر والمجعد وتعلق: من وين الاخت

جاوبتها الفتاه العراقية: هاي كريمة من ليبيا

لم أباشر بسؤالها عن جنسيتها، فقد بدت لي صوماليه تتكلم لكنة عربية وانجليزية (مكصرة) لكن الغرابة كلها في ما تجرأت على الصدع به!

اه الليبين ، انا ما شفتش شعب كسلان زي الليبين

ـ ليش وين شفتيهم لين تقولي عنهم هكي

الليبين الرجال ما يشتغلوش، اكيد انت تشتغلي وتصرفي على زوجك، وكمان الحكومة تعطيهم شقة وسيارة وفلوس ببلاش بدون شغل علشان هيك الليبين مش كويسين يتعاطوا المخدرات ويلحقوا الستات

ـ غير بالشوية عليك وين لاقيتيه الكلام هذا باللك ليبيا تانية مش ليبيا اللي انا منها وبعدين هو حضرتك من وين/ وكانت الأخت اريترية وبكاملة قناعتها كانت تدافع عن فكرة عجيبة وعندما ألححت عليها بسؤال: أنت من وين عرفت هذه المعلومات

اجابتني بكل حنق وغضب وكررت: انا عندي مزادري=مصادري

وعلى ما يبدو أنها تعتمد تماماً على مصادرها الموثوقة والتي أقنعتها أن الليبين ينامون على وسائد الحرير والديباج. مصادر قطعت أي طريق للتحاور.

وبينما هي (مصكرة راسها) ومصرة على محض السخافات التي تتفوه بها رافضة استقبال أي معلومة عن ليبيا من طرف آخر وهو أنا، غادرت الممر الأبيض الطويل في هدوء ودون أن اتعب نفسي أكثر مع مثلما هكذا نموذج وطبعا لم اسمح لهذه التجربة المرور عبثا، ففي أول مناقشة لي مع زوجي سألته:

انت وين درت السيارة والشقة والمنحة اللي خذيتهم من الدولة لما تزوجنا وشن معناها تسكت عليهم وما تخبرنيش؟؟ وباستغراب التفت تحو متعجبا يقول: شن لا باس كلام جديد هذا!

ـ ايوة كلام جديد ومزبوط والدليل: أنا عندي مزادري!

انا عندي مصادري

السبت، 7 أغسطس 2010

وانتم طيبين رمضان 2010-

غابة في مدينة (Durham)البريطانية
رمضان جانا، فكل سنة وانتم طيبين وعلاقتي حميمة جدا بهذا الشهر ونراجي فيه، وبدات نهني في احبابي وتذكرت

مدونتي وكل الناس اللي التقيت بها ع النت، كل الرحلة اللي قاعدة تستنى فيا بيش نكملها تفكرتكم كلكم وقلت خليني نهنيكم بسيدي رمضان

كل سنة وانتم طيبين واحد واحد ومدونة مدونة والقراء والمعلقين واللي يتسهوكوا واللي يشكروا واللي يذموا

كل سنة وانت طيبة ام ايمن، واسمحولي هنا نذكرها بالذات لانها سيدة لا تعرفني ولا اعرفها وما بطلتش تسأل عني وعن
المدونة، بالرغم انقطاعي الطويييييل واحترامي وتقديري لغيرها اللي سألوا
كل سنة وانت طيبين، اللي يحبني واللي يكرهني
كل سنة وانتم طيبين للراضي والزعلان
كل سنة وانتم طيبين اللي يبعتلي وينك ليش وقفت المدونة وللي يبعت فكينا منك و وقفي هالمدونة
كل سنة وانت طيب بش مهندس رامز النويصري، ومش ناسية التدوين غير مشغولة في يحي شوية
نيوكاسل والمسلمين اللي في نيوكاسل والسوق والشارع والاذان اللي مرة مرة تجيب فيه الريح من الجامع وينسمع حتى وهو بلا ميكرفون والباكستان والاكراد والهنود والعرب
الليبين اللي صايمين في نيوكاسل وكل بريطانيا
رمضان مبارك
اعاننا الله على طاعاته

الثلاثاء، 23 مارس 2010

قتلي في خمسة أيام/مهداة الى رامز النويصري

في ليلة غائمة انهمك زوجي في قراءة نص روائي أرسله له صديق عزيز هو كاتب الرواية التي لم تنشر بعد، وقد اعتادا تبادل النصوص والقصائد وهذا ليس بجديد، غير أن الاختلاف في هذه المرة هو عنوان النص الذي لم يثر فيّ أي اهتمام بادئ الأمر:

