24/4/2008
خرجت في جولة والى أين؟، طبعاً إلى مركز المدينة، يقال إن أغلب مدارس التعليم الأساسي والمتوسط أقفلت اليوم أبوابها في نيوكاسل إضرابا واحتجاجاً على تدني قيمة المرتبات، وما همي في هذا كله (انا بنطلع وندهور ويحل الانجليز مشاكلهم والا يخلوها.. يدبروا راسهم).
خرجت مع فتاتان في ربيع العمر تدرس إحداهما بالمرحلة المتوسطة والأخرى بالمرحلة الإعدادية، وأنا أمني نفسي بأني سأريهما الأماكن الأثرية القريبة في المدينة، وسآخذهما إلى (Discovery Museum) وأيضا (art gallery) وسنمر على البوابة السوداء (black gate) والى المكتبات واشرح لهما كيف يمكنهما شراء الكتب عند التخفيضات وأولى الشروط هي الذهاب إلى مركز المدينة سيراً على الإقدام، فأنا لا استعمل الحافلة إلا إذا كنت مصابة بوعكة صحية جليلة، الفتاتان صعب عليهم التصديق أنهما سيسيران إلى (السنتر) مشيا على الأقدام، وفعلا، سرنا رويدا حتى وصلنا الى (eldon square) . وهناك بدءا في سبر المحلات التجارية واحداً واحداً وراحت كل مقترحاتي أدراج الرياح، (أي متاحف يا ابلة كريمة من مازال يدور فيها ). أحسست أني عتيقة جداً وقديمة (وموضتي طايحة).
(بعد خطرها، سيدة ليبية نصحتها بأخذ أطفالها ليزوروا الـ(Discovery Museum) فسألتني علاش هو شن فيه تخفيضات؟ قتلها لا هو الدخول مجاني لكن أسعاره لداخل شايطة فيها النار، أنا ما شريت شي غير تفرجت؟؟؟؟؟؟؟؟ متحف وتخفيضات هذا اللي ما خطرش ببالي ابدا؟؟!!!!!!)
أخذا الفتاتان وقتهما في المركز التجاري وخرجنا إلى الشوارع أخيرا، ما يعجبني في مركز المدينة أن به حياة ودفق أحداث جديد متنوع في كل مرة أزوره، شركة لطعام القطط تقيم احتفالا صغيراً للدعاية لمنتجها ولتوعية المواطنين (قال ايه..... القطط تأكل طعام غير صحي وعلينا أن نهتم لها، أما ناس فاضية وخايبة) الشباب والفتيات يرتدون ثياب تنكرية للقطط سوداء ويضعون أقنعة على وجوههم، يصرخون:
مياو مياو مياو مياو مياو مياو ميـــــــــــــــاو
يخدشون الهواء بمخالبهم، يوزعون الملصقات والشارات الدعائية، يضعونها على ثياب المارة، الفتاة الصغرى رفضت رفضا قاطعا تقول:
(حتى لو كلاب في الهم عزا، لكن قطاطيس هذا اللي ناقصني).
سرنا في اتجاه محل تجاري آخر، عندما مرت بجوارنا مجموعة شباب يحملون لافتات ويهتفون، على عجل اتفقنا أن يسبقانني للمحل بينما الحق أنا هذه التظاهرة فأفهم ما يحدث، (لم يعجب ذلك رفيقتاي كثيراً، كل ما تشوفي حاجة يا ابلة كريمة تبي تعرفيها؟! /.........الله غالب الفضول ضاربني شن بندير)
لحقت المتظاهرين وفهمت، وخيراً فعلت، أنهم يحيون ذكرى غزو العراق، يحيونه بتأكيد اعتراضهم على الحرب ويطالبون الحكومة الانجليزية بالانسحاب من الأراضي العراقية وترك العراق وحاله.
فاجأني ذلك كثيراً، الشباب والفتيات ذوي البناطيل المتهدلة والتي تكشف عوراتهم، الملونين لشعرهم بالوردي والأزرق والأخضر، يخرمون شفاههم وأذانهم ويعلقون بها الحلقات المعدنية، ذلك الشباب الذي حتى انه يدعو للشفقة، يذكر يوم غزو العراق ويعترض، يحملون صورة الرئيس الأمريكي جورج بوش مشوهة، وينعتونه بالإرهابي العالمي.
