الأحد، 8 يونيو 2008

رحلة إلى جزيرة الاحلام

أرض السحر والجمال، أطء الآن الجزيرة المقدسة بقدمي، أرسل عيني في الأفق، تترنح بين نسيم البحر العليل وابتهاج أسطول البجع السابح فيه وخضرة التلال المزقزقة مهللة للنوار
أين أنا؟
إنها الجزيرة المقدسة Lindesfarne:
جزيرة مدّية مِنْ الساحلِ الشمالي الشرقيِ لإنجلترا، يقطعها المد مرتين في اليوم، فيمحو أثر العابرين ويجبر المتشمسين على العودة إلى الوراء، الخلجان الصخرية والبرازخ المنمنمة، البيوت الانجليزية الطراز، القديمة، القلاع، الحصون، الكنائس ودير العبادة، كل شئ كما هو، كأنه بني البارحة وليس قبل عشرة قرون، الأساطير وحكايات الأولين عن حروب أدمت الساحل، نبوءة لمجاعة عظيمة اجتاحت المدينة بعد ظهور تنين ينفث نارًا في السماء لحقته زوابع وأعاصير تلاه هجوم الاسكتلنديون عليها، ومقاومة الرهبان للغزاة الوثنيين، أخبار تزيد الجمال وله الغموض وارتباك المغامرة لدخول بوابة الزمن الغابر.
أنا في كل هذا، أحاول اغتراف كل ما يمكنني من عبق التاريخ وتعبئته في سرداب الروح، زوجي راح يحلق في الأخضر اللا متناهي، يحاول التقاط كل ما يمكنه من سحر هذه الطبيعة الغناء بكاميرته الرقمية، والصحبة ودودة وجميلة، هيلينا من ليوتن، ستيورت من ايرلندا، ،راندي من غانا، بول وسارة من نيوكاسل، وإنا وزوجي من ليبيا،
عقب هاتف لهيلينا تسألنا إن كنا سننضم للرحلة أم لا، وقد حُزم الأمر عندما تنازل زوجي عن يوم في عطلة الأسبوع لدراسة مقرره، فغادرنا عند الثامنة صباحاً تصطحبنا هيلينا في سيارتها الخضراء الصغيرة على طريق امتد لساعتين كاملتين، الأمر كان مفاجئاً لنا، جمال المكان لا يصدق، سحره لا متناهي، وعلى عادة الانجليز فنجان الشاي الصباحي المقدس، جمعوا المال لابتياعه، وهيلينا دفعت في إصرار لنا ثمن فنجاني الشاي وهي تردد: انتم ضيوفي.
بداية صباحية موفقة تدحر نظرية بخل الانجليز المعششة في رأسي ورؤؤس الجميع هنا، أكملنا جولتنا في جزء مهم من الجزيرة يحوي دور العبادة والكنائس والمباني الأثرية الصغيرة، وهو في ذات الوقت محمية طبيعية للطيور والحيوانات يسكنه ويعمل فيه صيادون، بالطريقة البدائية بالشباك مبتعدين عن عقد التكنولوجيا، في هذه الجزيرة المحجوزة من العالم حكراً على الجمال وحده، والنائية والصامتة عن كل ضجيج وصداع.
أخذتنا هيلينا وبول بسيارتهما لنزور جملا آخر انها: Berwick upon tweed مدينة أكثر ضجة وازدحام تتخللها المحلات التجارية والحدائق لكنه في ذات الوقت تقليدية بسيطة تشرح كل عقد الانجليز.
الناس يعيشون داخل أسوار القلاع القديمة الصامدة في وجه الزمن، انهم يعملون في الزراعة والجمال، نعم الجمال، وما أجملُ من بيت صخري قديم منمق على ساحل البحر يغرق في تلال الزهور، أكاد لا أصدق أني هنا، افتح عيني، النسيم العليل يهفو بي في ملكوت الله، وإبداع خلقه، سبحان الله، سبحان الله فيما أبدع.
الانجليز شعب خبر الحروب والغارات، منذ ألاف السنين، وتطور لها وتجهز، ولو أني أتسائل من يعيش في أحضان هكذا جمال ليس عليه إلا أن يكون ملاكاً رحيماً، لكن الحروب تصنع القسوة فالانجليزي الذي غزا الكرة الأرضية حتى صار لا تغرب عن عينيه الشمس، هو حفيد هذه الحضارة العتيدة الممزوجة بالدماء على صفحة الأخضر الممتدة.
رحب الرفاق بنا، شرحوا لنا عن وطنهم، واعتزاز الانجليزي بدمائه (الزرقاء)، سألونا عن ليبيا ولم نكن ننتظر السؤال حتى نسهب الغزل في ذلك الوطن الرقراق، راندي أبدى حماسه ولهفته وعشقه لسياسة القذافي، الرجل لم يخفي ذلك عن مستضيفيه، يقول: القذافي وحده من سيخرج أفريقيا من الفقر والجوع، وان الاتحاد الأفريقي المعرقل، هو حلم الآن، لكننا سنراه قريبا لان القذافي يدفع بالحلم للولادة من رحم الخيال، وموقف القذافي الرادع للغرب ومواجهته لهم بمعادلته لموازين القوة تجعله معبود الملايين الأفريقية، أثلج صدري كلام راندي، أسعدني ذلك وأفقت على رائحة الغذاء
حان وقت الطعام، وهذه مفاجأه أخرى، طبعا نحن استعدينا، وطبخت الكثير من الأصناف، من جهة لان الطعام كان مشترك وموزع على الجميع ومن جهة أخرى حتى لا نقع في فخ الإحراج فنحن لنا دين يحكم طعامنا ولا يمكننا مجاراتهم فيما يأكلون،
كل منا وضع الأصناف التي أحضرها على حافة الحاجز الصخري مقابلين للنهر ولاعبون يتزلجون على سطحه، عن نفسي أعددت أرزاً و(محشي ورق العنب) ومجموعة من السلطات المشكلة، راندي كان قد أعد كباب وفاصوليا وعدد من السلطات الإفريقية، الغانية، اللذيذة، الغريبة، هيلينا أعدت مجموعة متنوعة من السندوتشات و فطيرة انجليزية تقليدية شهية، أما بول وسارة وستيورت فقد تكفلا بالصحون والملاعق والأكواب البلاستيكية والمشروب الغازي والبطاطا (التشبس).
كل شخص يقدم لبقية الرفاق ما أعد، وهذه أيضا خالفت المبدأ الانجليزي (help your self) فكان كرماً دولياً منقطع النظير، أدارت هيلينا احتفالية الغذاء الدولية هذه وطبلت أن يشرح كل منا ما أعدد ومما أعده، وبدأت بأطباقها، ثم أطباقي ثم أطباق راندي في جو من سخرية ستيورت من صديقته الـ(جوردية) لعدم إتقانها لأي من فنون الطبخ وتركها إياه يتضور جوعاً،
ما أدهشني وتركني في حال ذهول، أنهم ولأنهم يعلمون أننا مسلمون لا نأكل لحم الخنزير أو أي من مشتقاته، وعداه يجب أن يكون اللحم حلال مذبوح على الطريقة الإسلامية، لا نشرب الكحول، صنعت هيلينا ساندوتشات السلمون بدل الدجاج ولم تضف الكحول لفطيرتها، وراندي ابتاع لحماً حلال من قصاب مسلم، والاخرين أحضروا البطاطا (التشيبس) وقد تأكدوا من خلوها من أي من مشتقات أو نكهات لحم الخنزير، كان كرماً رائعاً، امتنه وزوجي لهم.
في طريق العودة المسائي ابتاعت هيلينا ثلاث نبتات طماطم، تريد زرعهم في فناء منزلها،
هذه الصور ستحكي ما عجزت عنه وقصر لساني وقلمي في وصفه.
تمنياتي برحلة ساحرة.