(كيف تقتل زوجك/زوجتك في خمسة أيام).
الرجل بدأ يقرأ، ثم انهمك واستغرق واستلهم وراح يطرح أسئلة أضجرتني: ماذا لو؟ وماذا إذا؟ ومن عاداته أن ينام باكرا ليصحو باكراً فقط ليس تلك الليلة! فقد سرقت طريقة القتل الخماسية النوم من أجفانه وظل ساهرا عندما أنهكني النعاس لأعود واستيقظ عند الساعة الثالثة صباحا فيفاجئني انه لا يزال منكب عليها، لا أدري لماذا بدى لي وكأن شعره منكوش، وكأنه ليس بالسحنة التي اعرفه بها، وكأنه لا يقرأ وكأنه يدبر أمرا ما وكأنه سـ.....؟
صورة ديك (سواني الهاني) كما يحب تسميته بريشه المنفوش الأحمر و وقفته الذكورية المتغطرسة مدقوقة على الحائط منذ زواجنا، انه هناك ليذكرني به عند غيابه، هذا هو الشعار الذي رفعه بعد أن دقه في الحائط، الديك اهتز وبدأ كأنه يريد التحرر من الإطار. كأن الماء الذي قطعت خلوة نومي لأشربه سماً كأن زوجي بدأ يخطط لقتلي وعليّ حساب الأيام فهذا اليوم الأول من أيامي الخمسة المتبقية وقد مرّ.
اليوم الثاني: هاتفت زوجة صديق زوجي الكاتب وهي صديقتي لأشكو لها ليلة الرعب التي أمضيت واحتج على تحريض زوجها..توقفت عن الثرثرة وبلعت لساني عندما راحت تدافع عنهما، لا مجال للشكوك لقد أكدت لي نفسي أنها شريكتهما.
اليوم الثالث: هذا نصف الطريق لجريمة قتلي القادمة ودون أن أقرا أي حرف في الرواية تبنيت موقفا ودافعت عنه، دخلت خانة الارتباك.لن يسرقني الوقت عليّ الذهاب إلى مركز الشرطة
والتبليغ عن الجريمة النكراء والدليل وأداة الجريمة موجودان ، تلك الرواية، وعلى قوات الأمن اقتحام المكان وتفتيش منزلي حتى تحطيمه إن أستدعى الأمر فلنتأكد انه لا وجود لنسخ إضافية منها قد تنتشر وقد تخرج عن نطاق السيطرة لا أحد يضمن العواقب، عليهم جميعا قوات الشرطة والأمن والجيش والمخابرات ضبط الثلاثة ومراعاة عدم السماح لعناصر الوحدات أو المحققون بالاطلاع على الرواية فهذا ليس من شأن العامة ومنع الصحف نشر الخبر والتأكيد في نشرات الأخبار على ازدهار الثقافة بمنح الناشر رسالة شكر وتقدير وإقامة معرضا مدفوع التكاليف لمصمم الغلاف.
الماء ليس سما والرواية ليست جريمة، الديك الواقف على جدار حائطي يبكي (سانية) تحولت إلى حجارة ونخيل مسمط في الحدائق.
خوفي وهواجسي وخيالاتي وهلوستي ليست عبثا، هذا الزفير الناتج عن سطوة الكلمة والقوة الكامنة في حروفها، هذه نقاوة الفكرة ليست بالشئ الهين، بعد أن أخذت نفسا عميقا اقر واعترف: مرحبا بموتي في خمسة أيام.

الخميس، 18 مارس 2010

ليبيا لمت الناس/الجزء الثاني

فكرت في إدراج جزءا ثانياً بعد خلل تقني اجهله في المدونة منعني من كتابة تعقيب على التعليقات الواردة حتى فات الأوان، التعليقات لفتتني لوجه آخر من الحكاية.

في بداية الحديث كل الشكر والتقدير للإخوة الذين منحوني جزءا من وقتهم ومروا على المدونة، وشكر خاص جدا لكل من ترك كلمة.

هذه التجربة، تجربة أخرى:

العلاقة بين مصر وليبيا أخالها معقدة وقديمة، فمثلا ما يحضرني الآن هو تلك المشادة الانترنيتية الحامية فترة ماضية حول مقطع فيديو يصور هجوم بعض المصريين على سيارة تحمل لوحة باسم ليبيا في الاسكندرية، يموهك المشهد أن المصريون قتلوا الشاب الليبي ولتكتمل مأساة القصة تخبرنا أن شاباً ليبياً دهس امرأة مصرية أو هما امرأتان وهرع من سيارته ليسعفها أو ليسعفهما فالتقطه بعض( البلطجية) وأشبعوه ضربا وركلا حتى قتلوه.

مشهدا كهذا يعميك إلا من رغبة في الانتقام والتدمير، إنها نار الفتنة ولا شك، خاصة أن نهاية هذا الانفعال إن الليبي الذي حُطمت سيارته بكل وحشية لم يمت وظهر على إحدى الصفحات الالكترونية وأدلى بدلوه.

يطرح احد الأخوة قضية وجود اللاجئين العراقيين في ليبيا والدور الذي لعبه الأساتذة العراقيين في هيكلة التعليم الليبي وخاصة العالي ويستشهد بنقاش جرى في إحدى المنتديات العراقية، هذا نص التعليق:

غير معرف يقول...

