في ربكة البحث عن فاطمة جديدة، البحث عن صديقة تملأ فراغ الحياة الغريبة التي أعيشها، أفضفض لها بضيقي، بهذا الاختناق، وقد تركت كل ما لي ولحقت المجهول، هاتفني من ليبيا، د.نبيل (صديقنا المصري الليبي الجميل).
-ما بك يا كريمة؟.
سأبحث لكي عن أصدقاء هناك، لا أعرف أحداً في نيوكاسل لكنني سأحاول.
وبعد أيام عاود الاتصال:
وجدت شخصاً قد تنسجمين معه، لا بأس أن تجربي، فتاة تدعى هيلينا، أنا لا أعرفها، فقط أعرف والدها، يعيش بلندن وهي تعمل وتعيش مع صديقتها في نيوكاسل، وستتصل بك خلال أيام.
أثق بنبيل، لكن التعرف بأحد ما، بهذه الطريقة، لم إجربه من قبل، (يلا هي غربة غربة نجربوا وخلاص).
الحقيقة لم أتحمس كثيراً، لكنني أيضاً انتظرت مكالمتها بفارغ الصبر، فلم يحدث أن عرفني نبيل فايز حنا، بشخص إلا وكان مميزاً بشكل أو بآخر.
الأيام تمر، ولم تتصل هيلينا هذه، يسألني نبيل ما جرى؟ فأخبرته بأنني لا أظنها متحمسة للأمر، وأن لا يلح عليها، فلا يمكنني التكهن بشكل العلاقة التي ستنشأ بيننا.
هيلينا كانت تحاول الاتصال، وترد اسطوانة على هاتفها، وهكذا كان يحدث مع أهلي عندما كانوا يحاولون مكالمتي، وحين غيرت رقم هاتفي، رن يطلبني رقم غريب، قفزت من فوري أنادي زوجي أنها لابد هيلينا:
Hallo karima, I am hellena
كنت أنتظرها، وأخبرتها أنني انتظرتها، وعلى موعد معها تتوالى الأيام حتى عطلة نهاية الأسبوع (weekend).
يوم السبت 12/4/2008 استيقظت صباحاً على آلام زوجي، وقد اشتد الوجع به، فلا يقدر حراكاً، يرفض أن يرى طبيباً، وتشخيصي لحالته لا يكفي، فلا يمكنني التكهن بما قد يكون أصاب ظهره، (الحمد لله على السلامة يا رامز).
هاتفنا هيلينا واعتذرنا عن الموعد المعقود بيننا، وسألناها أن تشرفنا بزيارتها في بيتنا إذ لا يمكننا المجيء، وعلى هذا تم الاتفاق.
زوجي بدأت تغادره الآلام شيئا فشيئاً، ويشعر أنه أفضل (الحمد لله)، قليلاً من التدليك وبعض من المراهم تكفلوا بالأمر (حتى احنا دكاترة مش أي كلام)
وننتظر هيلينا الفتاة الانجليزية القادمة.
أنا قلقة بشكل ما، وأتكهن بما تكون، فليس لدي أي فكرة عنها، سوى أنها مرسلة من طرف نبيل، أما ماهيتها، وكينونتها، فلله العلم.
يخالجني الخوف بأنه سيخيب ظني، وألتقي بفتاة انجليزية متعجرفة بأنف طويل وملابس غير محتشمة، وقد تكون في ثلاثينيات العمر، بدينة، وأن زيارتها ستكون ثقيلة الظل والدم معاً، زوجي غير مرحب أساساً بفكرة الغريبة المجهولة، هو رجل يميل بل يقف بكل ثقله في صف العقل والمنطق والمفروض، يحب النظام والترتيب وعلى اتفاق وثيق مع الساعة والوقت، ليس اجتماعي بشكل كبير، وأنا على النقيض تماماً، لا علاقة لي بالمنطق والعقل وما يقولانه، فلم تسر الأمور معي على نحو منطقي أبداً، أفقدني المنطق الكثير من حقوقي، وأجمل ما في حياتي جاء دون مباركته، لا علاقة لي بالنظام والوقت وجمود المفروض، مواعيدي خربة، وأعشق المغامرة وخوض المجهول، أحب طرق الأبواب لأعرف ما وراءها، وأعشق تجربة كل جديد، لا أتعب رأسي باستباق الأحداث، بالتحاليل المنطقية، حتى أن أمي كانت تخشى علي كثيراً، تقول:
(لو جيتي ولد عادي، لكن البنت ما ليهاش المغامرة، اغسلي الماعين وطيبي كيكة وريحيني، اقري قرايتك وياسر، لا نبيك تكتبي قصة، ولا تتعرفي على مسيحين ولا أجانب، كل يوم والتاني مروحتيلي بصاحبة من بلاد، كوري على هندي على سويسريات على سويديات، غير وين تلقي فيهم).
اختلافي وزوجي سبب اتفاقنا وسر سعادتنا، والحمد لله.