هناك 16 تعليقًا:

Nasimlibya `√ يقول...

واخيرا ها هو ادراجك بروائح الطبيعة وبنسائمه اللطيفة يطل علينا رغم انك لم تدرجي صور للرحلة او النزهة الرائعة ولكن مخيلتي لم تترك كلمة ولا حركة بدون ان تصنع لها لوحة قد لا تكون بجمال وروعة الحقيقة ولكن جعلتني احلق هناك
دمتي بــــ1000 خير

غير معرف يقول...

السلام عليكم اختي كريمة:
اولا:الحمد لله علي السلامة,افتقدنا يومياتك كثيرا,حسنا سأسميها شهريات حتي لا الومك علي التأخير...
ثانيا:لقد اعجبني وصفك لهذه المدينة الساحرة,وايضا هنيئا لك هيلينا,اظن انها الاستثناء الوحيد لبخل الانجليز التقليدي..

كريمة الفاسي يقول...

أهلين يا نسيم ليبيا
انت بس طولي بالك وافتحي المدونة وتشوفي الصور، وتحكمي على كلامي هل هو مزبوط أو اني قصرت في حق الرحلة
عموما الصور كان تحميلهم صعب شوية علشان هكي تاخرنا فيهم لكن شوفيهم وقوليلي شن رايك

كريمة الفاسي يقول...

أهلا يا د.بلقيس
كيف حالك والدراسة ادع لك بالتوفيق
1/الله يسلمك، ووعد مني أن لا أتأخر قدر الامكان وجهزي نفسك للشهريات سترجع هذه الايام يوميات
2/انت على حق، ربما هي استثناء، وليس فقط لبخل الانجليز بل أكثر من ذلك، انها حقاً فتاة رائعة، تعرف حدودها وتقف عندها، تحترم الاخر،
انا اقدرها جدا

غير معرف يقول...