الاخت كريمة لما قريت العنوان قلت شنو بيكون الموضوع الهم كلامك حق وليبيا لمت الباهي والشين واكيد في ليبيين في بلدان الناس هادي غير مانعرفوش بيهم المهم باهي اللى في ناس اللى اعترفت انها كانت في ليبيا اني لقيت فلسطينية حتى هيا كانت عايشة في ليبيا وتخدم في وحدة من المحلات البريطانية بس مانكرتش انها عاشت في ليبيا فترة المشكلة مش هنى المشكلة اني كنت نفتح في مواقع ولقيت موقع فيه موضوع عن عراقيين في ليبيا وبديت نقرا في المشكلة بالرغم من ان الموضوع ماليشي علاقة بالليبيين لكن تعليقات جانبية خلت الموضوع يغير مساره اللى مستغربة فيه فيى واحد من التعليقات تو تلاقيه في الرابط تحت باسم خمائل الهاني تقول فيه لولا العراقيين الموجودين في ليبيا والجهود الكبيرة والمعاناة التي يقدمونها الى المجتمع الليبي ولوفرة الكفاءات العراقية الهائلة ما كانت الجامعات الليبية تقدمت وخرجت دفعات كبيرة من الطلاب الليبين, تو نبي نسالك يا كريمة انتى قريتي في الجامعة قوليلي قداش عراقي قراك في كلية الطب وقوليلي من امتا وحنى معتمدين على العراقيين ماهو جو بعد المشاكل متاعهم والفترة الاخيرة متاع الالفين وبعدين مافيش حد علمنا بالمجان وبالعكس مع احترامي للعراقيين في بعض منهم لا ستاهلو انهم يدرسو وحتى لو في تلقى اقسم فيه 1 او اتنين مش اكثر وهذا ممكن في كلية العلوم لكن مش معناها ان حنى ماعندناش كادر تدريسي ولو ماجوش هما بتوقف عجلة التدريس!!! لو كنت غالط قولولي.

وهذا الرابط

لم أقرأ فقط التعليق أو اطلع على الرابط المصحوب به، بل فلّيت المنتدى العراقي صفحة صفحة وتبين لي الأكثر مما ذكره الأخ صاحب التعليق.

* * *

فما قولكم يا ترى حين تطلعون على هكذا أراء وهي ليست إلا أراء مهما كانت مستفزة؟، لا ألوم الإخوة المصريين ولا ألوم العراقيين، ألوم بلادي تركتنا نرتع رعاعاً بلا قانون، مطمع للعربي والإفريقي والأجنبي، ألوم فقرات ولوائح القانون المعطلة التي جعلتنا نهبة لكل من تسول له نفسه، أما عن الفساد الذي سببه أجنبي أو محلي (ولد بلاد؟) فقد وصلنا لحال من الانفلات لا اعرف إن سنرجع عنه، وفوق ذلك يظل أكثر إيلاما ذلك العبث من أناس تظنهم ضيوفك وتظنهم إخوة أو أبناء عمومة أو أبناء جلدة فمن من لم يعش أو يرى أو يسمع على الأقل عن الفساد الذي استشرى في مؤسسات التعليم العالي أو المتوسط بسبب العنصر الوافد، عن تزوير العملة أو تهريب المخدرات أو السطو والسرقة وجرائم القتل والاغتصاب وعدد و لا حرج.

ولنكون أكثر تفاؤلا وايجابيه لنلتفت لوجه آخر، يرينا تفاصيله بكل محبة وامتنان، فلا يتحتم أن يكون الفساد ظاهرة عامة وتهمة توجه لمجموعة من الناس بسبب عرقهم أو دينهم فنقع بذلك في فخ العنصرية بقدر ما قد يكون ممارسات شخصية لا يمكن نسبها إلا لمن اقترفها والتأكيد على عدم وجود أي رادع للمفسدين.

كان لنا نصيب ذات يوم أن نزور القاهرة ونشرب من نيلها (الملوث) ومن استقبلنا هناك من الإخوة والأهل المصريين لا أقل من كل الامتنان لهم والإجلال والتقدير.

لقد دعينا لمأدبة عشاء في بيت احد أصدقائنا، د.نبيل وقليل هم أمثاله، وكما هي عادته يفاجئنا دائما بما لا نتوقع، فمأدبة العشاء كانت (كسكي بالبصلة) هو من طبخه مع صحن (سلاطة ليبية وحكة هريسة) بعد يومين جميلين قضيناهما مع أخواله على أفخر المآدب.

ارتدى نبيل قميصا عليه كتابة (I love Libya ) وكل المعازيم كانوا ممن أقاموا في ليبيا فترة أو لا يزالون، من بينهم طبيب ومهندس كمبيوتر وقبطان ومغني أوبرا، كان فيهم من درس في جمعيه الدعوة الاسلاميه، الطبيب هو أخصائي قلب يبحث عن عروس، درس في جامعة سبها ويشترط في عروسه أن تكون ليبيه، لكنه لم يجد؟ وأخوه يدرس علوم الكومبيوتر بعد إنهاء المرحلة المتوسطة في ليبيا وانتقل إلى مصر، قبطان كانت خطيبته مصريه مقيمة في ليبيا وهو أيضا لكنه غادر.عائلة من زوج وزوجة كان الزوج يعمل بليبيا، أما (روبرت) مصري قبطي مسيحي عاش اغلب حياته في زاوية الدهماني ودرس في مدارسها، ملء الأجواء بحماسة ابتدأها من الهتافات والأناشيد إلى الأغاني الليبية.