هيلينا ستصل عند الثانية ظهراً، والساعة تشير إلى الثانية والنصف ولم تصل، أين مواعيد الانجليز؟!، (الباين فيها عرق مني).
صوت خشخشة أمام الباب، ولم يقرع أحد الجرس، حين ألقيت نظرة من نافذتي.....مفاجأة......وصلت هيلينا، فتاة في مثل سني، جميلة، تقود دراجة.
الله الله الله، دراجة (غلبت وغلب حماري، أقنع زوجي بأن يشتري لي دراجة، هاتفت كل الأصدقاء ليعينونني، ولا يزال متردداً، إنه يخاف علي).
هيلينا لها صديقة آسيوية مسلمة، فهي تعرف عاداتنا، أحضرت معها كيك بالزبيب، لذيذ جداً، (وزوجي تعافى تماماً ، سبحان الله)، طلبنا منها البقاء لتناول الغذاء معنا، إن لم يكن لديها أي ارتباطات، فرحبت بذلك.
دخلنا المطبخ معاً، لنعد الـــ(كسكسي بالبصلة)، وفاجأني إلمامها بفنون الطبخ، فتقايضنا طرق إعداد الوصفات الليبية بالانجليزية (طبعاً عرفتوا لمن التطييب الصقع) نضج الـــcouscous، فالتهمت صحنها بشغف لم أتخيله، وخبرتني عن محاولاتها الفاشلة في إعداده، متبعة التعليمات المدونة خلف علبته، دافعت عن المطبخ الانجليزي بشدة عندما انتقده زوجي وقال أن الانجليز لا يعدون أطباقاً شهية، أعجبني اعتزازها بوطنها، وتقاسمنا سرد الذكريات عن الجدة، تركت جدتي وقد تركت جدتها، مع الاختلاف، فأنا غادرتها على مضض، أما هيلينا فعلى سنة الغرب، تركت أهلها وبيتها وغادرت، أخبرها زوجي الكثير عن ليبيا التي لا تعرفها وأراها صوراً عنها، فلم تصدق ذلك الامتداد الجغرافي المترامي، في المساء غادرت وقد قضينا كلنا وقت ممتع.
اسم (هيلينا) مشتق من اليونانية (هيلين) والذي يعني النور، وكان لها حقا من اسمها نصيب، نور محتشم دون إبهار، دون عجرفة ولا كبر، يتسرب ببساطة في المدى ويسمي حضوره الصباح.
أهلا بك يا هيلينا في حياتي صديقة جديدة.
هناك 10 تعليقات:
العزيزة كريمة فرح وسعيد بتعرفك على احد اهل هذا البلد الجميل للأسف فنحن نأتي من ثقافة علمتنا أن الاجنبي لا يؤمن جانبه بل ان الانجليز في المخيال الشعبي العربي والليبي هم اناس متعجرفين وعنصريين على الرغم ان التجرية والتعامل اثبت العكس بالكلية فهم اناس مثلنا مثلهم يحبون ويكرهون وفيهم كافة الاصناف تماما بل احيانا اجدني اقول كم يشبهوننا في الكثير من الطباع وحتى السيئة منها، وكثيرا ما اكرر عبارة انهم اناس طيبون جداً وبخصوص الدراجة اضم صوتي في مساندتك للحصول على واحدة ولكن بعد اذن العزيز رامز الذي لم اعلم بوعكته على الرغم من انني اعرف انه لا يحب الاطباء والادوية ولكن اعلم بانك قمت بالواجب. تمنياتي لكما بمزيد من المحبة
غازي
شكرا يا غازي، تسعدني ردودك جدا خاصة وأن شخص ما دائما لا ينفك يردد(غازي بيرد عليك، راجل مشغول لا فاضيلك ولا فاضي لمدونتك) ياعيني عليك ياغازي رغم مسؤولياتك الجسام وجدت وقتا لكتابة تعليق لي.
كل ما أسلفت صحيح جدا، أسوء ما في الامر أننا نأتي بعقلياتنا (المنغلقة) يحاول الليبيون هنا العيش كما لو كانوا في طرابلس، أو بنغازي، لا أحد يرغب في التغيير، لا أحد يحاول تجربة الجديد، ولدينا مواقف مأخوذة سلف اتجاه الاخر، فهو عنصري ومتعجرف وأشقر(شعره أصفر وعيونه زرق).
وأنا لا أزال أطالب بدراجة وأحتاج المساندة
كريمة الفاسي
حسنا من الواضح اني تاخرت في قراءت ادراجك ولكن سعدت ان هناك شئ جديد
في البداية حمد لله علي سلامة زوجك
وتهانينا اخيرا بسماع شئ عن هيلينا عزيزتي كريمة هي تشبهك كثيرا ليس في الشكل ولكن هناك رابط خفي بينكما
امل اتكون صحبتكما صحبة خير وابلغيها تحياتنا وادعيها لزيارة ليبيا لتتعرف عن قرب عن معالم ليبيا الحبيبة
اما عن الدراجة اظم صوتي لصوتك ولكن عليك ان تعلميني قيادتها عند رجوعك للوطن
ما رائيك !!