التحية لك أختي كريمة
موضوع جميل، ورحلة أجمل وهذا واضح من الصور الخاصة بالموضوع

شكرا ومنوره

محمد عبد الغفار يقول...

ده بيأكد نظريتى فى ان الىل قال مصر اجمل بلد فى العالم يا معتوه يا اعمى

غازي القبلاوي Ghazi Gheblawi يقول...

رحلة رائعة وصحبة اروع، جميلة هي الخضرة المشعة التي تبهر البصر، ارجو ان تتمكنوا من زيارة سور هادريان الذي يقطع الجزيرة البريطانية من الساحل الشرقي في نيوكاسل وحتى الساحل الشرقي قبالة الجزيرة الايرلندية وخاصة ان السور بني في نفس الفترة التي بنيت فيها حمامات هادريان في مدينة لبدة الليبية كما يمكنكم زيارة مدينة يورك الرومانية والتي توفي فيها الامبراطور الروماني الليبي الاصل سيبتموس سيفيروس، هذه الجزر على الرغم من صغرها الا انها تزداد اتساعاً كلما اكتشفنا مساحة جديدة بها، في بريطانيا التاريخ يسير بقدمين ثابتتين.. مزيدا من التدوين.. مزيدا من الكتابة
غازي

mostafa rayan يقول...

هذه اول زيارة لمدونتك
اودان ابدي اعجابي بكتاباتك
وياريت القادة الأنجليز يكون عندهم احترام الأخر مثل اصدقائك
وطبعا انا معاكي ان في بلادنا العربيةمافيش اي صور في الشوارع للساسين ولا كمان في تماثيل لهم ولا محطات مترو وميادين بأسمائهم ولا جرائد قومية تسبح بحمدهم وتشتم وتسب من يتجرأ ويفكر في ندهم ... فبلادنا العربية ديقراطية.. ديمقراطية .. ديمقراطية
تحياتي لك

- لوسمحتي تحذفي تأكيد الكلمة لسهولة التعليق

كريمة الفاسي يقول...

شكرا غير المعرف
أسعدني مرورك، أهلا وسهلا بك

كريمة الفاسي يقول...

أهلين يا غازي
طبعا سنسمع الكلام، ونحن وراء ارشادتك لا غنى لنا عنها، شكرا لك لكل التشجيع التي تمدني به
شكرا يا غازي

كريمة الفاسي يقول...

محمد عبد الغفار
بغض النظر هل كان معتوها أو أعمى
الانجليز طاير عقلهم في مصر، ومش مصدقين امتى يحجولها، وانا زرت مصر، هي والله بلاد جميلة ،لولا ...............
مشكلة كل البلاد العربية
طبعا انت فاهمني

كريمة الفاسي يقول...

أهلا وسهلا بك السيد مصطفى
طبعا نحن بلدان ديمقراطية شريفة وطاهرة
أي رؤساء هؤلاء الذين نعلق لهم صور


هيهات
ثم

هيهات

Anglo-Libyan يقول...

as usual, you have painted a beautiful picture and I am glad that you are getting to meet the .
real decent British people

very enjoyable, thank you

غير معرف يقول...

It is lovely to be reminded of these bank holiday memories, it was such a beautiful day in the sunshine, quite unusual for England! Lindisfarne (Holy Island) is a very peaceful place and we enjoyed exploring the island together. Our picnic in Berwick Upon Tweed was international as she shared cuisine from Libya, Ghana and England. Thank you for sharing these photos Ramez and Karima. We shall soon visit some more beautiful places in the North East of England. We thank God for all he has made and for good friends :).


Helena

Herr Esharif يقول...

واخيرا وجدت طريقى الى مدونتكـ اختى كريمه واخيرا عرفت السبب ... بس طلع سبب يضحك

المهم ... مكان اشبه بالجنه اللى روحتوله والواضح ان صديقتكـ هيلينا ( بت جدعه ) زى ما يقولو اخوانا المصريين معقوله فى انجليزى يخلص حساب عالتانى !!! عشنا وشوفنا ... انى شفت حتى رد ليها هنا الباين انها مبسوطه بصحبتك يا كريمه ... كالعاده فى كتاباتك فى المدونه ديما نلقو فى العفويه والغيره على بلادك بين السطور ...
سلمى على هيلينا ...

كريمة الفاسي يقول...

لكم مني كل التحية والتقدير
اقدر لكم بصمتكم الرقيقة في دفتر حياتي التي ترصدها هذه المدونة بين مدن انجلترا
شكرا لكم
كريمة