في حديث جانبي مع إحدى الفتيات المشاركات: "نحن ضد الحرب وضد احتلال العراق تماما"، فعلقت، لكن هذه الضد لم تقف في وجه تدمير العراق بشكل كامل، فتأسفت لذلك وطأطأت رأسها خجلا أما أنا فتمنيت لو أتراجع عن كلامي وندمت عليه؟
في زاوية أخرى من الشارع تقف عربة عسكرية، الفضول أيضا قادني إليها، يقف على بابها جنديان بزي عسكري وقور، تعرض صوراً من ملامح الحرب في الأراضي العراقية، صور فقط، فالجنديان لا ينطقان بحرف، سأكون صادقة أنا لم أفهم الموقف، التقطت الصور فقط، هل هم مع أم ضد، لست أدري، لكم أن تخمنوا.
عند تمثال المونيمنت تجمهر المحتجون ضد الحرب، وبدء وصول دفعات أخرى، من الانجليز، هاتفين ومنددين، ليس ضد حرب العراق هذه المرة، بل ضد الحكومة، إنهم المعلمون والمعلمات الانجليز، يطالبون بزيادة مرتباتهم، يصرخون بصوت جهور (fair pay for teachers) ، بعض المحتجين صعدوا أعلى التمثال الذي يطل على المدينة رافعاً يده ويبدو أنه محتج هو الأخر. أخبرتني صديقة انجليزية (ليست هيلينا) أن المعلمين يتقاضون 24,000جنيه إسترليني سنويا، هؤلاء اللذين لهم خبرة تربو على العشر سنوات، أما المعلمين الجدد فيتقاضون 12,000 سنوياً، بالمقابل فإن الطبيب العام (general physion) يتقاضى 120,000 جنيه استرليني سنوياً. ولتقريب الصورة فإن الجنيه الإسترليني يساوي2.5 دينار ليبي فقط لا غير.
أرجوا أخذ نفساً عميقاً أولا: شهيق، زفير، شهيق، زفير.
صحيح هذه الأرقام ضخمة ونحن غير معتادين على سماعها خاصة في خانة المرتبات، لا يتقاضاها المعلمون ولا الأطباء ولا حتى بحاث الذرة في بلادي.
ولا أخفي عليكم أنني منذ بدأت في كتابة هذا الموضوع وأنا أتفادى أن أصف لكم إحراجي عندما سألتني (السيدة جيني) عن قيمة المرتبات التي يتقاضاها المعلمين في بلادي.
أي إحراج هذا الذي أنا فيه!!، لا يمكنني طبعاً أن أنتقد بلدي لغريب، ليس من خُلقي (لا، وزيادة انجليز) لكن هل أجيبها أنه يدفع لهم فتات ما يدفع للمعلم الانجليزي، وليت الحال على ذلك، لا أدري من الذي استيقظ ذات صباح طرابلسي جميل مزهر، وأخذ يشطب الأسماء ويضيف ويحذف جل من كان في قطاع التعليم، حتى الذي قضى ثلاثون عاماً من عمره المديد بين فصول الطباشير، ولو أنني أقف مع ما حدث من زاوية أخرى، أن تبنى ليبيا، إلا انه ليس بتلك الطريقة، تماماً كحكاية الهدم هذه الأيام، والتي هي الأخرى يبدو أن احدهم استيقظ ذات صباح طرابلسي جميل ومزهر وأخذ يشطب البيوت والأسواق والإحياء، يبدو أن طرابلس ستتحول إلى عاصمة ثانية بعد باريس في تقليعات الموضة، غير أن الأولى تشتغل بالعطور والأزياء، وطرابلسنا تشتغل على أعصاب الناس وقوتهم ومساكنهم، (حد يوقفني يا جماعة شكلي سرحت مرة واحدة).
عموماً، أنا ألان في المظاهرة التي اختلطت بين هتاف المحتجين والرافضين للحرب على العراق والمنددين بتدني مرتبات المعلمين الانجليز، ومواء الشباب القطط، الذين يروجون لشركة أغذية (القطاطيس).
هذا كله والفتاتان لا يزالان في محل الثياب، التقينا بعد مكالمة هاتفية ليحدد كل منا موقع الأخر، ولم يصدقا، أن كل ذلك حدث وهما بين صفوف القمصان والفساتين.
تحياتي وليلة سعيدة وهانئة دون أن يستيقظ أحدهم في صباح طرابلسي جميل ومزهر، ويبدأ في شطب.................من يدري دور من وماذا هذه المرة؟.