إرسال الفتيات الليبيات بعثات للخارج: مع /ضد ما رأيك؟
عند سماعي أن ثمة فتيات ليبيات جئن لإتمام دراستهن هنا إلى نيوكاسل، والحصول على شهادة الماجستير أو الدكتوراه شعرت بالفخر والاعتزاز.
الغربة تريك وجهاً آخراً لوطنك، وتحيطه من كل الاتجاهات، الرؤيا من بعيد تصغر الأمور التي كنت تراها عظيمة، وتريك الأجزاء من الكون التي غفلت عنها. أرى الزاوية الأخرى لعقول البشر، معنى آخر للحرية أو للتحرر، والأدق الانفلات، الشعور بغياب الرقابة في بلد لا يعرفك فيها أحد، لا سلطة للدين أو العرف ولا العائلة، العين هنا ترصد التفاصيل أكثر من عين الوطن.
لعلك تخرج يوماً لأحد شوارع طرابلس وتجد شاباً يترنح، قد يحدث ذلك لما لا، لكن بعد التفاته صغيرة سيخطر ببالك أهله، إخوته، جيرانه، ربما تأتي الشرطة وتلتقطه أو رجال غيورين على دينهم سيغرقونه في سطل ماء، لكنك في بلاد أخرى غير عربية وغير مسلمة يتصيدون لنا الأخطاء، لن يمر الأمر كذلك، ليس بتلك البساطة، فنحن نعطيهم السكين ليذبحوننا، والذرائع حتى يسموننا بالعالم الثالث وقد نحصل على ترقية في الأعوام المقبلة ونصير العالم الرابع.
ألاقي هنا أفكاراً غريبة، تعصب ونزعة عرقية لم أرها من قبل وهذان حادثتان مثال لما أقول:
حضرت معنا درساً لتعلم اللغة الانجليزية فتاة جميلة، تدعى "إيمان" وطلبت منها المعلمة التعريف بنفسها فقالت أنها متزوجة وجاءت مع زوجها للإقامة هنا (forever) -وهي فتاة كردية-، فسألتها المعلمة من أين تحديداً فأجابتها من سوريا، وقالت أن لغتها الأم الكردية وتتحدث قليلا انجليزي وفرنسي، فسألتها بلهجتي الليبية: ما تتكلميش عربي؟
فأجابتني باقتضاب:لا لا
إن لم تتكلم العربية، كيف فهمت سؤالي وأجابتني بلسان طليق (أنا مسلمة)؟.
ليس هذا كل شئ، فتاة أخرى ليبية، كانت ستكتب لي شيئاً، فاعتذرت وطلبت أن تمليني وأنا أكتب، أو آن تكتبه باللغة الانجليزية، فاللغة العربية ليست لغتها؟، لغتها الأم الأمازيغية (الجبالية)، ثم الانجليزية، السؤال:
الفتاة موفدة من ليبيا للدراسة، فأين تبخرت السنوات الإثني عشر من عمرها التي مضت بين التعليم الأساسي والمتوسط، تدرس باللغة العربية، وديانتها الإسلامية، كيف تؤدي فروضها، كيف تقرأ القرآن، بالأمازيغية؟.
أنا لست ضد أي ثقافة، بل على العكس تماماً أرحب بكل الأعراق والأجناس لكن تحزنني هذه النعرة المقيتة، وهذا التنكر والتعالي على لغة لا ننسى أن القرآن نزل بها، وهذا ليس كل شئ:
التحقت بمركز الـ)ـInternational House) لتعلم اللغة الانجليزية، وهي مؤسسة كبيرة، وفي المركز التقيت بشباب مختلطٍ هو من كل الدنيا وما يعنيني هم الطلاب العرب: من دول الخليج ومن العراق وليبيا، فتيات يرتدين ثياباً غير محتشمة وشباب غيبت الخمر عقولهم حتى تعجب الإنجليز لحالهم، خمر في وضح النهار.
بريطانيا كلمة عقيمة لا تلد، الناس هنا يتخبطون في حال من الذهول والفوضى الروحية، يركضون وراء وقت مرابي يسرق أيامهم ويعجزون عن دفع تكاليفه، وأموال رغم أنها (عملة الصعبة) لا تشبع بطن الغلاء الفاحش في هذه البلاد وتفاصيل من الارتباك ترويها حكاياتنا:
سيدة مصرية مسلمة مقيمة هنا تفتتها المرارة فقد فقدت السيطرة على بنتيها المراهقتين، أفضلهما تعود لتبيت في المنزل، أما الأخرى فلا تطرقه بالأسابيع تقيم مع صديقها الانجليزي في بيته، سيدة مصرية أخرى أطفالها يتكلمون عربية بالكاد مفهومة بل لهجة مصرية بالكاد تفك طلاسمها.
معلمة تدرسني اللغة الانجليزية أخبرتني في حديث جانبي ذات مرة، أن والدها سوري (من سوريا) تزوج والدتها التي كانت انجليزية يهودية وطلقها، وهي بعد طفلة صغيرة لم تتجاوز الثامنة، وعاد إلى سوريا وأخذت هي الجنسية والديانة من أمها ولا تعرف والدها أبداً.
سيدة هولندية هنا، متزوجة من رجل ليبي منذ أكثر من ست سنوات اعتنقت الإسلام على يديه، وبعد عامين ونصف من زواجهما قال إنه سيذهب ليزو أهله في ليبيا، وذهب ولم يعد يكالمها هاتفياً، وهي في حال ارتباك هل تطلب الطلاق، أم تظل تنتظره فهو يعدها أنه سيعود يوماً؟.
سيدة انجليزية أخرى تدعى اعتنقت الإسلام على يد أحد الرجال الليبيين هنا في بريطانيا وتزوجا، وانتقلا للعيش في ليبيا، وغرقت في مشاكل (الحماة والسلف والسلفة) حتى طلقت بعد عشرين عاماً من الزواج، عاشتها في ليبيا وفي أصعب ما مر على ليبيا من ظروف. تقول بلهجة ليبية واضحة:
مكتوب.. نصيب، أنا مسلمة لأني قريت القرآن وفهمت الإسلام، وعشان هكي بعد عشر سنين من الطلاق وأنا عايشا في بريطانيا. أنا محافظة على ديني. لكن الليبيين مش مسلمين مزبوط. الليبيين في واسطة وفي كذب ويقولوا بعدين حنا في مشاكل مع القذافي هم الليبين لو ما غيروش نفسهم كيف القذافي يتغير.