كان من ضمن الحضور أيضا مغني أوبرا وشاب أمريكي أذاقوه المصريين المرار في تحقيق فُتحوه معه عن: ما هي النوايا الأمريكية اتجاه كوريا؟؟، النكته المصرية دائما هي سيدة الموقف.

فتاه هي طالبة فنون جميلة شاركتنا بهدوئها وأيضا زوجان امريكيان لهما 30 سنة بين بيروت والاسكندرية يتعلمان اللغة العربية ويعلمان الانجليزية، يرفع الزوج شعار: دائما الكلمة الاخيرة للزوج:...حااااااضر، كانت أجمل نصيحة للزوجي!.

السيد وئام وزوجته كنا قد التقينا بهما في ليبيا قبل لقائنا هناك في قاهرة المعز.

وضع دكتور نبيل شريط (النجع) لمحمد حسن كخلفية للعشاء، و(قصعة كسكسي)كبيرة على الطاولة لمن يرغب في سكب صحنا لنفسه من تلك (القصعه) أما اللذين يرغبون في تناول الكسكسي على الطريقة الليبية ويحنون لليبيا، سارعوا في (التقعميز) والالتفات حول قصعة أخرى في الشرفة وكانوا: زوجي، والقبطان والطبيب وأخ الطبيب وروبرت القبطي والأمريكي المطلوب للتحقيق حول نوايا أمريكا اتجاه كوريا وطبعا د. نبيل.

هذا يعني انه لم يبقى احد ليأكل في صحون فردية إلا أنا والزوجين الأمريكيان والزوجين المصريين والفتاة.

عقب العشاء، كان حديث ذو شجون لا أنساه وطرائف ومقتطفات بلهجة ليبية طليقة خالية من أي (لكلكة) مصرية، يقولون:

خالتي جت تزونا في ليبيا وكانوا عيلت (...فلان..)دايرين عرس اولادهم الزوز وعارفينهم العيلة هادي قداش فلوس، يوم الغذا اللحم على مفاصله وقعاد الكسكسي 4 انفار 4انفار والمشروب والخيمة في الشارع اللي يفوت يخش يتغذى راجل خالتي لين ماصادقش روحه وفي السهرية امي رفعت خالتي للحنة لما روحت خنقت راجلها قالتله (انا ما عنديش ذهب زيهم ليه) طلع حتى الذهب على مفاصله!!!!!!!!.

تحدثوا عن طرابلس شارعاً شارع وزنقة زنقة عن العائلات والبيوت و (السنفاز) والـ(فريبي ميزران) والبحر، يقولون أن ليبيا بالنسبة للمصريين كما سويسرا بالنسبة للعالم وفي غمرة الأحاديث لم ينسوا أبدا محاولة انتزاع أي اعتراف من الأمريكي الطيب:

عايزين تعملوا ايه في كوريا ما تقول بقى؟؟؟؟!!!

كريمة

الخميس، 18 فبراير 2010

ليبيا لمت الناس

كل التحية والتقدير للاخت(.....) صاحبة هذا التعليق:

