من أعمال التشكيلية الليبية/ أمينة العتري
أحيانا أخمن ماذا يحدث لو عثر/عثرت إحدى جاراتي الليبيات (هنا في نيوكاسل) على مدونتي وفضح أمري؟ إن أسوء مخاوفي هو فقداني لمادة المدونة أو بالأحرى مصداقية مادتها.
المصداقية التي تأتي بها عين تلتقط بعفوية دون محاباة.
غادرت ليبيا وتركت ورائي صديقاتٍ غالياتٍ على قلبي، أقل ما أقوله عنهن أنهن ما ادخرته في هذه الحياة من نفائس، فاطمة غندور وحواء الحافي وأمينة العتري وآمال الترهوني ود.ثريا وصديقتي زينب عيواز، هالة الطياري.
فاطمة، إذاعية وممثلة مسرحية، ومهتمة بالأدب النسوي الشعبي، والحكايات التراثية. (أبلة العلوم) هو شهرتها في منطقتنا، فقد كانت تدرس مادة العلوم في عصر التعليم المنزلي الذهبي، عبر شاشة إذاعة الجماهيرية، هي جارتي، تقول فيروز: (نحن والقمر....جيران).
صاحبة صوت عذب وإلقاء هادئ للكلمة، لا تنافس فيه، لطالما كانت لي مثال الأخلاق الرفيعة والشخصية الراقية.
حواء الحافي، شاعرة وكاتبة ليبية، درستني مادة اللغة العربية لسنتين متتاليتين، في المرحلة الثانوية وتركت في نفسي عميق الأثر، وفي كل حياتي، فقد دخلت الفصل يوماً واتجهت نحوي لتخبرني أنها قد رشحتني للاشتراك في المسابقة الأدبية الثقافية، التي يقيمها مكتب تعليم طرابلس، وتريدني أن أشارك في مجال الكتابة الإبداعية (القصة/المقال)، لأزال أذكر ذلك اليوم، وذاك الفصل في السنة الثانية ثانوية قسم/علمي، وقولها: كريمة مواضيعك الإنشائية مميزة ولك أسلوب جميل.
الحقيقة أنها أيضا كانت تختار لنا مواضيع مذهلة للكتابة، مواضيع تفجر كوامن دواخلنا وتطلق إبداعاتها، وهذه أمثلة، (من أنا)، (محاولة لكتابة قصة)، (صدى لقصيدة)، كانت معلمة مختلفة.
شاركت في المسابقة مع فتاة أخرى، تتفجر قريحتها شعراً، أذهلت لجنة التحكيم وكل المتسابقين، روعة قصائدها وارتجالها وإلقائها، كانت أعجوبة، لا زالت قصائدها ترن في أذني، وآخر خبر عرفته عنها بعد أسابيع فقط من العطلة الصيفية ذلك العام، أنها تزوجت وتركت الدراسة.
تلك الفتاة فعلا كانت شعلة قصيدة، (الله يحميها أينما كانت).
حصدنا الجوائز في تلك المسابقة، فتحصلنا على الترتيب الأول في كل من القصيدة الفصحى والعامية لصديقتي، والترتيب الأول لي في القصة القصيرة والمقالة الأدبية على مستوى الجماهيرية، تحت رعاية (الابلة حواء).
حواء وفاطمة صديقتان مشتركتان لنا، أنا وزوجي، في مكتب حواء بمجلة البيت في المؤسسة العامة للصحافة تعرفت إلى رامز النويصري (زوجي).
فاطمة وحواء فقدت الاتصال بهما، بعد وصولي نيوكاسل، فحواء لا تهتم بالانترنت وما يتعلق بالكمبيوتر، وأضعت عنوان فاطمة (إيميلها، من يعرفه يجود به علي) ولا أزال أبحث عنه وعنها.
أمينة العتري، فنانة تشكيلية مجنونة فناً، كنا نعبر شوارع طرابلس معاً، وحين نتعب نتجه إلى (البرعي)، المطعم الليبي البسيط الجميل طيب الذكر والمذاق، الخفيفة على الجيب أسعاره.
آمال الترهوني صديقتي الأصيلة، (بنت العايلة) المكافحة والواقفة في وجه غول الحياة اللئيم، يوم مغادرتي ليبيا، وصلت بيتي عند السابعة والنصف صباحاً، وحتى الظهيرة، لم تتركني، وقفت تودعني، حتى غابت سيارة أخي في إسفلت الطريق.
زينب عيواز، زينب صارمة عنيدة، هي كما أقول عنها دائما، وحدها (تقدر أن تقول للصح قف إنك خاطئ) ما انحنت يوما، أمام مغريات الحياة ومساوماتها الرخيصة، رفيقة دربي عبر أيام الدراسة المريرة في كلية الطب البشري.
كل المرارات نشترك فيها معا، وحلم يذبل يوماً بعد يوم، قص الواقع ريش جناحيه، وترك فضاءه للصقور المحلقين في الجو، في كلية دخلناها والعالم حولنا بألوان زهرية، لنستيقظ على قسوة حجم الفساد المتعفن في مكاتبها.
لك الله يا كلية الطب البشري.
د. ثريا، جارتي وصديقتي الحبيبة، النقية التقية الصافية، الأم المباركة، أختي التي لم تبخل بالنصيحة بالدعاء لي يوماً، الغالية على قلبي، تصارع مرضا شرساً، (يارب اشفها، لأجل أطفالها، ومد بعمرها).
هالة الطياري، فتاة جبارة رغم ضآلة الجسم الذي توقف عن النمو ليبقيها في هيئة الثانية عشر عاماً، طبيبة أطفال، تريد متابعة دراستها الدقيقة في دولة أوروبية، والتبحر في علوم الوراثة والجينات، أسميها العملاق.
من يقول أني أبالغ؟؟؟؟.
ومن يدور في ذهنه أنني لولا هذه الغربة وهذا البعاد ما كنت لأنشد فيهن مديحاً.
صدقوني هن من صفوة الفتيات والنساء في ليبيا.
تركتهن وغادرت.
لا أزال أبحث عن صديقة هنا، وجاراتي الليبيات جاراتي، أحترمهن، لكن ولا واحدة منهن أشترك معها في جنوني ومجازفاتي، هن سيدات مشغولات بأسرهن وتفاصيل الحياة اللا معتادات عليها.
صديق مصري لنا، يدعى نبيل، هاتفني هذا الصباح وأخبرني أن فتاة انجليزية تدعى (هيلينا) ستتصل بي، هو لا يعرفها، فقط يعرف والدها، لكنهما، أي نبيل ووالد هيلينا، يتوقعان انسجامنا، والله أعلم.
وأنا في انتظار مكالمة هيلينا لتحديد موعد نلتقي فيه.