أحييك كريمة على ما تكتبين.. أرى أنك بدأت تنسجمين مع حياتك الجديدة و هذا جيد...
رائع أن تجدي صديقة من أهل البلد.. معها ستكون لمغامرتك شكل آخر ... يومياتك جميلة و مغامراتك ممتعة فأنا إستمتعت بما أسلفت من كتابات حول متاحف و كنائس نيوكاسل و أعترف أن بعضاً منها لم يسعفني وقتي الضيق لزيارتها .. شجعتني بما ذكرت و إن شاء الله سنستغل الجو الدافئ (نسبياً) لزيارة ما لم نزره ...
بالمناسبة أدعوك لزيارة منطقة ويتلي باي (whitley bay) المطلة على بحر الشمال .... فأنا أحببت المنطقة كثيرأ كوني كائن "متوسطي" لا يسطيع العيش بعيداً عن البحر و أفقه اللامحدود....
في النهاية أرجو أن تجدي في صديقتك الإنجليزية فاطمة التي تبحثين عنها !!
تحياتي
أم دانيا
السلام عليكم:كف حالك د.كريمة؟
اتمني ان تكوني بصحة جيدة
شني تتغلي علينا,والله غالية غر ما تطوليش الغيبه.
تحياتي للباش مهندس
hi
please do not be late
we look for your new stories
fi aman allah
اشتقنا لك ولادراجتك الرائعة
لا تطيلي الغياب
موفقة
شكرا لك د. بلقيس،والسيد(الغير معرف) ونسيم ليبيا.
لا نتغلى ولا شي الموضوع كله اني مريت بوعكة صحية محترمة الايام الماضية.
والحمد لله الان ربي عافاني.
شكرا ع السؤال
شكرا على هذا الدفع
كريمة الفاسي
الغرب غرب والشرق شرق
ابن شكر اللييبي
الحمدوله علي سلامتك وطهور إن شاء الله لزوجك رامز و ليك أختِ كريمة ...
حسبي أن المرض له حسنات كما له سيئاته الكثيرة فأنا وفي حالتي هذه لاأجد مفر من متابعة مدونتك و ( تفصيصها بالادرجة ـ راسي وراسها المدونه اليوم ـ لن أبرح حتى اكمل كل الادراجات بعون الله ) ... فصبرك معاي أختي الكريمة كريمة !
بمناسبة المجتمع الانجليزي فزي مقال غازي القبلاوي و أنت أكدته بعده مشابه لمجتمعاتنا حني بشكل كبير بس المشكلة أن حني لما نقعدو في مجتمع زي هذا ننطوو علي نفسنا و نلمو حولينا الاجانب الي زينا و مانعطوش فرصه ليهم باش يتعرفو علينا بالعكس نزيدو نعطوهم فرصه أكبر بالحكم علينا أننا منطويين و منغلقين علي نفسنا أكثر و أكثر بدل مانحاولو نندمجو و نتواصلو معاهم و نفهموهم أكثر ....
عيب فينا أننا قبل مانتعرفو علي أي مجتمع نكونو حاطين تصور راسمينه من قبل مانتلاقو معاهم و من قبل حتى ما نختلطو بيهم ، إما من الاعلام متاعنا المظِل المظلل أو من خلال أفكار الناس الي سبقتنا في المجتمع و الي أصلا ماختلطتش بيهم و بنت أفكارها من مجرد مشاهداتهم مش خبراتهم مع المجتمع نفسه .
وأني نعطيك أمثلة كثيرة علي الحالات الي زي هذي .. فمثلا يجو ناس يقولولي الاسكندنافيين ماعندهمش علاقات أسرية و أرتباط عائلي و و و و لما تجي تسأل الشخص هل عاشرت أسكندنافيين يقولك لا ؟ تقوله كيف حكمت عليهم , يجاوب يقولوك واضح ماتشوفش فيهم قدامك؟
بصراحه أني مخالطهم وساكن معاهم و نشوف فيهم كيف يتعاملو مع أهلهم و قداش أرتباطهم ببعض ، أتصالات بالتلفونات و كروت معايدة في كل المناسبات و حفلات لمناسبات مختلفه ، عيب المجتمع أنه مايوضحش الامور هذي لان كل واحد لاهي في همه و في خدمته مش زينا حني , هذا علاش مايبانش عليهم أنهم أسريين .
و اكيده الانجليز نفس الشيء يا كريمة ، ناس ودودين أكيده فيهم الشرير بس حتلاقي ناس طيبه و حبابة و تنحب من أول لقاء وعلي فكرة الاجانب بصفه عامه يقدرو الصداقه و الصحبه ، والعشرة ...
أختي خالطي و جربي و مش حتندمي , هما ينتظرو في الخطوه الاولي فأبدي أنت بيها و شوفي ردت فعلهم بعدها .
ربي يوفقك و يحميك وزوجك ...
إرسال تعليق