(مرحبتين وخيتي
ماتفكرينيش بالعينات أنا نبي نتكلم على حاجة تانية، إنتي لقيتي أفريقي كان يخدم في ليبيا، في مانشستر لقيت سوريين ومصريين وسودانيين اللي خام في ليبيا واللي بوه ولا واحد من أقاربه خادم في ليبيا ونزيدك جارنا انجليزي بوه خادم في ليبيا ايامات الحرب العالمة التانية في طبرق ويعرف اسماء المناطق ورانا صور بوه في طبرق والوسام اللي واخده في الجيشخودي هادي تلاقينا مع عائلة فلسطينية يهدرزوا بالليبي طلعوا كانوا عايشين في ليبياوالله ليبيا خيرها علي الكل من شرقها لغربها احني ناس طيبة واصحاب عشره)
* * *
لقد أطلقت من راسي فكرة قابعة بعيدا ولطالما أردت كتابتها:
ليبيا لمت الناس،كهذه الصورة لم تكن واضحة في ذهني بتلك المعالم، التقيت في بلادي بكثير من الجنسيات العربية، كالمصريين والفلسطينيين والعراقيين وغيرهم لكن تعالوا نتبع مسارب السرد وأضيف لما قالته الأخت العزيزة: في دعوة على العشاء من عائلة انجليزية قضت تقريبا كل حياتها في إثيوبيا التقينا بمهندس انجليزي مسن عمل في ليبيا في مجال النفط منذ بداية اكتشافه وخرج بعدها ولا يزال يحن إليها وفي ذات الغرفة كان رجلا آخر أكثر شبابا يحمل درجة دكتوراه في الفيزياء قال انه تلقى عرضا للعمل في ليبيا لكنه لم يقبل بعد أن قرأ عنها، ترى ماذا قرأ ليحجم عن تجربة كهذه؟
المناخ!، نعم الطقس المتقلب لليبيا بالرغم من الفصول الأربعة التي لا يرونها في بلادهم إلا أن وصول درجة الحرارة إلى الـ40 مئوية في أوقات من السنة جعلته يتراجع، يقول:
أنا املك جسدا حراريا فيكفيني عند شعوري بالبرد أن اصعد وانزل الدرج عدة مرات لأنعم بالدفء الوفير على العكس تماما من زوجتي التي كانت تحتاج إلى مدفأة لم احتجها أبدا، وهذا البرد هو درجات حرارة تحت الصفر، فكيف يمكنني العيش في بلاد حارة.
قضى هذا الرجل كل ما فات من عمره يتنقل بين البلدان الباردة ولا يفكر في زيارة أي بلد بمناخ دافئ فهو لا يناسبه أبدا، أما أنا فقد اقترحت عليه الانتقال للعيش في الاسكيمو فلا صيف هناك.
خبرتكم عن السيد الأفريقي الذي التقيناه في مركز المدينة وحكايته الطويلة عن ليبيا.
صديقتي اللبنانية زوجة أخيها ولدت وتربت وترعرعت في ليبيا ثم تزوجت ابن خالها اللبناني المقيم بلبنان، تقول عنها صديقتي:
والله بتجن ع ذكر ليبيا لو فيها اطير تروح لهناك وبتعملنا كم طبخة بالبيت بشكل اساسي المبطن والكسكسي وبتعملنا مقروظ، وما في حدا رايح ع ليبيا او جايي منها الا بتوصيه ع هريسة وع الحنة الليبية والنقش وزيت الحنة. الجدير بالذكر أن صديقتي وزجه أخيها وعمتها وكل أقاربها الموجودين بليبيا أو لبنان هم لبنانيون مسلمون وشيعة، تقول أن لهم 35 عاما في بنغازي و(ولا الطير الطاير بيعرف انهن شيعة)
* * *
صديقنا المصري د. نبيل فايز حنا من مواليد ليبيا وعاش جل حياته فيها كان يوصينا:
لما توصلوا المطار بوسولي التراب وسلمولي ع الشمس وع البيوت وسلمولي على كل الليبين وع الزنق والحارات. جارتي المصرية عمل والدها في ليبيا وانفجرت في وجهي أنا وصديقتي(تسبنا وتشتمنا) وتسب السياسة والساسة والعمل في ليبيا وتتهكم كأسوأ ما يكون، لا يمكنني التعليق هنا إلا (إن اكرمت اللئيم تمردا).
صديقتي السورية (خلقانة بليبيا) تقول عن نفسها، كان يعمل والدها مدرسا في اجدبيا خلال فترة السبعينات من القرن المنصرم ويحاول أخوها الآن الدخول للأراضي الليبية لإيجاد فرصة عمل، أخبرتني بذلك بكل حيادية لا شئ مميز، حديث عابر لحدث عابر في حياتها فلا تعني لها ليبيا أي شئ على الإطلاق، وقد كانت متكتمة لفترة طويلة من علاقتي بها فلم اعرف أنها شيعية سمعالية إلا في الفترة الأخيرة، وكانت هذه طائفة لم اسمع بها في حياتي قط حتى معرفتي بها والبحث عن معلومات عن هذه الطائفة أدهشتني.
* * *
عرفت أيضا أن هناك الكثير من العلويين في ليبيا وسأتكلم هنا عن فترة طويلة لا أريد حصرها في السنوات الأخيرة بعد خروج العراقيين من بلادهم اثر الحرب فهم من عرفونا على طوائف يخلو منها المجتمع الليبي المسلم السني، يجب أن نذكر هنا دور (الستلايت) الكاسح الذي لم يبقي شيئا مستورا ولا متواريا فالبر غم من معرفتي للكثير من العراقيات والفلسطينيات والسوريات واللبنانيات في ليبيا إلا انه لم تأتي أي واحدة فيهن على ذكر طائفتها الدينية ، كما أذكر أنني عندما تعرفت على صديقتي المصرية المسيحية كانت متخوفة للغاية من التعريف بنفسها على أنها نصرانية، وأنا لمحت وشم الصليب على يدها.
جارتي أيضا سورية كان والد زوجها يعمل في ليبيا وأوصاها( لاتتركيها لحد ما ذوقك الكسكسي بالبصلة)، وخال صديقتي السورية الأخرى .
* * *
نيجيل: شخصية انجليزية لرجل في الخمسينات من العمر ذو صلابة فذة وكيف لا وقد كان ضابط طيار في السلاح الملكي البريطاني لمدة 30 عاما عمل خلالهم في السعودية وقطر والأردن والإمارات ولعله أكثر من أثرت فيّ شهادته يقول: السعودية أسوأ مكان في العالم لا يمكنني تصور الجحيم نفسه بهذا السوء، لم تترك فيه الأردن أي انطباع مميز لا شئ يقوله عنها أما قطر، ويا دهشتي لما قاله:
قطر أجمل دولة في العالم وأنظفها على الإطلاق أتمنى أن تصبح بريطانيا يوما ما مثلها.
لقد وقع ما قاله علي بصدمة، ولست معذورة لجهلي فكل ما أعرفه أن قطر وعاصمتها الدوحة وإذاعتها الجزيرة التي قلبت الموازين، لكن أن تكون فردوسا فلم أتخيل هذا أبدا، كم اغبط القطريين على بلادهم، وأشارك السيد نيجيل في أمنيته فلعل ليبيا مع بريطانيا تصبحان كقطر، انه يصف القطريين بالسعداء، الشعب السعيد.
وماذا عن ليبيا؟ هو لم يزرها لكنه يعرف عن تاريخها ما لا اعرفه أنا، القديم والمعاصر من شيشنق حتى القبائل الليبية، يبدو لي الآمر انه مدروس، هل كل جندي او منخرط في الخدمة العسكرية البريطانية بهذه الثقافة، لا ادري؟
زوج صديقتي الفلسطينية كان في ليبيا في السبعينات، قال انه ذهب بحثا عن فرصة عمل وان ليبيا قدمت كل شئ للفلسطينيين لكن قوانين البلاد لم تعجبه فاتجه الى السعودية (مع ألف سلامة)التي تحول فيها إلى رجل مليونير قبل مجيئه لبريطانيا، زوجته وبناته ينطبق عليهم المثل القائل( ياكلوا الغلة ويسبوا الملة) فلم اسمع منهن يوما كلمة واحدة طيبة في حق السعودية التي استضافتهم لــ25 عاما ولدوا وتعلموا ونشئوا فيها وأكلوا من خيراتها ورزقها، حز في نفسي ذلك كثيراً، فلا اقل من العرفان بالجميل.
* * *
لقد بدى لي وكأن كل العرب اللذين التقيتهم في بريطانيا أو بعض أهليهم، ما عدا (عرب الخليج والجزيرة العربية) عاشوا أو عملوا في ليبيا لبعض الوقت أو بشكل دائم ولا تزال مطمح للراغبين في العمل (دولة نفطية) لماذ ا نعاني من البطالة إذا، لماذا نشكو من قلة توفر فرص العمل، إن كان الآخرون يتغربون ليصلوا إليها ويتركوا ذويهم فلا اقل من يعود خيرها علينا نحن أبنائها.
سؤال مفتوح اترك لكم إجابته
مع الشكر لصاحبة التعليق

الثلاثاء، 2 فبراير 2010

بين التفاح والزبادي

التقاطة أو يمكنني أيضا أن أسميها (ع الماشي) وأظنه اسم لمنوعة رمضانية ليبية عرضت في احد الرمضانات، لن اطيل سأختصر كما كانت جولتنا السريعة المختصرة في سوق المهاري /زاوية الهماني، طرابلس طبعا للتبضع، والتقينا فيها بشابين في مقتبل العمر يرتديان قمصاناً بيضاء وقبعات، ويوزعان التفاح على المارة المزدحمين حولهم، ولم يثر ذلك التفاح المجاني أدنى اهتمام منا، فواصلنا السير نحو قسم المواد الغذائية.
كم جميل انفتاح السوق الليبية على البضائع العالمية وكم يعجبني التنوع، فنجد البضائع من الهند وتايلاند إلى أوروبا والمكسيك، وخاصة المواد الغذائية مثل البهارات والصلصات.
أكملنا جولتنا متجهين نحو قسم المحاسبة، لنخرج من هذا السوق الليبي جداً، المتنوع الموسوم بعلامتنا الواضحة، فلا أسعار على البضائع، وكذا لن يمكنك المقارنة بين مواصفاتها لا الوزن ولا الجودة، وللحق هو أقرب إلى الترتيب منه إلى الفوضى، ولكن طبعا ليس مرتب بتاتا. الموظفون لطفاء ولا يمكنك تمييزهم عن باقي الزبائن، فلا لباس موحد ولا أي إشارة أو علامة أو بطاقة يمكنك الاستدلال بها لتتعرف إليهم وتطلب مساعدتهم مثلا أو لتبدي لهم تقديرك.
ولا يمكننا المرور مرور الكرام على حكاية الطابور، فحاله من حال خطوط حمار الوحش، عفواً أقصد الخطوط البيضاء معطل تماماً ولا وجود له.
نحن خارجون الآن من هذا المركز التسوقي الفريد، والناس تدخل وفي يد كل واحد كيس به تفاحتين، واحدة حمراء والأخرى بيضاء، وشابان يوزعان التفاح، التفتُّ إلى رامز الذي التفت لي والدهشة تعلو وجوهنا: ما هذا عينات من التفاح أم وجبة غداء؟!!!
ولأنني لا أنسى مدونتي حتى وأنا أهملها، اتجهنا نحوهما وسألناهما عم يفعلانه، بكل لطف أجابا(وهذا ليس من باب الدعاية): هذا تفاح أوروبي برعاية الاتحاد الأوروبي والمستورد شركة (LG) ونحن نوزع منه عينات تفضلا وذوقا، حقيقة كان في منتهى الادب.
وما تظنون أننا تذوقنا ، لا ورب الكعبة شبعنا ولم نذق، أخذا كيساً و وضعا فيه ثلاثة تفاحات بدل اثنتين، فمن كل صنف عينة، وفوق هذا قاطعة التفاح هدية.
وعلي القول هنا أن كل تفاحة =تفاحة ، وزن ومذاق وفي الأخير كن ضمن غدائنا.
أتعلمون ماذا؟ أجربتم العينات والدعاية في أوروبا (بريطانيا هي حدود معرفتي ونيوكاسل تحديداً) لا وجود لشيء اسمه عينات، هي فقط (ميني) عينة أو نتفة عينة أو نتوووفة عينة، لقد ذقت كيكة مثلا: كيكة الشوكولاتة الثلاثية المفضلة لدي، والنادل كان يوزع (حتحوته) كيكة. ومرة أخرى كانوا يوزعون شرائح السلمون المدخنة التي بالكاد يمكنك إمساكها بين أصابعك، أما عن البطاطا ورقائق الذرة وقطع خبز التو ست التي يقدمونها لتذوق الغموسات والصلصات، فنحتاج لمكبر أو مجهر لرؤية فتافيتها (يا عليك فقر وخلاص).
وعودة للتفاح، هل تظنون أن الناس تكتفي بكيس تفاح واحد، أم أنهم سيعودون مرة ثانية للحصول على كيس آخر، وهل يمكن تسمية ذلك: نوع من التحايل؟ هل هذا يحدث في بلدنا الجميل فقط؟.
كان يوماً ممطراً إلا أنه توقف لنصف ساعة فخرجنا لتنزه، التنزه في يوم مطير، ببساطة هذه أنا وهو دون وجل، خرجنا إلى مركز مدينة نيوكاسل لنجد شاحنة عرض ضخمة توزع علب الزبادي التي تحتوي على قطع من الشوكولاتة أو البسكويت أو الفواكه المجففة في حُقٍّ جانبي للعلبة، وكان نوعا ًفاخراً وغالي السعر، ويستحق الوقوف في طابور طويل تحت المطر، والبائعات يصحن في وجوه الزبائن (One time, pleas) أي: مرة واحدة رجاءاً، وأيضا قطعة واحدة رجاءاً. وذلك لأنهم يمدون أيديهم ويأخذون قطعة إضافية للقطعة التي يقدمها عارضوا البضاعة. ثم يعودون للوقوف في آخر الطابور مرة أخرى، وكان أكثرهم من كبار السن والمتقاعدين. فقد كان صباحاً والأغلب في أعمالهم ومدارسهم، وما أدراكم ما كبار السن وشيوخ وعجائز الإنجليز، مختصر مفيد صلابة وعناد. يعني مرة واثنين، و لا ينفع صراخ ومناداة الموظفين.
أخذنا حصتنا من المنتج وللأمانة لم نزد فوق قطعة واحدة لكلٍ منا، وجلسنا على مقاعد مبللة نستلذ بأكل أطيب زبادي ذقته حتى الآن (ونهدرزوا بالليبي) حتى قطع حوارنا صوت رخيم بلهجة ليبية: (راهو ممتاز الزبادي.. هذا انا ماشي جاي عليه).
كان رجلاً يجلس على المقعد الذي يلينا، بملامح سوداء غليظة ولباس فضفاض، قال انه إفريقي، من غانا: (عشت 12 سنة في ليبيا.. وبعدين طلعت لبريطانيا وحصلت الجنسية، اشتغلت في مصنع وانقطعوا صوابعي في لخدمة).
لقد فاجئنا بحق، وأدهشتنا لكنته الليبية المضبوطة، لا يزال يذكر أيامه الخوالي في مدينة سبها. قال انه سيعود لها يوما، وهذه المرة ليس إفريقياً بل كمواطن بريطاني. قطعنا حديثنا معه ورحلنا مع بقية من طعم زبادي منكه لذيذ ومجاني. تبقى في الذاكرة.

الجمعة، 29 يناير 2010

وقفوا حرام عليكم…….تربحوا... وقفوا.ٍ

لا أنساه، صباح مضيء وبضع سيارات تمر عبر الطريق تباعاً، أحمل بعض الدنانير في يدي أسير إلى (دكان مالك) لأشتري (بضاعة الفطور: حكة تن، باكو حليب وفرادي خبزة) لعلها التاسعة، والنعاس لا يزال يثقل جفني وأنا متعبة من أول النهار، فينبهني صوت رقيق على الرصيف المقابل يلوح بيديه قابضا على (قرشينات شكلهم ربع دينار)، تخنق صوته الرقيق الطفولي عبرات متقطعة ويتوسل: - وقفوا حرام عليكم، تربحوا وقفوووووووووا.

أول ما تبادر لذهني حينها (صغيّر خوته وهما هربوا وخلوه ع المرشابيدي)، أو أمه، أو خالته ابتعدت عنه (ساهية) ولم تنتبه أنها تركته ورائها، ولكن لا أحد على طول الطريق فالطفل كان يلوح للسيارات المسرعة الزاعقة، في وجوه الجميع ونوبة خوف وفزع تنتابه.
أسرعت نحوه وأمسكت بيده لأعبر به للطرف الآخر فلاحظت أن هناك شاباً على يميني كان يركض مسرعا نحو الطفل ليعبر به هو الآخر، وابتعد لحظة وصولي لأفوز أنا بالأجر إن شاء الله.
سبحان الله يبدو أن السيارات لا تفهم لغة الأطفال وإلا.. لكانت وقفت؟؟ من يقف لمن؟! أضع يدي ألان على الجرح الناكئ، فمنذ نعومة أظفاري وأنا احترم الخطوط البيضاء وهي غير مأسوف عليها لا تحترمني. ولأن الحكاية ليبية تعالوا نحكوها بالليبي: وليد صغير يبي يقص الطريق لدكان مالك، الباين إن أمه (الله يسامحها) باعتاته يجيبلها حاجة على هذاك الصبح، والأغلب خبزه.
الوليد يبي يقص الطريق اللي أصلا مش صعبة يعني هي طريق مش رئيسية ومش صعبة غير المشكلة فيها إنها طريق تخطم منها الميكروات وما أدراك ما الميكروات.. يفوتوا منها زي الصواريخ.. مش عارفة من اللي قاللهم ديروها خط ليكم. الوليد واقف يبكي وعلى علو صوته ينادي في السيارات: وقفوا حرام عليكم وقفوا.
(عودة)
هذا المشهد لا تراه إلا في ليبيا وما قد يجاورها(...) دول عالم ثالث باختصار، أحاول دائما قطع الطريق عبر الخطوط البيضاء و لا أظن أن هناك من يراها بيضاء، لا أحد يرى أنها مكاناً للعبور، وقد تقف السيارات لإعطائك فرصة لعبور الطريق في منتصفه، صدَقة منه، أو لأنه يشعر بمدى رقي أخلاقه حين يسمح لك بالعبور، فضلا من عنده على راسك المنحني، لكنه لا يظن أنه ملزمٌ بالوقوف أمام الخطوط البيضاء، لتعبر كحق لك عليه أن يطأطئ رأسه احتراما له، لا يرونها ملزمة خطوط حمار الوحش تلك.
هل كل العالم بهذه العقلية: هنا في نيوكاسل حال وصولي اتجهت مباشرة للخطوط البيضاء لأعبر الطريق، فقط إخلاصا لعادة اعتادتها، وكم كانت دهشتي كبيرة فبمجرد اقترابي من الخطوط البيضاء وقفت السيارة وبكل صبر انتظرتني حتى أعبر.
المرة الثانية: أحاول عبور الطريق فتقف السيارات ثانية وبكل صبر ينتظرون خطواتي البطيئة لعبورها دون تزمير أو استعمال المنبهات يعني دون (كلاكس يكسر الراس).
المرة الثالثة: أحاول عبور الطريق فتقف السيارات مرة أخرى وأنا انظر ببلاهة للسائق كيف يفعل ذلك، يخالجني خاطر غريب أنني (بنقعمز في نص الطريق وما نوضش، والله لو قعمزت ماني نايضتها، وبنشوف شن بيديروا كيف يبوا يقعدوا محترمين الخطوط البيضاء ، كيف تبي تتصكر الطريق ، كيف ممكن تجي الشرطة تاخذني، باهي لو انا شاطرة هكي وفالحة ترا نقعمز في نص الطريق ع الخطوط البيضاء اللي مرسومة في شارع من شوارع طرابلس زي اول سبتمبر مثلا، اللي يقرا ويضحك توا نقوله بلاش شماته، ماتتشمتش لاني عارفه حدودي وما نديرهاش مازال مارخصتش عليا روحي) وهكذا أعبر الخطوط البيضاء التي تقطع طريق (Westgate road) لاقف على الطرف الآخر من الطريق، أتطلع بحسرة تفت قلبي إلى امرأة إنجليزية شقراء ممتلئة الجسم، في أواسط العمر، أقرب للتقاعد تقف مرتدية سترة بلون فسفوري أخضر ساطع تمسك في يدها لافتة مكتوب عليها (قف-Stop) تمرر كل طفل أو أمٍّ ذهابا وإيابا إلى مدرسة (Westgate Hill Primary School)، تقف على جانب ذلك الطريق مؤمنة السلامة لفلذات الأكباد، ترى كم طفل ليبي بجمال الملائكة دهسته سيارة أمام مدرسته أو على الرصيف، أو حتى في (وسعاية) كما حدث لابن صديقتي ذي الأربع سنوات الذي قتله سائق سيارة (هونداي رصاصية) على جانب مزرعة جده في طريق ترابية زراعية تجلس بجانبه امرأة يقولون أنها ليست زوجته، دهس الطفل أمام كل أخوته وأبناء عمومته ولاذ بالفرار إلى هذه الساعة.
ترى متى؟؟؟
متى نحترم خطوط ظهرك يا حمار (Zebra) حتى نصل إلى درجة الآدمية؟؟
على الهامش:
عدت يا بلادي وأنا كلي تصميم وإصرار بالعبور على الخطوط البيضاء، وفي أحضانك طرابلس أقف أمام خطوطا بيضاء في أحد شوارعنا المجهولة التسمية (المراسم أو أبوهريدة دوروا شن اللي يمشي معاكم) وأنا انتظر أن تقف لي قطعان الحديد بعجلات كي أعبر، حتى تهكمت على نفسي (وين نسحاب روحي شني حتى انا بنبدا نعيطلهم : وقفووووووووووووا حرام عليكم).
انتظرت أول فرصة أحصل فيها على فراغ بين السيارات المسرعة لألقي بنفسي وسطها إما عبرت أو دُهست غير مأسوف علّي. كحال كل من دهسوا من قبلي.